منتدى الثلاثاء بالقطيف يناقش العلاقة بين السنة والشيعة
الأربعاء، 30 مارس 2011 محرر الموقع
محرر الموقع
لا يوجد تعليقات
استضاف منتدى الثلاثاء الثقافي بالقطيف مساء الثلاثاء 24 ربيع الثاني 1432هـ الموافق 29 مارس 2011م المفكر والباحث الدكتور محمد حامد الأحمري في أمسية تحت عنون"العلاقة بين السنة والشيعة: حقائق وأوهام" وأدار الندوة الأستاذ حسن الحمادة الذي عرف بالمحاضر وهو مفكر وأكاديمي وباحث متخصص في العلاقات السعودية المعاصرة وتاريخ إفريقيا، حاصل على شهادة الدكتوراة وله عدة مؤلفات مطبوعة منها "ملامح المستقبل"، "أيام بين شيكاغو وباريس"، "أزمة العلماء"، "الحرية"، وشغل الدكتور محمد الأحمري عدة مناصب منها رئيس التجمع الإسلامي في أمريكا الشمالية، مستشار ناشر في دار العبيكان للطباعة والنشر سابقا، ويعمل حاليا مستشاراً في دولة قطر.
بدأت الأمسية بكلمة للفنان التشكيلي محمد الحمران الذي يقيم معرضه الفني في المنتدى متحدثاً عن مسيرته الفنية ومساهماته الفاعلة في هذا المجال عبر استخدام أساليب وطرق فنية جديدة، وعرض مجموعة من لوحاته المتنوعة مشيراً إلى دور جماعة الفنون التشكيلية في المنطقة.
استهل الدكتور محمد الأحمري حديثه بالتأكيد على أهمية حرية التعبير عن الرأي معتبراً إياها أمانة ومسئولية كبيرة تقع على كاهل السلطات لضمانها وعلى كاهل المثقف لإبداء رأيه وموقفه بكل صراحة ووضوح حتى لو كان مخالفا لما هو سائد وشائع في مجتمعه أو لما يتماشى مع رغبة السلطات. وأوضح أن حرية التعبير عن الرأي هي الوسيلة الأكثر نجاعة في مواجهة التعصب المذهبي والفكري وكذلك الاستبداد السياسي الذي يعتبر الرأي والعقل أول ضحاياه التي يسعى لتحطيمها، مبيناً أن حرية الرأي تساهم في تبيين الأمور المبهمة والغامضة وترفع من المستوى المعرفي، كما أنها تساهم في كشف مناطق الضعف والمواقف المتناقضة والمتعارضة لصناع الرأي من مثقفين وعلماء دين.
وأستشهد بنماذج من المفكرين الذين تجاوزوا خندق الطائفية وارتقوا إلى فكر مدني شامل يتجاوز المحددات والأطر الضيقة ومن بينهم المفكر الاسلامي الدكتور علي شريعتي، موضحاً أن الإنسان يحتاج لفهم الأخر ولا يجب أن يحد نفسه بطيف اجتماعي أو فكري محدود، وأن أمانة الرأي ضرورية لتقريب وجهات النظر وإزالة الأفكار المظلمة والمغلوطة تجاه الأخر، وبالتالي فهم الأخر بصورة خالية من التطرف الفكري. كما أوضح ان التعبير عن الرأي بحرية له دور فعال في إزالة الاحتقان بين شرائح المجتمع المختلفة ويعالج حالات التعصب والانغلاق في الرأي، مؤكداً على ان التصريح بالرأي يخفف من التعصب المذهبي حيث يؤدي إلى تبيين حقائق وأفكار ذلك المذهب ويكشفه ويوضح نقاط الضعف والقوة فيه.
وفصل المحاضر حول دور المثقف وعالم الدين في صيانة وحماية حرية التعبير عن الرأي من خلال الموقف الداعم للحق والمنفعة العامة في مجتمعه والتي يقابلها الخيانة الثقافية عندما يداهن المثقف السلطة أو يعمل لتحقيق غايات فردية على حساب مجتمعه، فقد يتمكن المثقف من التغرير بالجمهور وتوجيه المجتمع إلى التعايش مع واقع مخز ومريض أو العمل على تقديس الحاكم وصنع دكتاتوريات سياسية أو ثقافية أو مذهبية. وذكر الدكتور الأحمري نموذجا لبعض مثقفي أوروبا الذين أيدوا فيها حركات عنصرية متشددة أدت فيما بعد إلى نشوب حروب عالمية خطيرة.
انتقل المحاضر إلى استعراض مجموعة من المحاور المرتبطة بالعلاقة بين السنة والشيعة موضحاً أن هناك حقائق ينبغي الإقرار بها في مقابل بعض الأوهام التي تساهم في تأزيم هذه العلاقة بين الطائفتين.
وذكر المحاضر ان أحد الحقائق المهمة هي التاريخ وهو اخطر ما يتعامل به الناس لأنه مثل المخزن الذي يحتوي على العدد والأسلحة، والإنسان هو الكائن الوحيد الذي يحمل أجداده على ظهره. ففي الوقت الذي لا يمكن لأي مجتمع إنساني أن يتجاهل حقيقة التاريخ ودوره وتأثيره، إلا أن هناك العديد من الأوهام التي يمكن ان تستغل لإشعال فتيل نزاعات وصراعات مذهبية وعرقية. ويمكن عبر استحضار قضايا تاريخية معينة قد تكون أوهام توليد اصطفافات اجتماعية ومذهبية، من قبيل الإشارة إلى بعض الأوهام التاريخية كعبد الله بن سبأ أو أبو لؤلؤة المجوسي وطرحها للتشكيك في إسلام وولاء طوائف من المسلمين فيؤدي ذلك إلى مزيد من التشكيك والتخوين بدلا من التقريب.
كما أشار المحاضر إلى حقيقة التسميات باعتبارها أداة معرفية للاستدلال على الأشياء، ولكنها وعبر صناعة معينة تتحول التسميات الوهمية أحيانا إلى عامل فرقة لما تعطيه من ايحاءات مغلوطة، موضحا ان المجتمعات الراكدة غير قادرة على الإبداع في طرح تسميات متجددة وإنما تتمترس حول تسميات بالية منذ قرون وتسعى إلى اسقاطها على الواقع. ولذا فان مجتمعاتنا تعمل على تصنيف الأشخاص أو الأشياء إلى فئتين لا أكثر فمن الناحية الدينية يصنف الناس إلى مسلم وكافر، ومذهبيا إلى سني و شيعي، وهكذا في مختلف القضايا الثقافية والسياسية والاجتماعية.
وبين الدكتور الأحمري اثر حقيقة الجغرافيا التي ينبغي عدم إنكارها ولكن الوهم هو الاستسلام لها بحيث يصبح الإنسان أسيرا لها، وينتج عن ذلك عنصرية مبنية على أساس التوزيع الجغرافي للبشر في العالم، موضحا أن الارتباط الجغرافي ينتج عنه تمايز إقليمي ومناطقي يؤدي في النتيجة إلى حالة من التفكك بدلا من الوحدة، وقد يعيق بناء هوية وطنية جامعة. وفي ظل تطور وسائل اتصال حديثة فانه لم يعد للحدود أهمية بالغة ولا يمكن أن يعيش أي مجتمع أسير داخل حدود إقليمية معينة.
وحول حقيقة المشاعر والانساب أوضح المحاضر أنها من الحقائق الأساسية التي لا يمكن تجاوزها ولكنها قد تتحول إلى وهم في ضمان الولاء للنظام السياسي من خلال تكريسها، فيتحول هذا النظام إلى مؤسسة أهلية مبنية على أساس النسب العائلي. وأوضح الدكتور الأحمري أن مثل هذه الممارسات توقض المشاعر العدائية وتستغل لمنافع ذاتية، وخاصة عندما تتحول إلى عصبيات مذهبية أو مناطقية أو قبلية وهي من أسهل الطرق وأسرعها لتهييج الناس واصطفافهم.
أما عن حقيقة المظالم، فأكد المحاضر بأنه ينبغي النظر بموضوعية لها وأن لا يتم تهميشها أو تجاوزها باعتبار أنها قد تكون حقيقة واقعة في معظم المجتمعات، ولكن أن لا تتحول إلى وهم المظلومية الذي يؤدي دوما إلى حالة من التقوقع والانعزال أو نشوء حالات التمرد والتشدد، موضحا أن هذه القضايا يمكن ان تطرح بكل وضوح وصراحة وأن يتم التضامن مع مظالم الآخرين أيضا.
واستعرض الدكتور محمد الأحمري دور المجتمع العالمي في التأثير على العلاقة بين الجماعات والدول في المنطقة العربية موضحا أن المصالح هي التي تحكم هذه العلاقة، وان الدول الأخرى بلا شك تعمل على استغلال الخلافات والتوترات الاجتماعية والسياسية والمذهبية واذكائها مستشهدا بموضوع إيران وطريقة تعامل الغرب في اثارته مع الدول العربية في الوقت الذي يمكن أن تتطور العلاقة ايجابيا بين الغرب وإيران.
وفي نهاية محاضرته طالب الدكتور الأحمري المثقفين بالخروج من جمود المذهب والقناعات العقدية إلى الإسلام ومن الطائفية إلى الوطن، والعمل على التخلى عن الخلافات عبر توحيد التوجهات الوطنية، والتحول إلى مجتمع مفتوح.
وشارك في المداخلات مجموعة من المثقفين والمثقفات بينهم الدكتور محمد العبد الكريم والدكتور توفيق السيف وتركي عبد الحي ونور السيف والشيخ محمود السيف وصادق الرمضان وعبد الله العبد الباقي وزكي أبو السعود الذين أثنوا على طرح المحاضر وأفكاره وتناولوا قضايا تعزز مفاهيم المواطنة ودور السياسي في توظيف التاريخ وتغول سلطة السياسي وعالم الدين في المجتمعات العربية .