السبت، يوليو 24، 2010

بيان الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بشأن تفجيرات زاهدان في إيران

بيان بشأن تفجيرات زاهدان في إيران
بيان بشأن تفجيرات زاهدان في إيران الجمعة, 23 يوليو 2010 10:16 المدير .


بيان بشأن تفجيرات زاهدان في إيران


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه اجمعين.. وبعد:

فقد تلقى الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ببالغ الأسى والقلق انباء التفجيرات التي وقعت في مدينة زاهدان (الايرانية) ، حيث راح ضحيتها مئات من القتلى والجرحى من إخواننا الشيعة، وترتب عليها رد فعل من بعض المتطرفين من الشيعة بمهاجمة محال تجارية لأهل السنة، وأُضرمت النار في بعض الاسواق بزاهدان.

والاتحاد العالمي امام هذه الاحداث الدامية والمؤسفة يرى ويقرر ما يلي:

اولا- التنديد بشدة بهذه الإعمال الإجرامية التي راح ضحيتها الأبرياء في مكان عبادتهم لله تعالى، ولا شك أن أعمال العنف ضد المدنيين الأبرياء ترفضها كل الشرائع السماوية والقوانين الوضعية والمواثيق الأخلاقية، وبخاصة الشريعة الاسلامية التي يقرر قرآنها مع كتب السماء (أنه من قتل نفسا بغير نفس او فساد في الأرض فكانما قتل الناس جميعا) ، وقال تعالى: {وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطئا} النساء: 92 ، ويقول: {ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما} النساء:93، ويقول الرسول الكريم (لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل امرئ مسلم بغير حق) و يقول أيضا (لا يزال المسلم في فسحة من دينه حتى يصيب دما حراما)

ومن هنا جاءت تحذيرات النبي صلى الله عليه وسلم للامة المسلمة أن يعودوا إلى عهد الجاهلية, يضرب بعضهم وجوه بعض من أجل خلاف في دين أو دنيا، وهو ما قاله النبي على رؤوس الأشهاد في حجة الوداع (لاترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض)

بل إن الإسلام في حروبه مع المشركين المعتدين لا يبيح إلا قتل من يقاتل ولما رأى النبي امرأة مقتولة في احدى الغزوات غضب وقال: (ما كانت هذه لتقاتل ! ) و نهى عن قتل النساء والصبيان كما نهى عن قتل الشيوخ ومن لا شأن له بالحرب.

ونهى خلفاؤه الراشدون عن قتل الرهبان في صوامعهم والزراع في أرضهم، والتجار في متاجرهم، وبلغة عصرنا عن قتل المدنيين الذين لا يشاركون في القتال.

ولهذا ينادي الاتحاد كل من يعتبر نفسه مسلما: أن يتقي الله تعالى في دماء أهل القبلة وكل من يشهد أن لا اله الا الله وأن محمدا رسول الله ولا يأخذ فئة أو فردا بذنب فئة أو فرد آخر. فقد قرر الإسلام بوضوح مبدأ المسؤولية الشخصية، وأكد ما جاءت به صحف ابراهيم وموسى: {ألا تزر وازرة وزر أخرى} النجم: ٣٨.

ثانيا- ان رد الفعل الذي حدث من قبل بعض الشيعة بسبب هذه الواقعة الاليمة من اضرام النار في بعض اسواق زاهدان، والاعتداء على الأبرياء من أهل السنة بدافع الثأر: مخالف ايضا لكل القيم الاسلامية والأحكام الشرعية، وجريمة نكراء تضر بالمصالح المشتركة بين أبناء الوطن الواحد والدين الواحد، ولذلك يجب ايقافه فورا - كما فعلت السلطات المحلية- وكما تنبهت الى ذلك الجماهير الحاشدة عند دفن ضحايا هذه التفجيرات فرفعوا شعار: (لا هم سنة ولا هم شيعة انما هم مجرمون)

ثالثا- ان الاتحاد العالمي يحذر اشد التحذير من ربط هذه الحوادث -مهما كانت دوافعها- باهل السنة ، او الشيعة، فهي حوادث تقع على الفريقين كما راينا ونرى في العراق وغيره، ولذلك فان اثارة النعرة الطائفية هي من اخطر الفتن التي جاء وصفها في الأحاديث النبوية أنها كقطع الليل المظلم.

رابعا- ان الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين يحذر من مخطط عدواني خطير، بل مشروع صهيوني أمريكي لإشعال المنطقة بالفتن والنزاعات الطائفية، لتمزيق الأمة الإسلامية وشغلها بالحروب الداخلية؛ ليعادي بعضها بعضا ويقتل بعضها بعضا، وتظل متفرقة ممزقة الأوصال، حتى تسهل السيطرة عليها وابتلاعها ونهب ثرواتها وامتصاص دماء أبنائها.
لذلك يدعو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين: علماء الأمة، وحكامها، وحكماءها، ومفكريها من السنة والشيعة وسائر مكونات الأمة، للارتقاء فوق هذه الإحداث، وذلك بالتعاون البناء والمتكامل، والسعي الجاد لتحقيق المساواة واعطاء الحقوق المتقابلة لكل الاطراف، وتحقيق المصالحة الشاملة بين الشعوب وحكامها، والتقارب الحقيقي بين الطوائف والمذاهب على اساس العدل والانصاف، حتى نسد الطريق على المخططين لهذا المشروع ونعمل على إفشاله و ابطال كل المؤامرات التي تستهدف الامة الاسلامية جمعاء، قال تعالى: {يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون} الصف: ٨

أللهم ألهم هذه الأمة رشدها واجمع كلمتها على الهدى وقلوبها على التقى (ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنو ربنا انك رؤوف رحيم).



أ. د علي محي الدين القره داغي أ. د. يوسف القرضاوي
الامين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

روسيا اليوم - المسلمون الروس.. ما الذي يعيق وحدتهم؟


المسلمون الروس.. ما الذي يعيق وحدتهم؟
01.03.2010


ماهي فرص انشاء هيئة تمثل كل مصالح المسلمين الروس؟ ما هي العقبات التي تحول دون توحد الادارة الدينية للمسلمين في الامور الادارية والدينية والثقافية وعلى الأغلب الشخصية؟

شاهد الفيديو

معلومات حول الموضوع:

عدد حاليا اكثر من عشرين مليونا. المؤسسات الدينية الرئيسية التي تمثل مصالحهم هي مجلس الإفتاء الروسي والإدارة الدينية المركزية لمسلمي روسيا والمجلس التنسيقي لمسلمي شمال القوقاز. ولهذه المؤسسات فروع في مختلف الأقاليم الروسية.

المؤسسات والجمعيات الإسلامية في روسيا لا تلتقى اهتماماتها أحياناً كثيرة على الرغم من الحوار القائم فيما بينها ، بل وعلى الرغم من تنسيق الفعاليات الثقافية والإجتماعية المشتركة. الا ان احداث الآونة الأخيرة تسوق الدليل على ان زعماء المسلمين الروس ادركوا ضرورة توحيد الجهود وقرروا الجلوس الى طاولة المحادثات. وفي جدول اعمالهم مسألة تشكيل هيئة استشارية مشتركة ، الأمر الذي قد يسفر في المستقبل عن ظهور ادارة دينية موحدة لمسلمي روسيا. ويأمل انصار توحيد كلمة المسلمين في روسيا بأن ترفع هذه الخطوة من مستوى الحوار بين الأديان وتقيم حاجزا متينا في وجه القوى الساعية الى تسييس الإسلام ونشر التطرف والغلو في الأمة الإسلامية الروسية.

ويتوقع الخبراء ان لا تكون المحادثات سهلة ، وان صياغة الرؤية المشتركة قد تستغرق وقتا طويلا. ووسط هذا النقاش ايدت السلطات العلمانية في روسيا فكرة مسلميها حول تشكيل مركز اسلامي موحد. ومن اكثر المتحمسين لهذه الفكرة السيد رمضان قادروف رئيس جمهورية الشيشان. فيما يمضي بعض المراقبين الى أبعد من ذلك، متصورين ان الكرملين نفسه يقف وراء هذه المبادرات الرامية الى لمّ شمل المسلمين. كما يلفت المحللون الى ان محادثات توحيد المنظمات الإسلامية الروسية بدأت على خلفية حدث سياسي هام هو تأسيس الدائرة الفيدرالية الجديدة لشمال القوقاز.

روسيا اليوم - مسجد يوحد السنة والشيعة في تبليسي

روسيا اليوم - مسجد يوحد السنة والشيعة في تبليسي
مسجد يوحد السنة والشيعة في تبليسي
24.07.2010 آخر تحديث [11:57]


يعاني المسلمون في العاصمة الجورجية تبليسي من قلة عدد المساجد، ففي هذه المدينة لا يوجد سوى مسجد واحد ،الا انه استطاع ان يوحد بين المذاهب الإسلامية بعد ان كان يفرقهم بحاجز اصطناعي.

ففي هذا المسجد كان السنة والشيعة يؤدون الصلاة على حدة ويفصل بينهم حاجز يقسم المسجد الى شطرين، ولكن الشيخ علاء علييف القائم باعمال المسلمين في جورجيا تمكن من توحيد الطائفتين وازالة الحاجز الذي يفصل بينهما في هذا المسجد.

وبهذا الصدد، قال الشيخ علاء علييف " قبل ان ُاعين خطيب جمعة في هذا المسجد كانت الامور صعبة حيث يدخل السنة والشيعة الى المسجد من ابواب مختلفة ويؤدون الصلاة كل حسب معتقده وبشكل منفرد. وقتها توجهت الى الجميع خلال القائي خطبة الجمعة مناشدا اياهم توحيد القلوب والنفوس وازالة الحاجز بين المنبرين السني والشيعي وقد استجاب الجميع لطلبي".

ورغم ازالة الحاجز فان خطبة الجمعة ما تزال تلقى هنا من قبل خطيبين شيعي وسني كل على حدة، ولكن هذا الامر لم يؤثر على المصلين الذين يستمعون الى الخطيبين باهتمام.

وابدى المسلمون رضاهم عن ازالة الحاجز املين ان يكون ذلك تمهيدا لتوحيد خطبة الجمعة ايضاً في هذا المسجد.

ويجدر بالذكر الى ان عدد المسلمين في العاصمة الجورجية ذات الغالبية المسيحية الارثوذكسية يناهز 35 الف مسلم ويتطلعون بامل ان تقدم الدول الاسلامية المساعدة اللازمة لبناء مساجد اخرى.

المزيد من التفاصيل في التقرير المصور

الجمعة، يوليو 16، 2010

برنامج"الاسلام والمسلمون" ليوم 14 يوليو/تموز 2010 - صوت روسيا

الوطن أون لاين ::: سعود البلوي ::: الاختلاف في الدين.. بين علماء الدين


الاختلاف في الدين.. بين علماء الدين
إن الاختلاف يثري الثقافة ويسهم في تجديدها وتطورها، غير أن ما يقتل بذور الاختلاف هو إقصاء الرأي الآخر، إذ غالبا ما يكون التصنيف مدخلا لهذا الإقصاء



ما يميز الإنسان هو العقل الذي ساعده على أن يكون الكائن الأفضل، تطوّر وارتقى بينما بقيت بقيّة الكائنات بدائية. ورغم أن الأمر كذلك، يبقى إعمال العقل بشكل إيجابي هو الفيصل في مسألة التطور والارتقاء في الحياة، فأفكارنا هي التي تحدد الكثير من سلوكياتنا وتصرفاتنا، وبالتالي فهمنا لما يجري في الكون من حولنا. فإذا ما تلقينا مختلف المعارف بشكل (ثابت)، أي لم نخضعها لميزان العقل وقياس مدى نسبة الحقيقة فيها، فإننا بذلك نجعلها تبدو حقيقة كاملة، غير قابلة للتغير من خلال عدم قبولها لـ"الشك" الذي هو أول خطوات القياس.
والاختلاف الإيجابي ينطلق أساسا من اختلاف طريقة التفكير، وأعني به التفكير الإيجابي الذي لا يحوي أي مشروعات لتدمير الإنسان، والذي يمكن أن نصفه هنا بأنه التفكير المثير للوعي الإنساني، بتركيزه حول كرامة الإنسان وأهمية حريته وخياراته، ضمن فرص متكافئة للحصول على معيشة أفضل.
جميل أن نرى قيمة الاختلاف تتجسد اليوم على مستوى المعرفة الدينية، ممثلة في اختلاف آراء علماء الدين، فهذا يمثل نوعا من عودة شرعية الاختلاف إلى الفقه الإسلامي بعد عصر الانحطاط؛ فالخطاب الديني منذ قرون طويلة لم يكن يعترف بمبدأ الاختلاف، باعتباره فتنة وشذوذا عن الحق والحقيقة، انطلاقا من مبدأ امتلاك الحقيقة المطلقة، وهذا ما يؤكده محمد بن أبي القاسم الشهرستاني في "الملل والنحل"؛ حيث يعتبر أن "الحق في جميع المسائل يجب أن يكون مع فرقة واحدة"، أي حكرا على فئة واحدة، وهذا فيه إلغاء للاختلاف وقصر للحقيقة على عقول معينة!
بينما يتحدث أبوحامد الغزالي بشكل إيجابي عن الاختلاف في القرآن الكريم؛ مؤكدا أن الاختلاف منفيّ عن ذات القرآن، ولكنه ليس منفيا عن فهم الناس له من خلال التأويل والتفسير، وهنا يكون بيت القصيد: عقل الإنسان.
كثيرا ما أقول: إن الاختلاف يثري الثقافة ويسهم في تجديدها وتطورها، غير أن ما يقتل بذور الاختلاف هو إقصاء الرأي الآخر، إذ غالبا ما يكون التصنيف مدخلا لهذا الإقصاء (وأعني به التصنيف المنطوي على تهمة)، وما نشهده الآن من اختلافات فقهية بين بعض المشايخ في المملكة، نأمل أن يكون إيذانا ببدء مرحلة جديدة يكون فيها تقبل المختلف أمرا أساسيا، ولكن لا أظن أن ذلك يشي بانتهاء قريب لمرحلة طويلة سادت فيها أحادية الرأي؛ لأن هذه المرحلة ذات جذور عميقة وغائرة في ثقافتنا الإسلامية، وبالتالي نحن أمام حتمية أمرين ربما يكونان كفيلين بانتهائها: استمرار الاختلاف، وفعلُ الزمن!
لقد شهدنا خلال الفترة الماضية اختلافات حادة بين بعض علماء الدين السعوديين في مسائل قد تبدو للناظر إلى حال العالم اليوم منتهية وتم تجاوزها، إلا أنها بالنسبة لنا غير محسومة، بل إنها أسهمت في إعاقة تطور الفرد والمجتمع، وبالتالي إعاقة الكثير من مشاريع الإصلاح ورؤى التقدم.
من خلال متابعة المشهد المحلي يتضح لنا أن الخطاب الديني عامة لا يقبل الاختلاف مع (مخالفيه)، فالوسائل الدفاعية التي يستخدمها هذا الخطاب تكاد تنحصر في الإقصاء المتمثل بالتأليب والاتهام بشكل يشبه الرصاصات الطائشة؛ إذا لا يُقبل الاختلاف حتى من (المتفقين) معه مبدأ، والمختلفين معه رأيا. وكثيرا ما واجهت بعض الأفكار سيلا من الاعتراضات على أسانيدها الفقهية، خرجت عن أطر الاختلاف بصورة تدل على عجزٍ عن استيعاب هذا الاختلاف ورفض لمقارعة الحجة بالحجة.
في معظم المسائل الخلافية في الفقه الإسلامي لم يكن الاختلاف في الدين ذاته، إنما كان على (فهم) الدين من خلال تأويل النصوص وتفسيرها، فالنصوص الدينية المقدسة ثابتة لا تتغير بتغيّر الزمان والمكان، إذ لا يمكن إعادة كتابتها من جديد، ولكن يمكن إعادة فهمها وبالتالي تفسيرها بما يتماشى مع سماحة ديننا الإسلامي وتسامحه، إلا أن المعضلة اليوم هي رفض الاختلاف على اعتبار خاطئ وهو وجوب أن يتماهى الناس مع السائد ولو لم يتساووا في الفهم، وهذا أمر غريب كأن المقصود منه احتكار (الحقيقة) الدينية على فئة معينة من الناس!

الخميس، يوليو 15، 2010

جريدة الراي - خارجيات - شيخ الأزهر يشترط دعوة شيعية - سنية لزيارة العراق - - 15/07/2010



شيخ الأزهر يشترط دعوة شيعية - سنية لزيارة العراق

| القاهرة - من حنان عبدالهادي |

اشترط شيخ الأزهر أحمد الطيب، أن يتلقى دعوة من علماء الشـــــــيعة والسُــــنة لزيــــارة العراق.
وأكد خلال استقباله، أمس، وفد الوقف الشيعي العراقي برئاسة محمد المساعدي، أنه يرحب بزيارة العراق شرط أن تأتيه دعوة مشتركة.
واعلن الوفد العراقي، أنه واثق من أن علماء الشيعة والسُنة معا سيسعدهم توجيه هذ الدعوة المشتركة.
من ناحية أخرى، أكد الطيب أن ما يقوم به الاحتلال الإسرائيلي من انتهاك للمقدسات والإصرار على التوسع الاستيطاني في القدس وبقية الأراضي المحتلة «يمثل خطرا كبيرا وينقض أسس السلام».
وشدد خلال استقباله وزير الأوقاف الفلســــطيني محمــــود الهـــــبـــاش، على أنــه «لا بد من إنهاء الاحتلال وعــــودة الحـــقـــوق إلى أصحابها من أبناء فلسطين، كما لا بد من رفع الحصار الظالم المـــــفروض على قطاع غزة، والذي لا يرضاه دين ولا عقل ويستنكره أصحاب الضمائر الحية مهما كانت أديــانهم أو أعراقهم».

الأربعاء، يوليو 14، 2010

الشيخ راضي حبيب: المناهج الكويتية تخلو من درن التكفير ولا خروقات شقاقية بين الشيعة والسنة - جـــريدة الوطـــن الإلكترونية

جـــريدة الوطـــن الإلكترونية

راضي حبيب: المناهج الكويتية تخلو من درن التكفير ولا خروقات شقاقية بين الشيعة والسنة

لا يوجد في مذهب الامام مالك رحمه الله على وجه الخصوص كونه المذهب الرئيسي لدولة الكويت ولا في مدوناته الفقهية، حكم شرعي من هذا القبيل بعقوبة استباحة دماء واموال عوام المسلمين لعلة التبرك او زيارة القبور

2010/07/12 09:45 م

راضي حبيب (Alwatan)

المذهب المالكي يخلو من أي حكم شرعي باستباحة دماء وأموال المسلمين لعلة التبرك أو زيارة القبور
زيارة القبور من المباح ولا شبهة شرك أو غلو فيها
أكد الباحث الاسلامي الشيخ راضي حبيب خلو المناهج التعليمية من التكفير موضحا في تصريح صحافي لـ(الوطن): ان الكويت خالية من درن التكفير في مناهجها التعليمية والثقافية ولا تحمل في طياتها تكفيرا لأي احد من المذاهب الاسلامية على نحو التعيين والتخصيص.
وتابع حبيب: ان ما جاء في اختبارات التربية الاسلامية هو نوع من الطرح العام الذي لم يتطرق الى مذهب بعينه من السنة او الشيعة على حد السواء لان كليهما يقولان بجواز زيارة القبور، وقد أخطأ وتوهم بعض نواب البرلمان عندما حاولوا ادراج الطائفة الشيعية تحت مظلة هذه الأسئلة لان زيارة الشيعة لقبور الانبياء والاولياء تستند إلى العقيدة الحقة التي لا افراط فيها ولا تفريط وتعتمد على مسلك القاعدة العقائدية التي اشار اليها الامام الصادق بقوله (لا جبر ولا تفويض وانما امر بين أمرين) فزيارة الطائفة الشيعية للقبور من القسم المباح وليس فيها شبهة الشرك والغلو مطلقا ولذلك تكون خارجة بالأصل عن نص الاختبار موضوعا وحكما.
فضلا عن ذلك اتفاق السنة والشيعة على معذورية الجاهل العامي وحتى العالم المشتبه ايضا وهذا بنص كلام شيخ الاسلام ابن تيميه في مجموع فتاواه في معذورية الجاهل والعالم المشتبه حيث قال: «قد يكون الرجل لم تبلغه النصوص الموجبة لمعرفة الحق، وقد تكون عنده ولم تثبت عنده، أو لم يتمكن من فهمها، وقد يكون عرضت له شبهات يعذره الله بها فمن كان من المؤمنين مجتهدا في طلب الحق واخطأ فان الله يغفر خطأه كائنا ما كان سواء كان في المسائل النظرية «أي العقيدية» أو العملية «أي الفقهية» هذا الذي عليه أصحاب النبي وجماهير أئمة الاسلام» (مجموع الفتاوى:246/23).
وزاد حبيب المراد من مصطلح العامة شرعيا هو (الجاهل بالحكم) وعليه فان عمل العامة منحصر بين تقليد أو اشتباه، وعلى كلتا الحالتين لا يجوز الحكم عليه باخراجه من ملة الاسلام او استباحة دمه وماله، لانه ان كان في مقام عمله يرجع الى تقليد امام مذهبه الشافعي مثلا فهذا حق ثابت له لصحة اختلاف المذاهب اجتهاديا، او انه وقع في شبهة الخطأ فيندرج تحت قاعدة المعذورية لكونه جاهلاً بالحكم فضلا عن ذلك فان القاعدة الفقهية في الشبهة تدرأ الحدود ولا تقيمها.
وتابع الباحث في تصريحه قائلا: الى جانب ذلك: فان المادة رقم (35) من الدستور الكويتي نصت على حرية الاعتقاد واقامة الشعائر. ودولة الكويت دوما تدعو لترسيخ مبادئ الوحدة الاسلامية وثقافة التسامح الاسلامي المركب من التعددية المذهبية التي تدعو لاحترام وجهات النظر والشعائر بين المذاهب الاسلامية، وفتح باب الحوار المنطقي والاستدلالي للتقريب بين المذاهب الاسلامية وليس التفريق والشقاق.
واكد انه لا يوجد في مذهب الامام مالك رحمه الله على وجه الخصوص كونه المذهب الرئيسي لدولة الكويت ولا في مدوناته الفقهية، حكم شرعي من هذا القبيل بعقوبة استباحة دماء واموال عوام المسلمين لعلة التبرك او زيارة القبور.
ولفت الى انه في المجال الفني لتقرير المناهج يجب التقصي عن مقام تحرير محل النزاع والخلاف في المسائل المعروضة أمام اللجنة الفنية واختيار المقرر باتفاق المذاهب عليه في مثل المواد التكفيرية الخطيرة.
وختم حبيب بيانه قائلا: وأما بالنسبة لموقف الشيعة فقد كانت ومازالت تعمل على الحفاظ على الوحدة الاسلامية والوطنية بالقدر الممكن، وذلك بالتنازل السياسي عن بعض ما تعتقد به انه الصحيح تباعا لمنهجية رئيس المذهب الامام ، على ان ذلك يقرب الصفوف الاسلامية الى بعضها ويسد ثلمة التباغض بين المسلمين.
وانه لا يوجد أية فروقات شقاقية بين أبناء الطائفة الشيعية وأبناء أهل السنة والجماعة فهم اخواننا في الاسلام والانسانية والمواطنة والمعايشة على مدى الدهر لنا ما لهم وعلينا ما عليهم وان ما يمسهم يمسنا والعكس لا يفرقنا عنهم الا الموت.

الثلاثاء، يوليو 13، 2010

Dar Al Hayat - ابن تيمية... مشروعاً فكرياً (1)


ابن تيمية... مشروعاً فكرياً (1)
الإثنين, 12 يوليو 2010
محمد الدحيم

لئن كان ابن تيمية مثيراً للجدل منذ نشأته وعلى امتداد تاريخ طويل، بعلومه ومعارفه، بمواقفه ومناهجه، في تحولاته وتطوراته، فإن تلك الإثارة يمكن استيعابها في الحقل المعرفي، في الإيماني والإلهي، وفي الفلسفة والكلام، وفي الفقه وأصوله وقواعده، أو يمكن استيعابها في حقل الممارسة والسلوك الشخصي، أو في ممارسات اجتماعية يتجاذبها هو ومجتمعه بحسب ظروف ومكونات ذلك المجتمع، لاسيما وابن تيمية اجتماعي مستغرق وليس في قاموسه كلمة تثير اهتمامه وتكيف فقهه مثل كلمة «الناس»، إذ لم يكن شخصية عدمية تنقد المجتمع لأجل النقد بل كان شخصية فاعلة أحبت الناس وأحبوها، الناس الذين لم يكن لهم حول ولا قوة في تعصبات فقهية أو إرادات سياسية تمارس ضد محبوبهم، كل ذلك وفي أي حقل تم، كان يثري الأفكار وينضج التجارب، أما اليوم فالمثير للجدل ليس هو ابن تيمية ولكنها قراءات وأفهام، بل وأحكام ومحاكمات، شراكة أسهم فيها مريدوه ومخالفوه، أصدقاؤه وأعداؤه، تمثل ذلك في قصور علمي بمعارفه، وأحكام مسبقة على مناهجه، وارتقاء فوق الظروف التي عاشها وأثر فيها كما أثرت فيه.

فمنذ بدأ الاهتمام بالإرث «التيمي» في محيطنا كان التعامل معه بطريقة المفكر عنه وليس المفكر فيه، فالكثير كان يستعين بابن تيمية لقوة الردع والدفع، أو لقوة الإقناع أو الفرض. ناهيك عن استثمار تراثه في رسائل جامعية بعضها من دون العلمي بكثير! ولا يهم عند هؤلاء إن كان النص مقتطعاً من سياقه أو منتزعاً من تركيبه، أو حتى لو أن النص حال إنتاجه كان فكرة ظرفية أو فتيا لمعين. وبالطبع لن يهتم المستعين بهذا النص أو ذاك إن كان الشيخ قد طور الفكرة أو تراجع عن شيء منها أو تجاوزها بالكلية. كل ذلك يحصل والكثير من تراث ابن تيمية مفقوداً - وعلى الأقل حتى الآن - لست أشك في أن السيرورة الفكرية عند ابن تيمية بذهنيته المدهشة سريعة وخطرة تتطور بطريقة لم يتمكن بعض تلامذته والآخذين عنه من ملاحقتها واستيعابها، فكيف بالناس بعدهم!

إن خطاب ابن تيمية ليس سطحياً، وليس في خطابه ازدواجية متقصدة بحيث تتحول إلى تردد بين منهجين. بل إن مشروعه الفكري من جهة وشخصيته الإنسانية المجتمعية الحاضنة للناس، كل ذلك يجعله يتنوع في مستوى الخطاب، فهو العالم بفلسفة أفلاطون وأرسطو، وهو أيضاً العارف بحال الفلاحين في غوطة دمشق في فتياه الشهيرة في الإقطاع والمزارعة! وهكذا في نظائر فقهية ومواقف إنسانية كثيرة.

إننا حتى نعطي الفرصة لأنفسنا ـ وبطريقة صحيحة ـ للإفادة من معارف ابن تيمية، يجب ألا ندخل على تراثه بعقلية المحاكمة، بل نتجاوز ذلك إلى عقلية المثاقفة والحوار، في مساحة فكرية لا محدودة. ولن يكون ذلك صحياً إلا عندما نقرأ ابن تيمية من آخره لا من أوله، ومن نهاياته لا من بداياته، لست أقصد آخر مصنفاته وفتاواه، ولكن أن نقرأه من آخر أفكاره ومنتهى رؤيته فهي المنجز الحقيقي له، أما آخر مصنفاته فهي المعين والكاشف على الأفكار ليس إلا، وبالطبع فإن قراءة الأفكار لها نظامها المختلف عن قراءات تتشقلب بين حروف الهجاء يزوغ بها البصر وتخسر بها البصائر.

نحن نجد في أخريات ابن تيمية نصوصاً تعطي بمجموعها روحاً مختلفة عن بداية التكوين ومراحل التطور وظروف التحول، سواء في الإيمان والعقائد، في الفقه والأحكام، أو في الفلسفة والكلام، أو في السلوك والتزهد، وهذا لا يعني أن ابن تيمية يتحول على طريقة القفز وغياب الرؤية، ولكنه التحول من مرحلة لأخرى، ومن اكتشاف معرفي لآخر، ونحن نقرأ في سيرته الصلة الوثيقة بين نشأته ورؤيته، ما يعني أن التكون كان سليماً وأن التمرحل كان إبداعاً، فالشاب الصغير الذي يحفظ كتاب «روضة الناظر وجنة المناظر» في أصول الفقه وهو في السابعة أو الثامنة من عمره، ويتولى التدريس وهو في الـ 21 من عمره، ومن كلام تلميذه الذهبي: «وقرأ القرآن والفقه وناظر واستدل، وهو من دون البلوغ وبرع في العلم والتفسير وأفتى ودرس وله نحو الـ20 عاماً، وصار من كبار العلماء في حياة شيوخه»، ثم في مرحلة متقدمة يبدأ بشرح العمدة في الفقه ثم لا يكمل! ثم يترقى ويتجرأ فيبدأ بشرح «المحصول في أصول الفقه» للرازي، ثم لا يكمل! مثل هذا ليس بدعاً أن يتحصل على ملكة فقهية فذة تمكنه من تصحيح ونقد الفقه الإسلامي في كل مذاهبه ومصادره في قواعده الكلية والفقهية والأصولية، وفي مسائله الفرعية، بل وأضاف عليها فوظف مقاصد الشريعة وأسرار التنزيل. إن من الغلط اعتبار ابن تيمية «مفكراً حنبلياً»، إذ التمذهب قيد فكري، لقد كان على أصول المذهب ثم أضاف إليه، وسع مقاصده ووظف أصوله، فكان المجدد له، والنافي عنه أغلاط المتعصبين، وأخطاء الناقلين، فلم يكن ابن تيمية وزارة دفاع عن المذهب ولا حارس حدوده، ولكنه الناقد والمطور حين جلب له، وأبدع آليات وأدوات معرفية كشفت كثيراً من خلافيات المذاهب عن جدل بيزنطي وخلاف لفظي يهدر الطاقات ويبدد الجهود ويمثل أرضية للتخلف الحضاري.

... وللحديث بقية.

office.aldohaim@gmail.com

الأحد، يوليو 11، 2010

صحيفة عكاظ - الثابت والمتغير عند الأئمة الأربعة




الثابت والمتغير عند الأئمة الأربعة

سلمان بن فهد العودة
كان وجود الأئمة الأربعة مرحلة فاصلة تمثلت فيها قيمتان عظيمتان:
الأولى: الحفاظ على الهوية وترسيخ الالتزام بالإسلام عقيدة وعبادة وسلوكا ونظام حياة، فهو سر تميز الأمة واستقلالها وقوتها، وروح عظمتها، ومصدر تعليمها، وأس ثقافتها.
وترسيم المذاهب الأربعة كان إعلانا لانطلاقة جديدة تتطلب تكريس الأتباع، وتجديد الولاء، وتقرير المنهج، لم يكن ثم ترسيم بالمعنى الحرفي، كان السياق التاريخي يحدد بصفة تدريجية مكانة هؤلاء الأئمة ليس في شخوصهم فحسب، بل في نظام الفهم والفقه والاستنباط، وأسلوب استخراج الحلول من الشريعة وموادها ونصوصها .
الثانية: الانفتاح على المتغيرات الطارئة، والتي هي سنة الله في الحياة، فهي نهر جار يتدفق لا يعرف التوقف، ووتيرة التغيير تتسارع بسبب اتساع الأمة ودخول شعوب بأكملها في الإسلام، فمن الطبيعي حدوث مشكلات مستجدة بسبب الاحتكاك والتفاعل الحضاري والتلاقح الثقافي بين المسلمين والأمم الأخرى.
وليس من قبيل المصادفة أن تجتمع الأغلبية الساحقة لأمة كلها على هؤلاء الأئمة الأربعة، وكأننا أمام تصويت حقيقي لمليار ونصف مليار يعيشون اليوم على ظهر الأرض من المسلمين، والأرقام يعلمها الله من الأجيال التي خلت عبر هذه القرون المتطاولة، أغلبهم يعلن اتباعه لهؤلاء الأئمة، ويمنحهم الثقة، ويسند إليهم «المرجعية» العقدية والفقهية في استفتاء تام المصداقية.
وفي قراءة المستقبل الفقهي، فإن رسوخ هذه المذاهب يقاوم كثيرا من محاولات القضاء عليها تحت ذرائع شتى، إما لجهة التفلت من المرجعية الشرعية، أو لجهة الادعاء بالرجوع المباشر للنص، دون حاجة إلى شرح وسيط.
ومع أن لكل إمام أتباعا يختصون به، إلا أنهم من جهة النظر إلى أن الأصول العامة للإيمان، والأصول العامة لقواعد الاستنباط متفقون في الجملة مما يعني أن الأمة اتبعت هؤلاء الأربعة إجمالا، وإن كانت تفرقت بينهم في التفصيل والعمل الفقهي.
وكما أن اتفاقهم في الأصول هو من الجوامع الكلية التي تواردوا عليها؛ فإن اختلافهم في بعض الفروع هو من الجوامع والفروق في آن.
فهو من الجوامع بمقتضى دلالته على أنهم إذا اختلفوا؛ فقد أشرعوا لمن وراءهم سبيل الاختلاف، واقتضى فعلهم أن المسألة خلافية، وأن الأقوال التي دارت مذاهبهم عليها هي أقوال معتبرة، وليست من قبيل زلات العلماء، ولا من الشذوذ الفقهي، لأنها بنيت على نصوص أو على قواعد صحيحة.
ونحن وإن كنا نميل أن المصيب في ذات الأمر واحد، والبقية مجتهدون لهم أجر الاجتهاد، إلا أننا ننظر إلى المسألة من زاوية أن الاختلاف ذاته في الحكم وزاوية النظر وطريقة الاستدلال بين هذه المدارس العريقة هو مؤشر مهم على أن الخلاف فيها سائغ، فكأنهم أصلوا لتسويغ الاختلاف عمليا ونظريا، وشرعوا أبواب الاجتهاد للناظرين فيما اختلفوا فيه.
من هذا الباب نهى الإمام مالك أبا جعفر المنصور عن اعتماد مذهبه وتعميمه في الأمصار، حيث قال:
إن الناس سبقت إليهم أقاويل وسمعوا أحاديث، ورووا روايات وأخذ كل قوم بما سبق إليهم، وعملوا به، ودانوا به من اختلاف الناس به، وهم عما اعتقدوه شديد، فدع الناس وما هم عليه، وما اختار أهل بلد منهم لأنفسهم، والرواية أوردها الطبري في طبقاته على وهنها.
كان يحيى بن سعيد الأنصاري يقول:
أهل العلم أهل توسعة، وما برح المفتون يختلفون فيحلل هذا ويحرم هذا، فلا يعيب هذا على هذا، ولا هذا على هذا.
اختلافهم سبقه اختلاف الصحابة، فكان اختلافهم رحمة واسعة.
كان عمر بن عبد العزيز يقول : «ما يسرني أن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لم يختلفوا؛ لأنهم لو لم يختلفوا لم تكن رخصة».
وقد جاء إسحاق بن بهلول الأنباري - تلميذ الإمام أحمد -بكتاب للإمام أحمد وقال: جمعت فيه الخلاف، وسميته كتاب الاختلاف، فقال: لا تسمه كتاب الاختلاف، سمه كتاب السعة.
إن هذه العقلية المتفتحة على الاختلاف، أبعد ما تكون عن الأحادية أو الضيق أو القطع بما لديها مما هو محل احتمال وليس من باب القطعيات، ومثل هذا هو الذي يسع الناس، ولا يفتنهم في دينهم، أو يضيق عليهم في دنياهم.
ولئن كان هؤلاء الأئمة ظهروا في عصر استثنائي، فإننا نعيش اليوم عصرا استثنائيا في متغيراته ومستجداته وكشوفه وبلواه؛ مما يؤكد ضرورة وجود علماء مجتهدين كهؤلاء الأئمة، يجيبون على أسئلة العصر، ويحلون مشكلاته، ويقدمون الصياغات الشرعية الصحيحة المنضبطة للشريعة والملائمة للواقع والحال والعقلية المعاصرة.
وهذه الأمنية ليست شيئا من الخيال، ولا ضربا من المحال، فالأمة أمة مرحومة كما قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيما رواه الترمذي وأحمد من حديث أنس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « مثل أمتي مثل المطر لا يدرى أوله خير أم آخره ؟».
وقد تيسرت أسباب العلم، وطبعت موسوعاته، وقامت مدارسه، وسهل التواصل بين الناس في المشرق والمغرب، واتسع نطاق الحريات العلمية والعملية، فغدا من الميسور اختيار المؤهلين بالفطنة الذكية والاستعداد الفطري، وتوجيههم لدراسة شرعية عميقة تمنحهم رسوخا وفهما، وتعزز بدراسات عصرية واقعية تلقح أفكارهم وتمنحهم المعاصرة والقدرة على التحديث ومواكبة المستجدات، واستيعاب المتغيرات.
وبذا تتحول القيادة العلمية والفقهية من كونها مصادفة غير مرتبة، إلى أن تكون اختيارا مدروسا لكفاءات علمية وأخلاقية رزينة وواعية وقادرة على استيعاب الناس، تجمع بين الانضباط المرجعي الأصيل، وبين الانفتاح المعرفي المتجدد، وتعرف أين تشدد وأين تلين، وتعرف أين تجزم وأين تتردد، متى تقول ومتى تسكت.
إنها ضرورة استراتيجية عظمى يتحمل عبئها كل قادر سواء كان من أصحاب القرار، أم من أهل العلم، أم من قيادات الدعوة، أم من رجال المال والأعمال، ومن لم يكن لهم عظماء فليصنعوا عظماءهم!
ولقد نال هؤلاء الأربعة الأفذاذ منصب الولاية والإمامة بجدارة، وهو منصب رباني لا يمنح إلا لمن يستحقه، فهو لم يكن شهادة فحسب ولا معرفة علمية مجردة، بل كان علما وعملا وإيمانا.
قال ابن القيم -رحمه الله - سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول : «بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين» ثم تلا قوله تعالى (وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون) (السجدة:24).

الخميس، يوليو 08، 2010

إدريس هاني في وداع السيد فضل الله : وداعا أيها المفكر الفقيه - Hespress

وداعا أيها المفكر الفقيه - Hespress
العلامة السيد فضل الله في مثواه الأخير

"أريد أن أصلّي"؛ كانت تلك هي الكلمة التي أعادت الأمل إلى ذويه ومحبيه يوم استفاق من غيبوبته ، وذلك على إثر نزيف داخلي اضطر معه للدخول إلى مستشفى بهمن بالضاحية. عبّرت وسائل الإعلام قبل يوم فقط من وفاة سماحة السيد آية الله العظمى محمد حسين فضل الله عن أنه استعاد عافيته. لم أكن واثقا من الخبر إذ كنت على علم مسبق بأن سماحة السيد فضل الله أوشك على الرحيل مذ أخبرت عن نوعية المرض الذي كان يشكوا منه . وبالفعل هذا ما وقع ؛ فقد تأكّد خبر وفاته يوم الأحد 4/07/2010م ، عن عمر يناهز الـ"75". أذرفت دموعي على السيد مذ التقيته قبل شهرين تقريبا من وفاته حيث أخرت سفري من بيروت بيوم لكي أزوره وأطمئن على صحته. وقد لاحظت أنه لم يعد يؤمّ الجمعة في مسجد الحسنين ، بل كان أن أوقف جميع أنشطته الأخرى. وجدتني يومها أمام صورة مختلفة لسماحته؛ لقد تمكّن حقّا المرض من جسده الشريف.

توفي سماحته يوم الأحد وشيّع جثمانه الطاهر يوم الثلاثاء ، في جو من توافد المعزين من كل الحساسيات الوطنية ، علماء وسياسيين ووجهاء ومسؤوليين من أقاليم عربية وإسلامية ودولية. وطافت بجنازته جماهير الضاحية الأبية إذ كان أبا لكل عائلة من عوائلها جميعا. وقد بتّ على يقين بأن فكره اليوم سيزدهر أكثر في اتجاه التجديد والإصلاح في الأفق الذي تتطلع إليها العقول في مشارق العالمين العربي والإسلامي. لأننا بالعادة لا نقيم وزنا للفكر إلاّ بعد أن يقضي صاحبه ويرحل بعيدا عنّا. لا، بل هو منطق الأشياء نفسه؛ إذ أن المعاصرة تحجب عنّا قيمة الفكر، ويعانق الفكر مثاله فقط ، عندما يسقيه صاحبه بالغياب؛ أو بالأحرى إنه جدل الحضور والغياب. اليوم نودع صاحب ملحمة فكر استمرت على امتداد أكثر من خمسين عاما من العطاء غير المنقطع في مجال تنوير الحالة الإسلامية وترشيد مسارات الحركة الإسلامية التي لم يكتب لها حتى اليوم أن ترفد من كامل هذا المعين الثّر الذي جسدته حركة السيد العلامة في الموقف الجهادي والتحليل الفكري والتأمل الفقهي والبوح الشعري. المفكر الفقيه المخضرم الذي عاصر أجيالا مختلفة لكنه كان في كل جيل يطالعك بنسمة المعاصرة والتفوق في الانفتاح. لم يتقيّد بآثار الأجيال التي مرت من أمامه بل ظل وفيّا لقضية الشباب بالقدر الذي ظل فكره شابا غضّا طريا لا تبليه تقليدانية انقراض الجيل بعد الآخر. فالمصلح الحقيقي هو الذي يهزم الأجيال لا الذي تهزمه الأجيال. وقد تأكد أن السيد العلامة كان قد انتصر على كليشهات الجيل الذي نشأ فيه والأجيال التي تعاقبت عليه ، فهو بقدر ما ينتمي إلى الجيل المؤسس في الخمسينيات يبدو أنه سينتمي لكل الأجيال اللاحقة ؛ لأن شباب فكره لم يكشف عن كل معناه وهو لا يزال يحافظ على تلك الشعلة حتى قبل أن تتوفاه المنية. كثيرون اهتدوا إلى هذا الأفق الذي بسطه السيد الراحل أمام عينيه في كل ما كان يفكر فيه ويطارح. مثل هذا المدى أدركه كبار المثقفين والمفكرين الذي لفحتهم إنسانية هذا الرجل و عمق آرائه التي تنطلق سمحة في تعبيراتها الانسيابية ـ كونه الشاعر الأديب ـ لكنها ترسم أمام العقل عنوانا عريضا بقدر ما تثير دفائن العقل. وقد عبّر عن ذلك محمّد حسنين هيكل أحسن تعبير وأبلغ لمّا قال على إثر زيارته لبيروت : "السيّد فضل الله إنسان لا تستطيع أن تختلف معه، وهو مظلومٌ أن يبقى في لبنان، لأنّه مرجعيّة إسلاميّة كبرى... إن السيّد محمد حسين فضل الله، لديه عقلٌ يضاهي عقل لينين في قدرته على التّخطيط، وإنّني عندما زرت لبنان، استفاد الجميع مني، ولكن أنا لم أستفِد إلا من المرجع السيّد محمّد حسين فضل الله".

كان رجل صبر وصمود على إكراهات الداخل وتحديات الخارج. ولأنه كان طودا لم تحركه تلك التحديات بل زادته قوة ، لا سيما وقد واجهها بالكثير من الحب والتسامح والمسؤولية. إن الكبار حينما يتعرضون للهزات لا يميلون ولا يشطون ولا تكون ردود فعلهم مساوية في المقدار معاكسة للاتجاه ، لأن غيرهم قد يتحطم على صخرة من صخورها الناتئة ؛ لقد أسند آراءه بأدلة وترك الباب مفتوحا للنقاش فما العيب في كل هذا ؟! وكان لا بد أن نخوض النقاش في إطار من أدب وأخلاقيات الحوار. حينما زرناه قبل سنوات على هامش المؤتمر الدولي التكريمي حول السيد شرف الدين الموسوي بمعية لفيف من العلماء من بلدان إسلامية مختلفة كالشيخ التسخيري والشيخ شبستري والشيخ الصفار والشيخ الهلالي مفتي الديار الاسترالية السابق ألقى كلمة ترحيب بالضيوف ، وفيها تحدث عن سيرة السيد شرف الدين بحديث وفّاه كامل فضله. لكنه تحدث عن جدوى تكريم الميت إن كنّا لن نلتفت إلى موقعيته وعطائه وقيمته في حياته. إن تكريم العالم في حياته من شأنه أن يزيد في عطائه ويحقق أهدافه الكبرى. يجب أن نستفيد من العلماء في حياتهم لا أن نتحسر عليهم بعد مماتهم. كنت أقرأ أمرا آخر في كلمته؛ وجب أن تستفيدوا من السيد وتكرموه قبل أن يودع. والحق، لقد أكرم الحالة الإسلامية على امتداد العالمين العربي والإسلامي ، وما ضعف ولا استكان. بل ظل صاحب دينامية لم تنضب إلا لحظة عزم على الالتحاق بالرفيق الأعلى.

كان قلبه وعقله متجها نحو وحدة الأمة وتقارب المسلمين. وفي ذلك قدم ما لم يقدم نظراءه بالعمل الدّؤوب والترشيد المستدام للفكر والموقف. وكان الحوار لديه منهجا عاما يبتدئ من حال الفرد مع نفسه إلى القريب فالأقرب ثم البعيد فالأبعد ؛ انطلاقا من الحوار الإسلامي ـ الإسلامي إلى الحوار الإسلامي ـ المسيحي إلى الحوار المفتوح في الأفق الإنساني الممتد والرحب. إنه لا يتحدث عن تعايش بل عن عيش. فالأول هو افتعال للعيش وتصميم على القبول بالآخر على مضض بينما نحن نعيش، إذن فلنعش بسلام. وفي لبنان البلد المعطر والجميل في جغرافياه وإنسانه وتقاليده كان سماحته يرى أن هذا الجمال يجب أن ينعكس على الروح والعقل اللبنانيين. وكأنه يريد أن يقول: فليكن وعي اللبنانيين جميلا شأن جمال أبنائهم ، حيث لا تناسب بين حساسياته السياسية والطائفية ومظهرها الجميل. كنّا يوما على مائدة فطور نظمت في المجلس الشيعي الأعلى على شرف جمع من العلماء، وكان من بين المعروض صحن كبد نيئ. التفتت إلى أحدهم على جانبي قائلا: ما هذا؟ قال: هذا كبد نيئ، وضحك، ثم قال: لا أدري كيف تورطنا نحن اللبنانيين في هذه الأكلة. وهي من نوع مفضل في الفطور و" الترويقة" .. لعل هذا سبب قسوة القلب لدينا. قلت له: إنني لا أعتقد ذلك ، فأنتم شعب سمح وطيب. فلو حصلت مثل هذه المشكلات اللبنانية في بلد آخر لرأيت ما معنى القسوة.. والدليل على ذلك أننا هنا جميعا مجتمعون ولا مشكلة.

بالفعل هذا مراد السيد. أن جمال لبنان عليه أن ينعكس على وعيه وسياساته ومواقفه. ولقد تحقق من ذلك الكثير. فثمة من حاول أن يستثمر في جماله ولكن أجمل ما قدمه اللبنانيون هو جمال مقاومتهم التي جعلتهم ينتصرون أجمل انتصار.عاش سماحته لقضية الوحدة والتقريب بعقله وروحه، حيث ظلت هاجسا حقيقيا يتعقب خطوه ويقض مضجعه. ولا يخال امرئ أن خطاب الوحدة والتقريب عند السيد العلامة كان أمرا تمثيليا له ظاهر في التعبيرات الرسمية والموسمية وله باطن في كواليس الطائفة كما هو شأن الكثير من أضرابه. وحيث كنت أعرف ازدواجية الموقف لدى الكثير من العلماء متى خلوا إلى ذويهم حتى يقلبوا المجن ويغيروا اللغة ، فإنني لمست من السيد لغة واحدة : لغة المسلم الإنسان الحر المسؤول. وحتى حينما افتقد الكثيرون صوابهم وغلب داعي الباطن على داعي الوعي المسؤول ، حافظ السيد على رباطة جأشه وهو في منتهى الراحة؛ إذ كلما تصاغر القوم تسامى بخطاب التقريب ، لا مجاملة بل فهما وتفهما لحال المسلمين في الفرقة والنزاع. لقد اختبرنا سماحة السيد في منتهى تصاعد الخطاب الطائفي الذي كاد يوقع بكبير الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين الشيخ يوسف القرضاوي حينما تسرع في اتهام الشيعة بممارسة التبشير الشيعي في المجتمعات السنية. وقد كان السيد ملما بالوضع لا يقف عند ادعاء وتقارير من هم يتنزّلون خصما عنيدا وطائفيا للشيعة. وقد رفض عبارة التبشير الشيعي لأنها لا تعبر عن الحقيقة ولا تؤدي الغرض وفيها استنقاص لمصداقية فكر طائفة تفكر وتجاهد وتسعى لخدمة الأمة من موقع خصوصيتها. والسيد هو نفسه ممن اضطلع بمهمة الإصلاح في منتهى مغامراته حتى داخل الطائفة الشيعية ومع ذلك عاب هذا النوع من التعبيرات غير العلمية المستندة إلى الشائعات وهو المطلع على مجريات الأحداث الخاصة في هذا المجال، والتي تساهم في إذكاء الصراع الطائفي. لقد أدرك سماحته أن صعود هذه الموجة، صنيع مدبر عن سابق إصرار وترصّد . وأن المنطقة معرضة لهذا النوع من التّفتين لهشاشتها وللعصبية التي ترعى أكباد أهلها ؛ لذا كان حريّا بالعلماء والنخب أن لا يتورطوا في هذه اللعبة القذرة. لم نسمع من سماحته يوما غير عبارة مسلم. ونذر أن يستعمل كلمة شيعة أو سنة كما ولع بها غيره. لقد كبر بهمّ الإسلام وهمة المسلم حتى لم يعد يرى عائقا في فرقتهم التي اعتبرها من عامل التخلف والبداوة والعصبية. كتب بعضهم يقول: مات قرضاوي الشيعة ، فما أنكرها من تعابير.. وكنت أعتقد أن الآية معكوسة تماما أن الشيخ القرضاوي هو فضل الله السنة. ولكن مثل هذا التقسيم غير سليم. ثمة علم صالح خدم المسلمين جميعا. وحتى الشيخ القرضاوي مدين في كثير من آرائه الفقهية لهذا العلم. فلقد تعرفنا على كثير من آراء وفتاوى الأول منذ ريعان شبابنا لكن التحول بدأ يطرأ على الشيخ مذ انفتح على الآراء والفتاوى التجديدية التي كان السيد فضل الله في طليعة الملوحين بها. كان حريّا أن نرى أعلاما تنكس في العالم العربي والإسلامي من المحيط إلى الخليج عند سماع خبر وفاة. لأنه كان رمزا للأمة جميعا فلم هذا النكران للجميل؟! لقد تجاوز النظرة المثالية للتقريب وأدرك أن العمل التقريبي يجب أن يسموا على المثالية والاستهلاكية. وفي حوار سابق مع سماحته سألته عن مستقبل وآفاق التقريب فقال: " من الضروري أن ينطلق العمل التقريبي على أساس دراسة الواقع ، لا أن ينطلق في آفاق حالمة مثالية ترتكز على العاطفة والانفعال مما قد يقودها إلى التبسيط الساذج".

لقد كان التوحيد الإسلامي وجمال الإنسانية مقومين لقيام رؤى الراحل. مسلم وإنسان لم يفتأ يذكّر بهما ، بعد أن عبّر عنها شعرا منذ يفاعته:

إننا مسلمون ، نؤمن بالإنسان..نحياه فكرة وشعورا

أو حينما يقول:

إننا أوفياء ، نخلص للإنسان ، مهما جنت يداه علينا

إنه إرثنا، فقد كان من قوم، توالى نداهم في يدينا

في الجهاد والمقاومة هو ليث ما أدركه الضعف حتى ودّع. كان مربيا ومؤسسا حتى لا يوجد مقاوم لا يعرف له في ذلك فضل. خدم وربّى ورعا وهذّب. وحينما نادى: أيها البدريون.. كان يعرف ما يقول ومن يخاطب وكيف سيتلقاها أولئك الذين كانوا يتشربون بمثل هذه الكلمات التي كانت تصنع لديهم إرادات لا يلوى لها ذراع. هي كلمة المؤسس والراعي والمتفقد في الميدان. وقد شاء الباري تعالى أن يختم له بتلك التراجيديا التي قصف في طريقها بيته والكثير من مؤسساته ، لكنه رأى الانتصار الذي عمّر قلبه فلم يعد يخشى على لبنان بعد أن خلف من ورائه خلف أدركوا سرّ الأمانة وعرفوا كيف يصنعون من مثل تلك الكلمات والمواقف والإيحاءات الروحية مجدا شهدت به التضاريس والوديان وترجموها في ساحة النضال والمقاومة. عاش السيد كل الآلام التي لحقت بالمجتمعات التي خضعت للاحتلال في المنطقة العربية والإسلامية. لقد عاش مشكلة فلسطين ولبنان والعراق كما عاش قضايا إسلامية في العالم كله. كانت القضية الفلسطينية خطا أحمر بالنسبة إليه. وقد عزز بالفكر والفتوى من مشروع المقاومة التي ساهم في تأسيسها الفكري والسياسي حتى اعتبر أكثر قياداتها ممن تخرجوا من حلقاته، ودعني أكون صريحا لقد تعلم منه الكثير من العلماء في منطقتنا العربية هذا المستوى من التفكير المقاوم والمنفتح. وقد دافع في لبنان عن المحرومين وعن الفلسطينيين وعاش أثناء الحرب الأهلية متمسكا بموقف الرفض لهذه الحرب وللطائفية السياسية. أليس هو من تحدث في لبنان عن دولة الإنسان لكي يقول بأننا في لبنان إن كنا في وضع طوائفي لا يسمح بتأسيس دولة الإسلام التي تجدونها في مشاريعنا الفكرية وتنظيراتنا الحركية فإن الأمر هنا وللخصوصية يتطلب تأسيس دولة الإنسان التي في نظره لن تناقض أبدا دولة الإسلام ، حيث الأولى هي في نهاية المطاف غاية الثانية. لقد كان ضدّ الحرب التي اندلعت في الثمانينيات بين أمل والفلسطينيين كما كان ضد الحرب التي اندلعت بين أمل وحزب الله. لكنها فتنة لبنان وتداعيات الحرب الأهلية . وفي لبنان اتهم بألوان من التهم من قبل الإسرائيليين والأمريكيين لا سيما بخصوص الاختطافات لكثير من الجواسيس الأمريكيين وأيضا العملية التي استهدفت مقر المارينز والتي أطلقت شرارة جديدة في المقاومة. لم يكن هو بالضرورة وراء كل ذلك ، وقد نفاه نفيا لم يكن مضطرا إليه. فكان ذلك ديدن كل الميليشيات اللبنانية التي تمادى فيها الفتك برسم الحرب الأهلية التي تجعل الحليم حيران. لقد كان راعيا ومتابعا ولكنه لم يكن بحق متورطا في أيّ موقف لا يخدم الشرع والعقل ولبنان. وفي العراق كان ضد الاحتلال لكنه أيضا كان على اطلاع أكثر من غيره بأوضاع وتعقيدات العراق. إنه ضد الاحتلال والاستكبار لكنه ضد تكفير المسلمين وضد النزعات الطائفية. وقد كان ناصحا للجميع بلا استثناء. ومن يزوره من العراقيين هم من كل الأطياف والطوائف. وقد بلغني أنّ السيد كان قد رفض استقبال حارث الضاري نظرا لمواقفه الطائفية وبعد تمادي هذا الأخير في هذا اللون من التغليط السياسي والفتنة التي يتسبب فيها في العراق ومساندته للإرهاب؛ وحقّا ليس السيد هو من سيعرّفه هؤلاء ما معنى المقاومة وفلسفتها. إنه كان يحرص على دوره الأبوي دون أن تضيع منه الحقائق واتخاذ الموقف الصارم متى تطلب الأمر ذلك. وفي حرب تموز تعرض مكتبه للقصف وكان مستهدفا . ولكنه وقف موقفا شهما طيلة تلك الحرب سمى خلالها المقاومين بالبدريين. وقد علمت أن المكان الذي كان يحتمي فيه السيد نصر الله هو نفسه المكان الذي كان يوجد فيه السيد فضل الله. فقد تولى الحزب مهمة توفير الحماية الدائمة للسيد منذ حادثة بير العبد. وكذا طيلة حرب تموز التي ظهر فيها معدن السيد أكثر مما كان ظاهرا. فلقد كان رحمه الله وطنيا كبيرا ومجاهدا حقيق بلبنان والعرب والمسلمين أن يمجدوه ما بقي الوطن. وقد وجد المحرومون والمهجرون من مؤسساته كل الدعم.

* * *

بدأ السيد يدرك شيئا فشيئا أهمية عرض مرجعيته بعد أن كثر المستفتين له وبعد أن رأى في مثل هذا رسالة قد تخدم منظوره الإصلاحي بشكل أقوى. فكّ شيئا فشيئا روابطه الجمعوية والتنظيمية وحاد عن العناوين التي كانت تحشره في هذا الاتجاه أو ذاك. كان يدرك أن المرجعية رسالة ، وفوق هذا وذاك هي مدرسة استيعابية. وقد انتهى واقع الشيعة إلى تعدد المرجعيات نظرا لتقارب ملكاتهم في الاجتهاد بالمعنى التقليدي ولانتشارهم في بلدان مختلفة وازدهار وكثرة التعليم وبروز توجهات أخرى لديهم. وفي هذا الإطار قد تكون مرجعية أيّ كان حاجبة عن مرجعيات أخرى. فمن منطلق العرف التقليدي للمرجعية يمكننا أن نتحدث عن انزواء ، لكن بالمعنى الفكري الذي هو فوق أن يحشر في مواقع التقليد المرجعي ـ لارتباط الاعتقادات بالاجتهاد الشخصي لا بالتقليد في الفروع ـ . ولكن المرجعية هنا سدّ مانع من الاستضعاف حينما يتعلق الأمر باستقواء خصوم السيد بمرجعيات أخرى. ومن هنا نفهم أيّ معنى لشهادة السيد الخامنئي حينما قال:" صلّوا خلف هذا الفيض الإلهيّ الكبير، السيّد فضل الله، فهو علمٌ من أعلام المذهب الشيعيّ". وللعارف بتداعيات الأمور وحده يفهم ما معنى صلّوا وراء فلان أو استعمال عبارة" أعلام المذهب الشيعي". فالسياق يتعلق حتما باستفتاء مسبق عن عدالة السيد حيث ثمة من أصبح يشكك في موقعيته داخل المذهب ـ حيث هو المعول عليه في هذا الاستفتاء ـ . لقد صبر على الكثير من الإساءة . واحتوى الفتنة بهدوء وكرّس مرجعيته كمؤسسة قائمة بذاتها.

كان قد تصدى رحمه الله إلى المرجعية بعد وفاة السيد الخوئي بقليل. وقد ناضل لكي تستقر مرجعيته على برّ الأمان بعد أن أثارت بعض الجدل سرعان ما خبا. بعض زملائه من المشايخ من أصدقائنا تحدثوا عن أن السيد سيخسر بالمرجعية أكثر. كان تصورهم للوضع يحمل آثار الموقعية التقليدية للمرجع الذي قلّما يتدخل أو يتحرك خارج الفتوى في حدودها المقررة بحسب الفقه التقليدي. لكن السيد مداه واسع وروافد تفكيره متعددة ومركبة. وحيث لا أريد أن أبوح بكل ما حدثني به لكن ما يمكن معرفته عن السيد أنه كان بصدد التأسيس لمرجعية تستقوي بسلطة الفقيه في تحقيق الإصلاح الفكري. فهو يحمل همّا اجتماعيا وحضاريا ويكفل شريحة اجتماعية كبرى عبر مؤسساته وشبكة المبرات التي تقدم من الخدمة للمجتمع ما قد تعجز عنه الكثير من الدول. إن مرجعيته ليست إفتاء ورعاية دينية فحسب، بل هي وظيفة اجتماعية في مرحلة السلم والحرب في لبنان. إن عمله مؤسساتي قبل كل شيء. ومؤسساته مهنية واحترافية وعقلانية وشفافة. إن نفقات الميزانية الشرعية لمؤسساته تخرج في الجريدة وتعلن للعموم. ومؤسساته لا عد لها : فهي مبرات وهي مدارس وثانويات وهي مصحات ومستشفيات وهي مساجد ومكاتب لرعاية المحرومين. مثل هذا كله يتطلب مرجعية رشيدة تجمع بين خدمة المجتمع وتدبير العقل بواسطة الخطاب العقلاني وممارسة التنوير الفكري. كان أصحاب ذلك الرأي يظنون أن السيد خارج حقل المرجعية بإمكانه أن يكون أكثر جرأة على التنوير والإصلاح. لكن ما حصل ، هو أن المرجعية عند السيد تكاملت مع نهجه الإصلاحي والثقافي. وهذه تجربة من تجارب المرجعية نفسها.

ذكريات لن تنسى مع سماحته

تعرفت على فكر السيد فضل الله في منتصف الثمانينيات. ونهلت منه الكثير ومن مقالاته وأعماله ومواقفه. كان لكتابه خطوات على طريق الإسلام أو الإسلام ومنطق القوة وغيرهما صدى في أوساط الحركة الإسلامية. وقد كنّا نتشوق إلى قراءتها قبل أن تصل إلى أيدينا. وقد كانت تلك الأفكار تهذب من ذوق من شاء من أبناء الحركة الإسلامية أن يخرج منهجيا من شقاوته ومن السقف الذي انتهت إليها معظم كتابات جيل المحنة الإسلامي الذي شددت أكثر من المطلوب كما أنها بعثت على العزلة الشعورية والانكفاء أكثر مما دعت إلى الانفتاح. لا زلت أذكر عبارته القائلة بأن وضوح الفكرة في ذهنك لا يعني بالضرورة وضوحها في ذهن الغير. كانت تلك حقا الفكرة المفتاح للفكر التواصلي الذي دشن عصر الخروج من العزلة الشعورية إلى منفتح العالم في مداه الإنساني. ولست أخفي أن هذا السيد هو من حرّرني حقا وعن جدارة من شطط المعاني التي تأسست في أذهاننا على هامش استهلاكاتنا المكثفة للفكر القطبي الذي كنت ولا زلت أعتبره خطرا على المتلقي الشاب. لا زهدا في فكر الأديب سيد قطب بل بسبب المشكل العارض على ما طرأ على فكره ومآل طرحاته . لأن المراد لن ينتقل كما هو إلى القارئ الشاب ، بل الخطر هنا أن سيد قطب رحمه الله كتب ما كتب في سياق مشحون بالمحنة والغضب. ومن شأن ذلك أن ينعكس على الأفكار. نحن لا نعرف من سيد قطب إلاّ أفكاره الغاضبة ولم نمنح أهمية لما كتبه في زمن السلم. لقد غطى " معالم في الطريق " على كل أعماله بما فيها " السلام العالمي في الإسلام" ؛ وتلك كانت كارثة. هذا الحصر الفكري لفكر المحنة القطبي كان لا بد أن يجد له مقابلا يحرر العقول من شقوتها. وجاءت أعمال سماحة السيد فضل الله وما بلغنا من أعمال السيد الشهيد باقر الصدر ، من بين روافد أخرى لتحررنا منه وتسلّنا بالكياسة الفكرية والعمق الفقهي من مخاطره كما تسلّ الشعرة من العجين. أليس هو من دعا إلى دولة الإنسان متى عجزنا عن تطبيق دولة الإسلام. والحق حتى لا يفهم معنى كلامه خطئا أنه يعتبر أن دولة الإنسان نفسها مقدمة إلى دولة الإسلام ؛ وذلك من منطلق أن دولة الإسلام كما عاشها في ذهنه الإصلاحي وفي قلقه الفكري وتحرقه الفقهي هي خطوة كبرى في مسار هذه الإنسانية: الإسلام هنا أفق للإنسانية ، نستطيع اختبار عظمته بما يوفره من حقوق وعدالة وحرية وانطلاقة وقيم للكائن على هذه الأرض. يكاد يندك الفارق بين الإسلام والإنسان في تصوره. فالإنساني يحيل على الإسلامي والعكس صحيح. ولكن في طريق هذا الترادف حقّق سماحته ونظّر فكريا وفقهيا وأقام نسقا من الفكر يقيم على مبدأ الصدمة النقدية لتحريك المياه الراكدة. إنه مصلح بعيد المدى وعميق الغور. ولقد شاءت الأقدار بعد ذلك أن ألتقي به وأحتك به و أتعرف على فكره وفقهه عن قرب. وهي لقيا من طريقين: لقاءات شخصية تخللتها الكثير من الأفكار والوصايا والاهتمام الذي ارتقى فيه إلى دور الأبوّة الروحية التي أشعرني بها على مدى سنوات من علاقتي بسماحته إبّان مكثي بالشام أو بعده كلما سنح لي أن أزور الشام وبيروت ؛ وهو صنيع لن أنساه له لدعمه الروحي والنفسي والفكري الذي منحني الكثير من إمكانات التحدي والصمود لتحديات كثيرة. له الفضل في الحؤول بيني وبين افتقاد التوازن والانجراف إلى متاهات ردود الفعل جراء الاستفزازات التي هجمت علينا من كل حدب وصوب ، ومن ثمّ ضرورة التعاطي مع التحدي بالحكمة اللازمة وإشعاري كلما رأيته بأنه يتابع الأمور عن كتب ويدرك مدى التحديات العاصفة. أما الطريق الثاني، فيتعلق بحضوري دروسه ومحاضراته على امتداد سنوات بعد أن حضرت كلماته في مناسبات كثيرة في منابر ومعاهد ومؤسسات مختلفة؛ وهي الأخرى تنقسم إلى قسمين: الأولى ، تتعلق بمحاضرات فكرية وثقافية ودروس تربوية أسبوعية كان يلقيها بدمشق بصورة منتظمة، وهي مفتوحة لعامة الحضور من خاصة القوم وعامتهم وقد أخرجت في سلسلة من الأعمال تحت عنوان: الندوة . وقد داومت عليها لسنوات عدة. والقسم الثاني، يتعلق بالدرس الفقهي العالي ـ بحث الخارج ـ وهو درس تخصصي لطلبة الاجتهاد. حضرت شطرا منه منذ بداياته. أدركت منه بحث المزارعة إن لم تخني الذاكرة وشطرا من الحج. كانت دروسه عبارة عن دورات تثقيفية في الفكر والسياسة والفقه . وكان الجميع ينتظر تلك المحاضرات بشوق. وكان السيد يمارس هذا النشاط بانتظام . أسبوعيا له موعد مع المحاضرة والدروس والعناية بما يتعلق بالشام ثم يعود قافلا إلى بيروت ليوفّيها حقها من عنايته. وأذكر أنه كان يعرف حدوده في البلاد التي تستقبله. فحينما تطرح له قضايا سياسية حرجة كان يقول : من يريد جوابي ، فليأتني إلى بيروت ، هناك أستطيع أن أعبر عن كامل رأيي. أما في درسه الفقهي الخاص، فقد لمست منه أمرا عجيبا. ففي كلا الدرسين ، نقف على السيد نفسه ، السيد الإنسان. ويكفي مثلا أن ندرك أنه حتى في دروسه التقليدية التي كانت تخونه أحيانا لياقته الفكرية والأدبية لكي يكسر الكثير من التابوهات الفقهية مع الحفاظ على شكل من التوازن يراعي القسم الأكبر من بين الحضور ومنهم علماء أجلاء من مختلف البلاد الإسلامية ـ أفغان وباكستانيين وبحارنة وعراقيين وسعوديين ولبنانيين... ومن مختلف المستويات العلمية ومنهم مجتهدون أيضا وفضلاء أمثال السيد الغريفي إلى السيد المحمدي والشيخ الناصري والأحمدي من كبار مدرسي أساتذة الحوزة العلمية. كانت تحصل أحيانا بعض المشادّات القاسية بين السيد وبعض المشايخ حول قضية ما فقهية. وقد كان السيد قاسيا هو الآخر في الدفاع عن رأيه تجاه النقيض. لم أر منه غير هذا النوع من الدفاع المستميت. ولم أكن أجد السيد مدافعا بقوة وغضبية أكثر مما رأيته في هذه الدروس. والأمر واضح تماما. فالدرس الفقهي العالي هو درس اجتهادي وبحثي قوامه النظر والتأمل والنقاش. فالبحوث الباردة لا تنضّج فكرا ولا تطوّر فقها. والخطوط التي ينطلق منها السيد في بيان المسائل محط الخلاف لا يعرفها الكثير ممن يحضر بحثه. ولذا بقدر ما كان مداه وسيعا وروافد تفكيره متعددة لم يكن دائما محل فهم يسير إلا عند من أدرك أهمية تلك الروافد. إن الأمثلة نفسها التي يضربها في البحث هي واقعية من صميم الأحداث السياسية الإقليمية والدولية . يضرب مثالا بموقف أمريكا وإسرائيل في مسائل تتعلق بالمزارعة أو دون ذلك. ويستعمل مصطلحات وفية لعلوم الاجتماع، يخرم بها سلطة الاصطلاح الأصولي والفقهي لمّا يدرك أن ذلك لم يوفّ الغرض. وهو ضرب غير مألوف عند من مرد على أمثلة نضير مثال "التتن" في معالجة الشبهة التحريمية أو ما دونها من قصص لا تنتمي لزماننا وتكرس سلطة الماضي ورموزه وصوره في الذهن الفقهي حتى لا يعود قادرا على كسر الحدود باجتهاد جذري يترصد المفهوم والمصطلح وعلوم الآلة قبل أن يتنزل إلى عملية الاستنباط وتنزيل الأحكام على الموضوعات في كل نازلة تعرض. إن السيد كان يؤمن بأهل الخبرة واستشاراتهم. هكذا جاءت آراؤه في الفلك في مسألة رؤيا الأهلّة وكذا آراؤه في أحكام الزواج والمتاجر وهلم جرا من الطهارة حتى الديات. فمن لم يستدخل هموم العصر وتحدياته وتطور العلوم الاجتماعية لا يمكنه فهم الدوافع والروافد التي تضغط باتجاه فتاويه التي تبدو للبعض على درجة عالية من الجرأة . وإذا كان لتشخيص الموضوع أهمية إن لم نقل نصف الجواب عن المسائل الشرعية ـ إذ أغلب الأخطاء التي تصيب الفتوى تتعلق بسوء تشخيص موضوعاتها ـ فإن قوة السيد هي في قدرته على تشخيص الموضوعات بناء على آراء ذوي الاختصاص وبعد ذلك يسهل تنزيل الأحكام عليها من مواردها المقررة. إن خطورة الفتوى ليس في هذا الاستنزال بل في التشخيص. لقد أصبحنا عاجزين عن إبداع المصاديق والأمثلة وبتنا نكرر أمثلة القدامى ككليشهات؛ شأن حكاية "التتن" التي تدوّخ المتلقي من المقدمات إلى ما بعد السطوح. إن م تكن لتغيّر المطلب ولكن من فرط تكرار الأمثلة والصور تتكرس ثقافة الأزمنة التي استنبتت فيها تك الإشكالات التي عاصرا أصحابها لكنها لم تكن أمثلة لا من قبل لا من بعد ذك الزمان. إنه يكيّف كل شيء مع واجب النهوض والإصلاح والتقدم وتعقيل المنقول.

وقد عاصرت منشأ الهجمة التي تعرض إليها سماحته لقاء بعض آرائه العقدية. عزفت يومها عن الدخول في تلك الفتنة لأنني رأيت فيها ما يلي:

ـ أن ما قاله، كان قابلا أن يفهم بشكل آخر لا يخرج قائله من الملة والمذهب. ولم أكن مستعدا أن نخسر السيد كعلم من أعلام هذه المدرسة.

ـ أن دوافعه مهما كانت حقيقة النتائج التي توصّل إليها ، دوافع نبيلة تتعلق بإماطة التشويه عن المذهب كما تسعى للتقريب بين المسلمين. فلقد سمعته بهاتين وإلاّ صمتا ورأيته بهاتين و إلاّ عميتا يتحدث عن أنه يتطلع إلى شكل مختلف من التعبير عن مأساة عاشوراء كما سمعته يقول مجيبا المستشكل عن عصمة الزهراء: لا يعقل أن تكون سيدة نساء العالمين فيها ذرة من خطأ.

ـ كان يطبق منهجا قوامه التعقيل للمنقول حسب رؤية كان أحرى أن تثير نقاشا سمحا لا ردود أفعال فاقت المتوقع.

ـ أن استسهال الطعن في السيد يمكن لثقافة الطعن في سائر العلماء لمجرد إبداء الخلاف.

ـ أنني كنت أدرك أن هذا التجديف لا يستحضر قيمة السيد في العالم الإسلامي ، وأن هذا ضار بالفكرة التي يدافع عنها أولئك قبل أن يضر بالسيد.

ـ أنه بإمكان إبداء الاختلاف مع السيد في تلك الأمور بنهج علمي وأخلاقيات حوار دون أن يتعدى الأمر إلى مكانته وسمعته.

وقد حضرت قبل وفاة السيد إلى مناظرة بين أحد المشايخ من طلبة السيد " الشيخ الخشن" وبين الشيخ علي نجف ميرزائي حول موضوعة حساسة " الولاية التكوينية". وقد بدا نقاشا بقدر ما فيه من الاختلاف الشديد إلا أنه كان نقاشا نخبويا مغلقا بين طرفين تشددا في البرهان والدليل ولكنهم تسامحا في أخلاقيات الحوار. وقد طلب منّي حينها أن أدلي بكلمة ، وفعلت ولكن في حدود وصف أهمية الحوار وخطورة المفاهيم . ما أعجبني هو أن مثل هذه المسائل ممكن أن تنحل بالنقاش ، بل من شأن النقاش أن يمنح الطرفين معا اقتدارا أقوى وأجود للذود عن تلك الأصول من دون أن نحجب الفكر بالإساءة مهما بدا الاختلاف واتسع؛ فالمدار: قل هاتوا برهانكم. وهو أمر حاكم على الجميع حتى من أبناء الدار وليس بينهم والخارج فقط. قال لي الصديق الأستاذ علي نجف ميرزائي: جميل، أنت اكتفيت بمداخلة أبوية. أي كوني لم أرجح رأيا. قلت: أنا يكفيني مشاكلي هل تريد أن أفتح عليّ جبهات أخرى. المشكلة أن المشهد الإسلامي لم ينضج بعد ثقافية لكي يتقبل النقاش ويتحمل عواقبه. لقد كان نموذجا لنقاش تمنيت لو يستمر. فما أجمل النقاش حينما يكون بين النخب ولا تستثار فيه انفعالات العوام.

ولكن لا أنسى أنني امتعضت أيما امتعاض من المبالغة في ردود الفعل الأولى. ولم أفتح يوما هذه السيرة مع سماحته طيلة هذه السنوات، لعلمي أن أهدافه ليست كما تراءت لبعض خصومه. علما أنه رأى أنه نجح عن طريق أسلوب الصدمة والنقد أن يحرك المياه الفكرية الجامدة. لقد كتب حول ما جرى حول الخلاف ما لم يكتب من قبل. وسأتحدث عن قصة حدثت لي ولم أحدث بها من قبل. أذكر يوما أن أحد المشايخ المحسوبين على خصومه في مجلس هيئة الدروس في إحدى المعاهد الشرعية، أخذ يسيء إلى السيد وهو يحمل معه من الشهادات المختومة ما لا يخفى من هذه الجهة أو تلك. الشيخ المذكور لم يكن يستحضر مصلحة العالم الإسلامي كله في هذا التّفتين، بل كان لا ينظر أكثر من غريزة شلّة يستهويها هذا النوع من الإساءة. وقد أجد العذر له لو انحصر الأمر في هذا النطاق فقط ، ربما فهم الأمر أبعد مما يفي به منطوق الكلام. قلت له : لا تتحاملوا على العلماء. قال : وهل السيد عالم؟ أدركت أن الشيخ المذكور معاند أعماه الحقد وسلبه اعتداله. قلت له : هو عندي كذلك. واستمر الجدل والعناد حتى قلت: لن نسمح من الآن بتناول أي من العلماء بسوء في هذا المجلس، هذا أمر. قال لي: هذا شأنك . قلت له هذا أمر أقول لك. لم يكن الشيخ المذكور يدري ـ وهو مدرس ـ أنني أتحدث معه بصفتي المسؤول الجديد عن هيئة الدروس والمدرسين . وفي أول اجتماع للإدارة صادف أن أحدهم اقترح أن نستغني عن درس الشيخ وكنا قد عيّناه في درس الحلقات. ووجدتها فرصة لسلب هذا الدرس عنه. وطبعا لم يعرف أحد ما سبب تشددي في هذا الأمر، لأنهم لو أدركوا أن سببه هو موقفي من طريقته في التجريح والإساءة في مكانة وعرض السيد ، لما وافق الجميع وربما كانوا تضامنوا معه. كان ذلك الموقف وغيره كثير، مما جعلني أفقد الجاذبية لهذا الوسط. إنها شكلت لدي حالة نفور ، ومن ثمة بدأت المشاكل تبرز وردود فعلي من جهة تتنامى. وكان لا بد من العزلة والاستقلال . لم يعلم بهذه الحكاية أحد بمن فيهم السيد وجماعته رغم لقاءاتي بسماحته . وكان موقفا مني يمليه الضمير ولم يكن بدافع التّملق. إذ ما أكثر المتملقين في هذه الصناعة.

وقد عاصرت أيضا شطرا مما كان بين المرحومين السيد فضل الله والشيخ مهدي شمس الدين من شنآن. كانا معا علمين بارزين في لبنان ولا يمكن الاستغناء عنهما. لذا ظل الشنآن شخصيا ويكاد لا يوجد له معنى ولا موضوعا حتى في النطاق الشخصي. كنت أقول إن هؤلاء الرمزين كان بمقدورهما أن يقنعانك بكل شيء إلاّ بالشنآن الذي كان بينهما. وكنت أراه أصغر شنآن بين أكبر عالمين. بل إن كان لكل كبير (ولدنة) فتلك من الشقاوة التي اعتبرناها دائما أمرا لا نقع فيه؛ لأنه بدا لنا كما لو كان شيئا من (ولدنة) الشيخ الراحل ، لا سيما وقد اعتبرنا يومها أن انفعالات وقسوة الشيخ شمس الدين شيء يضيف بعض الخصوصية على أدائه. هكذا كان سماحة الشيخ مهدي رحمه الله ، والجميع لا يقبله إلاّ بهذه القسوة التي أحيانا كثيرة يلحقها البعض بكليشيه هيبته. ومع ذلك لا أحد كان يتمادى ليعرف أكثر من أن هناك شنآن لا قيمة له في نظر محبيهما لكنه كان قد شكل حاجزا ربما نفع به ، لأنهما ظلا عملاقين متنافسين وقد أفاد من تنافسهما الجميع . ولكن ما من أحد من مثقفي لبنان إلاّ ونظر لهما كمعلمتين من معالم لبنان. والحق يقال أن السيد لم يكن شديدا في تلك الخصومة. ولم يسمع منه إلاّ كلام خير عن سماحة الشيخ مهدي. وحيث كنّا دائما نتساءل ما سرّ الخلاف بين الرجلين وقد أدركنا تقارب وجهات نظرهما في كل الأمور إلاّ يسيرها. ولكن ما يميز حراك السيد هو جماهيريته وشعبيته وعمله الاجتماعي الذي تفنّن فيه وقدم نموذجا للعمل المؤسسي. فالسيد فضل ليس فقط تعرفه النخب والعلماء، بل يعرف الأيتام وأبناء الشهداء والمعوزين الشيوخ والمرضى والمنكوبين في لبنان. فهو أب والمربي. فهو الذي تستوقفه المرأة وهو يخرج من مسجد الرضا بعد أن أمّ الناس في صلاة الجمعة (1988م)، لتسأله عن مسألة شرعية. توقفه عن موعد ركوب السيارة بربع ساعة جعله ينجو من محاولة اغتيال مؤكدة حيث انفجرت عبوة ناسفة لغمت بها سيارته. لقد أنجدته ـ بفضل الله ـ امرأة ؛ هكذا يقولون ، ولكنني أقول إنها إشارة إلى أن الله مع الجماهير ، وأن الانفتاح على قضاياهم وأسئلتهم والأخذ بيدهم منجي من الخطر. سمعت من أحد الفضلاء وقد توسط بين السيد والشيخ من أجل المصالحة ذات مرّة ، فكان جواب السيد أنه لا إشكال عندي في ذلك وهاهي ورقة شروط أمضيها على بياض وليشترط سماحة الشيخ ما بدا له. لا أخفيكم أنني حتى الآن لم أكن أعرف سرّ هذه القطيعة.

تعرض السيد لهجمة فاقت الحدود لاسيما بعد أن تجرّأ فيه بعض العوام. وهذه آفة التعصب. ولولا أن تدخّل السيد الخامنئي نفسه وبعض العلماء الكبار لوقف هذه الحملات لاستمرت بصورة تضر أكثر مما تنفع. ولكن من جهة أخرى كان السيد قويا إلى حدّ لا يمكن النيل منه بهذه الصورة غير العقلائية. لقد سمعته مرات يقول: لا يمكن أن تستئصل شخصا له وجود في الساحة. وقد كان سماحته أدرى الناس ببطلان هذا المنهج في الإساءة والتحامل على الغير تعصبا أو حسدا أو بسبب الضعف النفسي. ولعله من المفارقة أن أحد الشباب سعى مرّة للإساءة إلى شخصي بألوان من النميمة فاقت المعقول. وكان من سوء حظه أن من كان يفاتحهم في هذه النميمة ممن ينقل لي ذلك باستياء شديد من تحامل ذلك الشخص. وبعد أن سعى هذا الأخير للاختباء وراء عنوان السيد فضل الله لاستغلال سمعته ومنح مواقفه بعض المصداقية، رفع أحد الفضلاء الأمر محتسبا إلى سماحته يستفتيه في رزمة الأقاويل التي يتحدث بها هذا الشخص. وقد غفل هذا الأخير عن حقيقة علاقتي المتينة بسماحته ، فما كان إلا أن أجاب السيد سائله بالحرف: "إننا نرفض هذا المنهج (أي منهج الإساءة والتسقيط) وإن السيد ادريس محترم عندنا". كانت تلك الكلمة كافية لإرجاع صاحب الافتراءات عند حدّه ، ولكنها بالنسبة لي أكدت أن السيد وجد في لغة التسقيط والإساءة منهجا خاطئا ، إذ طالما سمعت منه أيضا ترديدا للخبر: "من كسر مؤمنا فعليه جبره". تعرض السيد إثر ذلك ولفترات متقطعة إلى نوبات ومشاكل صحية. وفي التسعينيات أجرى عملية قلب مفتوح خرج منها معافى واستأنف عندها نشاطه بحيوية الشباب.

لفت نظري جماهيرية السيد وأعجبت بها منذ حضرت بعض محاضراته ـ بمثابة شرح لبعض الأدعية المأثورة ـ في مسجد الرضا بالضاحية في سنة 1992م. وكانت فرصة مواتية لكي أتأّمل عن قرب منهج السيد ونبراته وعمق تحليله وروحانيته المتدفقة. ومما لفت انتباهي وقد كنت عابرا غير ماكث هناك ، أن معظم من يتحلق حول درسه هم شباب مراهق ، لم يكن يزهد فيهم السيد . لو قارنا بين من يحضر صلاته في مسجد الحسنين ومن كان يحضرها في مسجد الرضا لتأكد أن نجم السيد كان في سطوع دائم. دخلت المسجد وقد هالني في بداية الأمر أن تم تفتيشي ـ وهو أمر طبيعي ، حتى أنني في إحدى زياراتي الأخيرة لمسجد الحسنين يسألنا المراقب في الباب هل معك مسدس أو سلاح لنحتفظ لك به هنا : قلت ومالي والسلاح يا ابن الأوادم ؟! عرفت حينها أن المسألة هنا طبيعية. والسلاح مثل القلم في الجيب ـ ثم رمقت أطفالا ومراهقين في شقوة الشباب يتراشقون بالمياء والمداعبات ومع شيء من الفوضى ، قلت أهذا هو مسجد السيد. لكن ما أن دخل سماحته وتهيّأ لصلاة الجماعة ، حتى خيّم جوّ روحي وصمت وانمحقت المراهقة والشقاوة وحلّ الرشد والنضج. إنه كيمياء التدين اللبناني ـ قلت مع نفسي ـ: إنه لبنان ؛ دين وشقاوة!

يحيط بسماحته طاقم مؤلف من مجموعة إداريين ومستشارين من خيرة المثقفين اللبنانيين والعلماء. وله من المشاريع الإعلامية والثقافية الكثير. كانت مجلة المنطلق منبرا مدعوما من سماحته وكان كتابها ومثقفوها قد أثاروا حينئذ اهتمام قراء من أكثر البلاد العربية وفي مقدمتها المغارب. وكانت مقالات كتّابها كالصديقين حسن جابر وصادق فضل الله وغيرهما في ثمينينيات القرن المنصرم محل إعجاب شريحة واسعة من القراء الذين كانوا يبعثون برسائل إعجاب وحبور ، كما حدثّي هذا الأخير.

كان السيد يستقبلني بكثير من الحبور والتكريم. ففي أولى زياراتي له في مزرعته بغوطة دمشق ، استقبلني بعناق كبير وابتسامة ملائكية وقال: لقد حدثوني عنك حتى شوقوني لرؤيتك. قلت له يا سماحة السيد نحن أشوق وهذه فرصة لنا لنتعرف على سماحتكم عن قرب. كان حديثا مفيدا وشيقا. وقد حدّني عن المغرب وعن المشرق وعن الانفتاح وعن التجديد وعن الاستكبار العالمي وعن الشعوب والمستضعفين وعن كل العناوين التي شكلت مدار انشغاله. أخبرني يومها عن أنه سبق أن استفسر من قبل السفير المغربي إن كان يوافق على أن يستضاف ضمن درس رمضاني. وقد برر لي سماحته سبب عدم تجاوبه أن المسألة في الحقيقة تتعلق في نظره بالوضع الأمني تحديدا، وهو الذي توقف عن حضور الكثير من المؤتمرات والمناسبات خارج لبنان وسوريا والحج. فالسيد يتحرك بطاقم من المرافقين يفوق عددهم التسعة أو العشرة. وسيارات عديدة. ورعاية خاصة. ثم تحدثنا عن قضايا تخص الفكر الإسلامي ومسألة التجديد، فتحدث عن ضرورة الخروج من التخلف الفكري، وقال لي حينئذ: عليك أن تطرح فكر أهل البيت كبيرا. وحين حدّته عن بعض التوجهات التي ترى الأمر فيه خروج عن مقتضى العرف أو الدين، قال لي: لا تبالي بأصوات التخلف، هؤلاء ـ يقول لي بابتسامة ـ ارم بهم في البحر. وأخبرني حينها أنه ضد تكفير المفكرين والمثقفين. وأبدا لي رأيه في نصر حامد أبو زيد وشحرور وغيرهما. وأخبرني أنهم زاروه في المزرعة نفسها ولم يجد ما يدعو إلى نهج التكفير ضدهم ، بل أخبرني أن نصر حامد أبو زيد رجل مسلم وقد أخبره أنه مسلم مؤمن بخلاف ما يشاع في الحملات ضده. لقد كان رحمه الله ضد نهج التكفير ومقابلة الفكر بالفتاوى الاستئصالية. بل يرى أن المطلوب أن نكسر "التابو" ونفكر ونتساءل ولا ينبغي أن نتحدث في الحوار عن مقدس. إن تطور الفكر يحتاج إلى صدمات نقدية.


وفي إحدى اللقاءات أسرّ لي بأن الثورة الثقافية في العالم الإسلامي لم تقم بعد وبأن الأمر يتطلب جهدا للإصلاح يجب أن لا يتوافق بالضرورة مع ما يطلبه العوام. على العالم أن لا يستسلم لأهواء هؤلاء. وقد صادف زيارتي أن كانت عقب تحرش إعلامي استهدف شخصي حاشرة إياه في نمط من الطائفية الهوجاء، بأن وافقني رأيي على تحليلي بأن الأمر يتعلق بلعبة تطبخ لإدخال العالم الإسلامي في معارك طائفية لا معنى لها. ونصحني بأن لا أستسلم لهذا الاستفزاز. وكان سماحته قد عرض عليّ عرضا نبيلا ، ألا وهو أن أحاول متابعة وضع بعض الإخوة المغاربيين سواء هناك أو في أوربا. كنت اعرف أن السيد حريص على أن لا يشط بهم الشطط وتتيه بهم المتاهات. وقد نظر في عيني وكأنه أدرك سؤالي ، ليستدرك : إنني شخصيا لا أومن "بشغلة" التنظيمات أو ما شابه ، ولكن أنا أومن بالتناصح والتشاور. كنت يومها أدرك أن مرجعية السيد التي كانت في بدايات طرحها تتعلق بنمط جديد ، أهمه أنه لا يؤمن بالوكالات المطلقة بالمعنى الذي نجده لدى بعض المرجعيات الأخرى التقليدية إلاّ للضرورة والاستثناء. وحيث كانت موارد السيد من الأموال الشرعية تقوم على متمولين كبار ولا تتوقف على العامة ، فإنه أدرك حكاية ما كان قد أشار إليه المصلح الشهيد مرتضى مطهري حينما تحدث عن مشكلة علماء الشيعة مقابل مشكلة علماء السنة. فهؤلاء يقيدهم السلطان وأولئك تقيدهم الجماهير. وهذا حاصل بالفعل في الأعم الأغلب. فإذا كان الإسلام السني ـ وعذرا على هذا التقسيم ـ قد أفرز ما يعرف بعلماء البلاط ، فإن الإسلام الشيعي كان قد أفرز بفعل تراكم الحوادث التاريخية نموذج علماء "الشعبوية" . وإن كان للمجالين حضهما من النموذجين معا، فإن سلطان الرقابة والتحكم من شأنه أيّا كان مصدره أن يربك رسالة العلماء. وحيث ليس الأمر كما طلب سماحته يتعلق بالوكالة إذ الأمر هنا يتعلق بمسألتين ضروريتين: من جهة تعتبر الوكالة أمرا عاديا في عرف الإدارة المرجعية ، ولكنها لا قيمة لها إن لم تكن وكالة في مجال جمع الحقوق الشرعية. ومثل هذا لا يوجد سوى في بلدان ذات الأغلبية الشيعية وكذا دول الخليج. وإذن بات الأمر لا موضوع له إذا تعلق الأمر ببلاد يعدم فيها الشيعة أو ليس في عادة وعرف متشرعتهم أن يدفعوا واجبات شرعية للفقيه الشرعي. ومن جهة أخرى فإنني أدركت أن فكر السيد ورؤاه لا يحتاج إلى واسطة أو تمثيل، لأنه مدرك بالضرورة وقد انفتحت عليه أجيال الثمانيينات واستوعبته. والتواصل مع فكره متيسر لا يحتاج إلى واسطة لا في الثبوت ولا في الإثبات. فهو تيار فكري مفتوح من شأن أي تجسيم له أن يضر به ويتيه به في زواريب تيارية ضيقة. إن السيد هو فكر مفتوح لجميع الأطياف وجميع الشرائح والأوساط. وقد حدثته دائما عن قيمة فكره واتساع رقعته وهو نفسه أخبرني مرارا عما يرده من انطباعات خاصة، حينما أعطاني مثالا بالغنوشي الذي زاره مرة وأخبره أن كتابات السيد من بين الكتب التي لم يضعوا عليها فيتو في حركتهم لأهميتها ونضجها الفكري. ما لم أبح به للسيد هو أنني لم أكن مقتنعا بأن تياره يحتاج إلى وسائط؛ فهو متدفق كالماء على حقول جافة. وبأن أيّ تجسيم أو توسيط تنظيمي لفكره خارج لبنان والعواصم الروحية الكبرى لمقام المرجعية هناك، هو استغلال من طرف بعض الوسطاء يكبرون به ولا يكبر بهم. وحينما أدرك من خلال لقاءاتي الكثيرة بسماحته أنني لست ممن يبادر بالسؤال حول آفاق المشروع، عرض علي السيد ما أحتاجه من خدمة وقال لي : يا سيد، أنا جاهز ومستعد لكل ما تحتاجونه وليس عندي مانع للتعاون . وحيث كان من ديدني أن لا أستغل مثل هذه الثقة وتلك العروض وأخشى ما أخشاه ولا زلت، أن أجعل العلاقة تتوقف على العمل المؤسسي المحض، فقد ظلت علاقتي به روحية ومعنوية وفيها الكثير من الاحترام المتبادل والتشاور الدائم. فقد طلبت منه فقط أن يواصلوا دعم مجلة" الوعي المعاصر" حينئذ ، حيث كان يديرها في ذلك الوقت ، الصديق عبد الرزاق الجبران. وأخبرني حينها سماحته : نعم نحن نفعل هذا ، طبعا هذه مجلتنا . وفي مناسبة أخرى كانت زيارتي متزامنة مع تصاعد الهجمة الإعلامية ضد شخصي أيضا. وقد لقيت منه الكثير من المواساة والود وقال لي بأنك على الطريق الصحيح وأنك موفق. ثم ضرب على كتفي وقد عانقني عناقا أبويا دون أن ينسى تذكيري بأن المطلوب هو السمو فوق الصغائر وبأنني حتما ستواجه الكثير من التحديات وصنوف من الكراهية. وقال ما معناه: اعلم بأن من يوجد في الساحة لا يملك أحد أن يسيء إليه أو يستئصله؛ إننا لا يمكننا أن نستئصل شخصا فاعلا في الساحة. تذكرت ساعتها كلمة لفيلسوف رومانيا إيميل سيوران ، بأنك رغبتك في الشهرة هي في الحقيقة رغبتك في أن تموت مكروها ولكن لا تموت منسيا. ولكن ما ذنب من لا يسعى لا للشهرة ولا لغيرها ؛ ويتمنى لولا واجب التصدّي و دافع المسؤولية أن يكون نسيا منسيا؟!



وفقّت لزيارة سماحته قبل شهرين من وفاته. أخبرني أحد معاونيه وكذا إبنه البارّ، سماحة السيد علي بأن الوالد مستعد للزيارة. كان همّي في هذه الزيارة أن أطمئن على صحته . وقد أخبرني أحد معاونيه أن السيد حينما أخبرناه بوجودك وبأمرك كان مسرورا وقد تأثر كثيرا وقال بأن السيد إدريس له أن يأتي في كل وقت ونحن نحبه : لقد أثر في ذلك كثيرا. ولكن أيضا كنت في حاجة إلى هذا الدعم الذي لا زال يمنحنا إياه سماحته حتى وهو يواجه مرضا عضالا. جئت لمواساته لكنني أفاجأ بأنه كان هو من يواسينا. دخلت عليه وإذا بابتسامته تشرق في ملائكية وصمود. وضعه الصحي صعب. لكنه يتظاهر بقوة وصلابة. إنه لا يملك أن يقف. والعياء متمكن منه. وعند الحديث كان يجهد نفسه لكي يحافظ على عمق تحليله. إنه يتوقف ويفقد تركيزه. هكذا يبدو لنا . لكنه يستأنف من حيث بدأ ليؤكد أن السيد لم يفقد عمقه الفكري حتى قبيل وفاته. كان الاستقبال في جو حماسي ، وهو يقول لبعض معاونين أنا أؤيّد السيد في كل ما يفعله ويقوم به وندعو له بالتوفيق ونقدر جهوده كلها . قلت له : سيدنا أنتم في القلب. قال: يل أنتم في العقل. العقل هاجس عند السيد. فهو يدرك مآزق الحيد عنه بل يدرك شطط التراخي في استحضاره عند كل فكرة أو موقف. إنه أعقل من رأيت من المصلحين. فالعقل عنده خيار لا مجال فيه للانتقاء في الاستعمال بل هو سيد الحاضرين في الإبداع والفتوى والرأي. بل لا خوف على الفكر إن استعصم بالعقل من الشرود. فالشرود مع العقل أفضل من الجمود على غيره. وبين صدمتي بوضعه الصحي وبين رشاقة روحه وصلابة عقله، كنت أنظر إلى بداية أفول نجم واحدة من كبرى ملاحم الفكر الإسلامي المعاصر. وكان عزائي أن كان لهذا الفكر مؤسسة ترعاه ومعاونون سيهتمون بتراثه ، وربما شاء الله أن يموت السيد ليحيى فكره أكثر. تحدثنا حول بعض مشكلات الفكر الإسلامي وكان يتحدث عن جانب أساسي هو أنه منذ بداية مشروعه الدعوي كان ينظر لنفسه مسلما لا غير وإنسانا. لقد بدا مصرا على هذا الانفساح في رؤية الأشياء. وحينما حدثته عن كيفية مواجهة الفكر السلبي ، قال ليس المطلوب أن نواجه أحدا ، المطلوب أن نقدم رؤيتنا وفكرنا وتصورنا. لقد أعاد الاعتبار إلى محورية القرآن ومطلب الإسلام العام وقضية الإنسان ومسألة العقل. ودّعته وقد انتابني إحساس عارم بأنها ستكون آخر مرة أرى فيها مفكر الفقهاء وفقيه المفكرين. تأثرت كثيرا وما أن ابتعدت عنه وعن معاونيه وأبنائه حتى ذرفت الدمع ؛ لقد أحسست بالفراق، لذا لم أفاجأ بموته في الرابع من يوم الأحد 2010م. لقد مات السيد فضل الله، وأفضاله على حركة الوعي الإسلامي كثيرة؛ ولكنه سيظل لا محالة حيّا بفكره ومواقفه ونضاله ومؤسساتها ومشاريعه.



ولا زلت أؤكد على أن "عامل" لم يعد عنوانا لجغرافيا بل هو عنوان تاريخ. وشموخ جغرافياه لا تحجب شموخ تاريخ جبل اكتض بأجيال من العلماء والمفكرين والأدباء والمناضلين والـ" المقاومين". ومن هنا باتت لجبل عامل قيمة رمزية بالذين تحملهم تلك الجغرافيا، لكنهم سكنوا كل جغرافيا لمّا امتد تأثيرهم على أوسع مدى. من من أبناء الحركة الإسلامية من المحيط إلى الخليج لم يتعرف قليلا أو كثيرا على عمق هذا الفكر وانطلاقه. كان سماحة السيد منبعا ثرّا بالعطاء . بابتسامة ملائكية وانطلاقة عقلية كان يزن الأشياء ولا يبالي بردود الفعل التي قد تنطلق من هنا أو هناك. لقد اختار أن يكون مصلحا ومسلما وإنسانا لا تأسره الملل ولا النحل.. ابن الطائفة الذي تمرد على أسوارها واستحقاقاتها..ابن الحرب الأهلية التي وقف صامدا ضد رعونتها.. ابن لبنان الذي تسامى على زواريب مشكلاته وحساسياته.. ابن الحوزة العلمية التي لم تشده إلى غارق تقليدانيتها.. ابن المرجعية التي لم تقف دونه وتدفق عطائه الفكري.. إنه خلاصة تجربة كبيرة لا يسعها كتاب مهما حاول الكتاب؛ نضال شامخ وعلم وفكر وفقه وتنوير ومقاومة وسياسة... وفي كل محطة من محطات اهتمامه لا يغيب الإنسان. لقد فقدنا أبا روحيا طالما منحناه من الحب وطالما منحنا من المودة. فرحم الله الفقيد وأسكنه فسيح جنانه، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون.

الدستور : المفتي الشيخ علي جمعة: المسلم غير مكلف بمحاسبة المخالفين له في العقيدة

المفتي: المسلم غير مكلف بمحاسبة المخالفين له في العقيدة

المفتي: المسلم غير مكلف بمحاسبة المخالفين له في العقيدةالخميس, 8-07-2010 - 12:16الأربعاء, 2010-07-07 18:47 الشيماء عبد اللطيف مصر

على جمعهقال الدكتور «علي جمعة» ـ مفتي الديار المصرية ـ إنه لم يعد هناك مكان ولا إمكانية للعزلة ولا الانعزال بين الإسلام والمسيحية ولم يعد هناك إلا أن نعيش سوياً علي هذه الأرض .

وأوضح «المفتي» خلال كلمته في افتتاح المؤتمر السنوي للمجتمع المسلم بأمريكا الشمالية بمدينة «شيكاغو» الأمريكية أمس أن أساس النظرة المتسامحة التي تسود المسلمين في معاملة مخالفيهم في الدين ترجع إلي الأفكار والحقائق التي غرسها الإسلام في عقول المسلمين وقلوبهم، ومنها أن الأصل وحدة بني البشر، وأن الاختلاف في الدين أمر قدري بمشيئة الله تعالي، وأن المسلم غير مكلف بمحاسبة غيره من المخالفين له، فضلاً عن إكراهه أو إجباره علي مخالفة دينه.

وقال إن الإسلام يؤكد حق الناس جميعاً في العيش والكرامة دون استثناء أو تمييز، وأضاف «لا يصح أن يكون اختلاف البشر في ألوانهم وأجناسهم ولغتهم ودياناتهم سبباً في التنافر والعداوة، بل يجب أن يكون ذلك داعياً للتعارف والتلاقي علي الخير والمصلحة الإنسانية المشتركة.

ووأضح أيضاً أن الإسلام ينظر إلي غيرالمسلمين، خاصة أهل الكتاب نظرة تكامل وتعاون وبالأخص في المصالح المشتركة المبنية علي قاعدة القيم والأخلاق التي دعت إليها كل الأديان وحظيت بالقبول والرضا من كل البشر، وأن الإسلام وضع قواعد واضحة للعائلة البشرية، وأعلن في صورة واضحة لا تحتمل اللبس أو التأويل أن الناس خلقوا جميعاً من نفس واحدة بما يؤكد وحدة الأصل الإنساني.

وأضاف أن دستور الإسلام حدد الأصول التي يجب مراعاتها عند التعامل مع غير المسلمين وتتلخص في قوله تعالي «لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين»، وأن أساس تلك الأصول هو التسامح والعفو الذي يعني التجاوز عن الذنب وإبداء الإحسان وفعل الخيرات.

الأحد، يوليو 04، 2010

بيان نعي سماحة العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله

بيان نعي سماحة العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله


بسم الله الرحمن الرحيم

"إنّا لله وإنّا إليه راجعون"

{وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ}[البقرة: 207]

"إذا مات العالِم ثُلِم في الإسلام ثلمةٌ لا يسدّها شيء"

في زمن أحوج َما نكونُ فيه إليه..

رحلَ هذا الكبيرُ زارعاً في قلوب المحبّين أحزاناً جمعت كلَّ أحزانِ التاريخ...

رحلَ الأبُ القائدُ الفقيهُ المرجعُ المجدِّدُ المرشد والإنسان...

رحلَ والصلاةُ بين شفتيْه وذِكْرُ الله على لسانه وهمومُ الأمة في قلبه..

وأخيراً توقّف نَبْضُ هذا القلب على خمسةٍ وسبعين من الأعوام... قَضَاها جهاداً واجتهاداً وتجديداً وانفتاحاً والتزاماً بقضايا الأمة ومواجهةً لكلّ قوى الاستكبار والطغيان..

رحل السيّدُ وهمُّه الكبير، هو الإسلامُ فكراً وحركةً ومنهجاً والتزاماً في جميع مجالات الحياة مردّداً على الدوام: هذه هي كلُّ أُمنياتي، وليس عندي أُمنياتٌ شخصيّةٌ أو ذاتيّة، ولكنَّ أمنيتي الوحيدة التي عشتُ لها وعملتُ لأجلها هي أن أكونَ خادماً لله ولرسوله (ص) ولأهل بيته (ع) وللإسلام والمسلمين...

لقد كانت وصيّتُه الأساس حِفْظَ الإسلام وحِفْظَ الأمّة ووحدتَها، فآمن بأنّ الاستكبار لن تنكسر شوكتُه إلاّ بوحدة المسلمين وتكاتفهم.

وبعقله النيّر وروحه المشرقة كان أباً ومَرجعاً ومرشداً وناصحاً لكلّ الحركات الإسلامية الواعية في العالم العربي والإسلامي التي استهْدت في حركتها خطَّه وفكرَه ومنهجَ عمله...

وانطلاقاً من أصالته الإسلامية شكَّل مدرسةً في الحوار مع الآخر على قاعدة أنّ الحقيقةَ بنتُ الحوار فانْفتَحَ على الإنسان كلّه، وجسّد الحوارَ بحركتِه وسيرته وفكره بعيداً عن الشعارات الخالية من أيّ مضمونٍ واقعيّ.

ولأنّه عاشَ الإسلامَ وعياً في خطّ المسؤولية وحركةً في خطّ العدل، كان العقلَ الذي أطلق المقاومةَ، فاستمدّت من فكرهِ روحَ المواجهة والتصدّي والممانعة وسارت في خطّ الإنجازات والانتصارات الكبرى في لبنان وفلسطين وكلِّ بلدٍ فيه للجهاد موقع..

على الدوام، كانت قضايا العرب والمسلمين الكبرى من أولويات اهتماماته.. وشكّلتْ فلسطينُ الهمَّ الأكبرَ لحركتِهِ منذ رَيعان شبابِه وحتى الرمقِ الأخيرِ قائلاً: "لن أرتاح إلاّ عندما يَسقط الكِيانُ الصهيوني".

لقد شكّل السيّد علامةً فارقةً في حركة المرجعيّة الدينية التي التصقتْ بجمهور الأمة في آلامها وآمالها.. ورسمتْ لهذا الجمهور خطَّ الوعي في مواجهة التخلّف، وحملت معه مسؤولية بناء المستقبل... وتصدّت للغلو والخرافةِ والتكفير مستهديةً سيرةَ رسولِ الله (ص) وأهل بيتِه الأطهار(ع).

لقد وقف السيّد بكلِّ ورعٍ وتقوى في مواجهةِ الفتن بين المسلمين رافضاً أن يتآكل وجودُهم بِفِعل العصبياتِ المذْهبية الضيّقة، طالباً من علماء الأمّة الواعين من أفرادها أن يتّقوا الله في دماء الناس، معتبراً أنّ كلَّ مَنْ يُثيرُ فتنةً بين المسلمين ليمزِّق وحدتَهم ويفرِّق كلمتَهم هو خائنٌ لله ولرسوله وإنْ صامَ وصلّى..

حرص على الدوام أن تكون العلاقات بين المسلمين والمسيحيين في لبنان والعالم قائمةً على الكلمةِ السواء والتفاهم حول القضايا المشتركة، وتطويرِ العلاقاتِ بينهم انطلاقاً من المفاهيم الأخلاقية والإنسانية التي تساهم في رَفْع مستوى الإنسان على الصُّعُد كافّة، وارتكازاً إلى قيمة العدل في مواجهة الظلم كلّه.

وأمّا منهجيتُه الحركيّةُ والرساليّةُ وحركتُه الفقهيّة والعقائديّة، فإنّه انطلق فيها من القرآن الكريم كأساس... وقد فَهِمَ القرآنَ الكريم على أنّه كتابُ الحياة الذي لا يَفهمُه إلاّ الحركيون..

امتاز بتواضعه وإنسانيّته وخُلُقه الرساليّ الرفيع وقد اتّسع قلبُه للمحبّين وغير المحبّين مخاطباً الجميع: "أحبّوا بعضَكُم بعضاً، إنّ المحبّة هي التي تُبدع وتُؤصّل وتنتج...تَعَالوْا إلى المحبّة بعيداً عن الشخصانية والمناطقية والحزبية والطائفية... تعالوا كي نلتقي على الله بدلاً من أن نختلف باسم الله"... وهو بهذا أفرغ قلبَه من كلّ حقد وغِلٍّ على أيّ من الناس، مردّداً "أنّ الحياةَ لا تتحمّلُ الحقدَ فالحقدُ موتٌ والمحبّةُ حياة"...

ولقناعته بالعمل المؤسّسي آمن بأنّ وجود المؤسّسات هو المدماك الحضاريّ الأساسيّ لنهضة كلِّ أمّة ومجتمع.. أقام صروحاً ومنارات للعلم والرّعاية، فكانت مَلاذاً لليتيم وللمحتاج ووجد فيها المعوّقُ داراً للطموحات والآمال الكبار، ووجد المتعلّم فيها طريقاً نحو الآفاق المفتوحة على المدى الأوسع، وهكذا المريض والمسنّ وَجَدا فيها أيضاً واحةً للأمان والصحة..

لقد كانت دارُكَ أيّها السيّدُ السيّدُ وستبقى مقصداً لكلِّ روّاد الفكر وطالبي الحاجات، فلطالما لهج لسانُك بحبّ الناس.

كان الفقراء والمستضعفون الأقربَ إلى قلبك، ولقد وجدتَ في الشباب أَمَلاً واعداً إذا ما تحصّنوا بسلاحِ الثقافة والفكر..

لقد سَكَنَ هذا القلبُ الذي ملأ الدنيا إسلاماً حركياً ووعياً رسالياً وإنسانية فاضت حبّاً وخيراً حتى النَّفَس الأخير...

يا سيّدَنا، لقد ارتاحَ هذا الجسدُ وهو يتطلَّعُ إلى تحقيقِ الكثيرِ من الآمال والطموحاتِ على مستوى بناءِ حاضرِ الأمةِ ومستقبلِها..

رحلتَ عنّا، وقد تكسّرت عند قدميْك كلُّ المؤامرات والتهديدات وحملاتِ التشويهِ ومحاولاتِ الاغتيال المادّي والمعنوي، وبقيت صافيَ العقل والقلب والروح صفاء عين الشمس...

يا أبا علي، رحلت وسيبقى اسمُك محفوراً في وجدان الأمة، وستبقى حاضراً في فكرك ونهجِك في حياة أجيالنا حاضراً ومستقبلاً..

رحل السيّدُ الجسد، وسيبقى السيّدُ الروحَ والفِكْرَ والخطّ... وستُكمل الأمّة التي أحبّها وأتعبَ نفسه لأجلها، مسيرة الوعي التي خطّها مشروعاً بِعَرَقِ سنيّ حياته...

أيها الأخوة.. إنّنا إذ نعزّي الأمّة كلَّها برحيل هذا العلم المرجعيّ الكبير، وهذه القامةِ العلمية والفكرية والرسالية الرّائدة، نعاهدُ اللهَ، ونعاهدُك يا سماحة السيّد، أن نستكمل مَسيرةَ الوَعْي والتجديد التي أَرْسَيْتَ أصولَها وقواعدَها، وأن نحفظ وصيّتك الغالية في العمل على حِياطةِ الإسلام، ووحدةِ الأمةِ، وإنسانيّةِ الرّسالة.

{يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي}]الفجر: 27-30]

مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله

التاريخ: 22 رجب 1431 هـ الموافق: 04/07/2010 م



السبت، يوليو 03، 2010

جريدة المدينة - خطبة جمعة غير موفقة


خطبة جمعة غير موفقة
السبت 03/07/2010
عبدالله فراج الشريف
أرى انه أصبح الكثيرون من المنتسبين إلى العلم الشرعي في بلادنا ينفعلون في المواقف التي يجب أن يتريثوا فيها، ويعيدوا النظر في المسألة التي لهم رغبة شديدة في التعليق عليها، حتى لا يندفعوا في ظن لا يغني من الحق شيئاً، حيث يظنون أنهم ينهون عن الشر، وهم في حقيقة الأمر للعجلة يوشكون الوقوع فيه، فالردود بين أهل العلم سنة ماضية، وتثري الاجتهاد وتنوعه، فلا أحد منهم إلا راد ومردود عليه، ولكن الاسلوب في الرد يجب أن يتسم بأدب الاسلام الراقي في صيانة الاعراض، فلا يتهم المردود عليه في دينه أو علمه، ولا يبحث عن نواياه، التي لا يعلمها سوى الله، وصاحبها الذي تتردد في صدره إن كانت موجودة، والفتوى إنما هي اجتهاد، والاجتهاد جهد بشري، معرض صاحبه أن يصيب حيناً وأن يخطئ حيناً آخر، ولذا فالفتوى لا تكون في الاحكام القطعية الثابتة المعلومة من الدين بالضرورة، وإنما تكون في الواقعة المستجدة التي تحتاج إلى حكم، لذلك شرطوا للمفتي أن يكون مجتهداً، فهي ظنية لا تلزم أحداً، فليس للمفتي ان يشدد على الناس ان يتبعوا فتواه، ولا يكرههم على اتباعها إن كان له سلطة تمكنه من اكراههم عليها، ومنبر الجمعة وخاصة في الحرمين الشريفين أثره على الناس كبير، واليوم مع هذه الوسائل الحديثة للاتصال، اصبحت الخطبة تصل إلى اسماع الناس في شتى ارجاء المعمورة، فلا بد لائمة الحرمين الشريفين من أن يراعوا هذا، وينتقوا ما يخاطبون به الناس فالبعض من منبر الجمعة يعتبر من نقل اقوالاً لبعض اهل العلم في مسألة فيها خلاف معتبر، فاختار قولاً يرى أن الادلة عليه في نظره أقوى من أدلة القول الآخر المخالف له، أو انه يحقق للعباد مصلحة ويدفع عنهم مفسدة أو يرفع عن الناس حرجا وضيقا، فمن ذكر ذلك وبيّنه اعتبره هذا البعض غاشا للأمة في دينها ومصادر تلقيها، ووصفهم بالمتعالمين الممتطين كما يقول صهوة القول على الله بغير علم، والمقتحمين لمقامات الفتيا، وهم ليسوا منها في قليل أو كثير، في اقصاء تام لهم، بل هم غاشون للامة في فكرها الصافي بافكار ملوثة تثير الفتن والبلبلة وتتقعر الفتاوى الشاذة والاقوال الغريبة، خروجاً عن جماعة الامة وجمهور اهل العلم، ونيلاً من علماء الأمة الربانيين وائمتها الراسخين في عالم يموج بفوضى وعبث التعالم، وضرب الامثلة بالفتاوى في حل السحر، ورضاع الكبير وحكم الاختلاط، والغناء والناس يعلمون اصحاب هذه الفتاوى باسمائهم واوصافهم وكل منهم لم يفت وإنما ذكر خلافاً وقع، وهو يؤيد أحد القولين، والاصل ان يرد عليه بمناقشته أدلته، ثم ذكر الادلة الاقوى على ضده، فمن افتى بحل السحر إنما ذكر خلافاً موجوداً لا يزيله مثل هذا العنف اللفظي، وانما يرده بأن يبين للناس انه القول المرجوح وان الادلة التي تعتمد عليها هي الادلة الاضعف فهو خلاف قديم وفي مذهب الامام احمد هذا الخلاف مشهور، ومن أفتى بأن ارضاع الكبير ينشر الحرمة، وقد يحتاج اليه اذا كان الرجل تحتاج المرأة ان يدخل اليها ويشق عليها الاحتشام منه، والقائلون بذلك من الصحابة نفر بعضهم عاد عنه وبعضهم ثبت عليه، وعلى رأسهم أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، ومن التابعين نفر، ثم توالى بعد ذلك القول به، فأيده الامام ابن تيمية في الاختيارات الفقهية وفي مجموع الفتاوى، وابن القيم تلميذه في زاد المعاد، وابن الامير الصنعاني في سبل السلام، والشوكاني في نيل الاوطار ثم صديق حسن خان في الروضة الندية، والشيخ سيد سابق في فقه السنة، ومحمد ناصر الالباني في التعليقات على الروضة الندية، فهل من الممكن اطلاق القول على هؤلاء جميعاً انهم مقتحمون لمقامات الفتوى، يقولون بغير علم، كما ان هذه الفتوى موجودة عند نفر من علماء بلادنا في كتبهم، نعم القول الآخر المحرم ان يحل السحر بالسحر هو الاقوى دليلاً، وهو الذي يحقق المصلحة، كما ان القول بأن رضاع الكبير لا ينشر الحرمة هو الاصوب والذي به قال جمهور علماء الأمة وفقائها ومحدثيها، رغم صحة حديث امرأة حذيفة المروي عن عائشة رضي الله عنها سنداً، وكذلك من افتى بأن الغناء بصحبة الآلات الموسيقية (المعازف) أو بدونها مباح شرط ألا يكون الكلام المغني فاحشاً او يقود الى محرم، قطعاً هو لم يبتدع رأيًا وانما نقل عن العديد من العلماء اباحة ذلك وعلى رأسهم الامام ابن حزم الظاهري - رحمه الله، وكذا من يقول ان ليس كل تواجد للنساء مع الرجال اختلاط محرم، فيبيح منه ما لا يشتمل على محرم كالخلوة او التماس بالاجساد ومن يقول: بهذا اليوم علماء وفقهاء وقضاة ووزير فقيه مشهود له بسعة العلم والتقوى، وان يستهدف كل هؤلاء بأنهم ليسوا من أهل الفتوى ويقولون على الله بلا علم ويقتحمون مقامات الفتوى وهم ليسوا من اهلها أمر يثير الدهشة وتشتد غرابته فهو اشبه ما يكون بتصفية حسابات، فهل يستحق كل هؤلاء كل هذا الغضب والتشهير بهم ثم حديث عن هجوم على السلفية، وكأن كل من اختلف مع عالم ينسب إلى السلفية قصد ان يهدم ما كان عليه السلف الصالح من الصحابة رضوان الله عليهم ومن اقتفى اثرهم، وكل دعوة تجديدية اصلاحية ظهرت وستظهر على وجه الارض لن تكون معصومة، فاذا ذكر أحد ما وقعت فيه من اخطاء فهو حتما غير متعمد كما ان هذا البعض يذكرنا بالنهي الموسمي عن بدع مزعومة في شهر رجب، واشهرها الاحتفاء فيه بالاسراء والمعراج، والذي يحتفي عالمناالاسلامي به كل عام، ولم ينس ان يهاجم وسائل الاعلام واعمدة الصحافة متهما اياها بانها تلبس الحق بالباطل، وتندس الفضائل بالرذائل، والذي اصبح سلوكا متحيزاً عند بعض وعاظنا، وكأن مواعظهم لن تؤثر الا اذا هاجموا وسائل اعلام بلدهم، واتهموا كتابها ومحرريها بكل سوء، ان مثل هذه الخطب غير موفقة، فهل يدرك من يتصدى للخطبة ذلك هو ما نرجو والله ولي التوفيق.

الجمعة، يوليو 02، 2010

التفكير في غير التكفير !! جريدة المدينة


التفكير في غير التكفير !!
الجمعة 02/07/2010
طريف عيد السليطي
عنوان هذه المقالة تحريف لعنوان الكتاب الشهير للدكتور نصر حامد أبو زيد والمُعنون بـ ( التفكير في زمن التكفير ). والحقيقة أن هذا الكتاب، وغيره من كتب مرحلة الثمانينات والتسعينات ومطلع هذه الألفية، هي كلها كتب تستجيب لفترتها التاريخية وتحديات الفكر والواقع في ذلك العصر أو ذاك. كان من المفهوم حقاً أن يتوجه الكاتب آنذاك بالنقد والتقويض والتفكيك لظواهر « التكفير « التي كانت مفرزاً من مفرزات الحركات الإسلامية المتطرفة ( وليست المعتدلة ) فبالطبع يوجد إسلاميون معتدلون وبعيدون تماماً عن مسألة التكفير، ولكن وُجد أيضاً من يستغلون الإسلام للتكفير ونبذ الآخرين وطردهم شرّ طردة من المعتقد الإسلامي الذي اختصروه واختزلوه في أنفسهم وذواتهم. وهذا طبيعي تماماً، فالمتطرفون يوجدون في كل مكان، في كل الأديان والمعتقدات والأعراق والطوائف والتجمعات البشرية، فالإنسان ميال بطبعه للتطرف تارة، والاعتدال تارة أخرى. ولكن الملاحظ أن التفكير في « التكفير « بوصفه موضوعاً يخص فترة الثمانينات والتسعينات ( بوصفها فترة انتعاش الحركات الإسلامية المتطرفة ) أقول إن هذا الموضوع لا بد وأنه قد انتهى زمنه وتلاشى وقته، وكاتب هذه المقالة يريد التبشير بعصر آخر، عصر جديد نتخلص منه من هذا المبحث التقليدي والعتيق والمنتهية صلاحيته، والتفكير بمشاكلنا الأخرى التي لا تتعلق بالتكفير والتطرف والأصولية والإرهاب والتزمت والتنطع، إلى آخر هذه المحاور المستهلكة والمقتولة بحثاً . ولا أزال أستغرب من صبر هؤلاء وجلدهم الطويل على تكرار المواضيع المرة تلو المرة عن الأصولية والإرهاب والمرأة والحجاب، وكأن هذا المبحث هو وحده الذي انطوى فيه كوننا الأكبر ! ولا يمكن بالفعل تحديد أولويات أية كتابة، أكانت كتابة صحفية، أم أكاديمية، أم فكرية، أم فلسفية . الكتابة هي منوطة باهتمامات الكاتب، ولا يمكن، على سبيل العينة والتمثيل، أن نطلب من أي كاتب أن يقصر اهتمامه على موضوع محدد وواحد، ولكن مهمة الكاتب حسبما أرى تكمن في اختيار عدة مواضيع، وتجزئة الموضوع إلى فكرة صغرى ومحدودة تشغل مقاله من أعلاه إلى أسفله. هذه الفكرة ليست منعزلة بالطبع عن ( ماكينة ) أفكاره الضخمة التي تولد بدورها هذه الأفكار الجزئية الصغيرة المتناثرة عبر المقالات والمقتطفات. لكن الغريب في الأمر أن كثيراً من الكتاب لا يزالون يكتبون بلغة الثمانينات والتسعينات ( لغة الحرب على الصحوة الإسلامية ) وكانوا حينذاك يسخرون من كتاب الستينات والخمسينات الذين يستخدمون لغة الحرب على الصهيونية، أي لغة القوميين العرب واليساريين . وأرى أن زمن الصحوة انتهى، ومعها انتهى زمن الأيديولوجيات الشمولية، ويفترض أن يكون عصر النقد الجذري والشامل قد ابتدأ الآن . ثمة مظاهر ضخمة وهائلة تحيط بنا وتحتاج للتحليل والكتابة عنها والقراءة حولها، ظواهر التأزم الاقتصادي، والظواهر الاجتماعية القائمة في مجتمع « تقليدي « الفكر و « عصريّ « المادة والوسيلة، والظواهر المتعلقة بأزمات النخبة التي لا تنتقد نفسها ولا ترضى بمن ينتقدها ولا تطور من ذاتها، وأزمة التفككات القبلية والعشائرية والأسرية والانحيازات في بلد يفترض فيه أن يخطو خطوات التطوير الأساسية صوب وطن موحد متماسك الأوصال والأجزاء. إن هذه المواضيع ما هي إلا عينات، ونماذج، لما يمكن أن يُكتب عنه، وهي قطعاً ليست الوحيدة، فالحياة هي شاسعة وواسعة ومليئة بالأحداث القمينة بالكتابة عنها، لا سيما في بلداننا التي لا تزال تحث المسير نحو النهضة بآفاقها العريضة . وهذا يعني وجوب التفكير في غير « التكفير « ! فقد انتهى هذا المبحث بتقهقر الحركات الإرهابية وانهزامها شر هزيمة، ومن ثمّ أمكن التفرغ للكتابة عن المشكلات الحقيقية والجوهرية التي تعاني منها مجتمعاتنا ومؤسساتنا، وليس التخندق في خانة الكتابة الأحادية الأيديولوجية الموجهة خصيصاً وفقط للهجوم على الإرهابيين العمالقة الذين بولغ بحجمهم الحقيقي، والذين يذكرونني بسعلوّة الصحراء التي لم يعثر عليها أحد في يوم من الأيام ! إن التفكير في غير التكفير هو فرض عين على كل كاتب كما أرى، والمشكلات والقضايا المؤرقة التي تؤزم من وجودنا الاجتماعي والإنساني جديرة بالالتفات إليها والتدبر بتضاعيفها وتفاصيلها المهمة. أما مشكلات الإرهاب والأصولية والتطرف وما شابه، فهي مشكلات ماضية نحو الأفول والموات، هذا إن لم نقل بأنها انقرضت أصلاً، وماتت، ونخر الدود هياكلها العظمية.

جريدة الرياض : إعلام المُفَكِّرِين بأعلام المُكَفِّرِين


إعلام المُفَكِّرِين بأعلام المُكَفِّرِين

محمد بن علي المحمود


الماضي مات وانتهى ، ولا بد من التضحية به من أجل الحاضر والمستقبل . الحاضر هو الشيء الوحيد الحقيقي ، والمستقبل هو الحقيقة التي نخلقها ، ومن أجلهما يمكن التضحية بما هو مجرد وهم لن يعود أبدا . ولا يمكن أن نترك لما هو في أحسن أحواله مجرد ماضٍ ، أن يدمر واقعنا ومستقبنا .

بداية ؛ أعتذر عن العنوان ومن العنوان وللعنوان . باقة اعتذارات ! . أعتذر أولا : لأن العنوان عنوان تقليدي بامتياز ، عنوان يعيد القارئ والكاتب من قبله أزمنة الاجترار ، أزمنة الطبول اللفظية ، إلى فضاء تقليدي خانق ، إلى فضاء أولئك الفارغين العابثين ، إلى أولئك الفارغين المشغولين بالسجع والجناس ؛ لا بوصفهما تلوينا في التعبير ، وعاملا في استثمار بنية التشكيل من أجل إيصال الرسالة بهوامشهما التي قد تكون أهم من المتن ، وإنما فقط ؛ بوصفهما كما يتصورون أو يتوهمون حدا أعلى في التفكير ، حيث سحر الكلمات يلغي أو يجب أن يلغي واقعية التفكير .

منذ فجر الإنسانية الأول ، استخدمت الكلمات المسجوعة والأصوات الغرائبية الموهمة بالتماهي مع عالم غير معقول تتلاعب بأقداره معجزة الكلمات ، في الكهانة والسحر . توهم كثيرون أن عالم الكهانة والسحر زال بتواريه عن الحضور المباشر . لكن ، لم يتم طرد هذا العالم (= الكهانة والسحر ) من الباب إلا ليدخل من النافذة ، وخاصة من نافذة من يرفض هذا العالم ، أي من نافذة التقليدية ، التي تمارس الكهانة ؛ حتى في حربها ضد الكهانة . فهي تحارب الكهانة الصريحة صراحة ، ولكنها تتشبع بروحها ومضامينها ، بل وتمارس كافة وظائفها ؛ حتى تكاد في هذا المضمار أن تكون وإيها في حالة تطابق تام .

إذن ، العنوان يحاول التكهن ؛ كما يفعل التقليديون ، ولكنه يفشل ؛ كما يفشل التقليديون دائما . وهو لا يكتفي بهذا الفشل ، كما لا تكتفي التقليدية بفشلها الدائم والأزلي . فزيادة في استحضار مقومات القَدَامة ، والتي هي هنا مقومات البلادة ، نجد التقليدية لا تقتصر على الاحتفاء بهذه الأشياء ( = السجع والجناس ) ، بل تتعداهما إلى ما يُوحي به العنوان من استعلاء مشيخي ؛ إذ يَظهر الكاتبُ ( وهذه وضعية تقليدية عامة ؛ نابعة من تصنيم البشر ومن تصنيم الأفكار ؛ عند أشد محرابي التصنيم ) وكأنه مصدر الحقائق ، بينما الآخرون بلا استثناء ،حتى للمُفكرين مجرد مستقبلين سلبيين ، لا يملكون غير الاستحذاء والاستذلال حال الاستقبال .

أيضا ، أعتذر ثانيا : لأن الإعلام وإن صح أو تمَّ التسامح معه في بداية البدايات ، سواء ما كان منها على مستوى الأفراد أوعلى مستوى الجماعات فإن المفكرين من حيث كونهم مفكرين موصوفون بالاشتغال بمهنة التفكير . أي أنهم ليسوا أدوات سلبية للاستقبال ، أقصد : ليسوا أدوات نقل وحفظ وتكرار واجترار . إن المفكرين لا يتلقون العلم تلقينا باستحذاء مهين واستقبال مُستذل ، كما هو حال التقليديين ، وإنما هم ذوات فاعلة ، هم فاعلون بواسطة ذواتهم ابتداء ، يصنعون الفكر ولا يجترّون ميت الأفكار لمجرد البرهنة على القدر على الاجترار . علاقة المفكرين ، حتى مع ذواتهم ، هي علاقة جدلية ، بل تصادمية وخلافية ، إنها علاقة تأخذ وتعطي ، تقبل وترفض ، تجيب وتتساءل . ولهذا يستحيل تطويعهم ليكونوا محل : إعلام / تلقين ؛ كما يوحي بذلك العنوان التقليدي لهذا المقال .

بل وأعتذر مرة ثالثة : ؛ لأن هذا المقال مقال فاشل بالضرورة ، إنه مقال محكوم عليه بالفشل ؛ ابتداء من فكرته الأساس التي يعكسها عنوانه المستحيل . والاستحالة في العنوان لا تنبع من استشكال في بنيته المنطقية المضطربة فحسب (حيث المُفكَّر كما سبق ذو بُعد جدلي في علاقته مع المعلومات والأفكار ، كما في علاقته بالواقع ) ، وإنما هي استحالة مصدرها الأساس : استحالة تنزيل العنوان ( على افتراض سلامته المنطقية ) على الواقع . أي أن العلاقة بين العنوان والواقع المُتعين تفتقد الحد الأدنى من الاتساق المنطقي ؛ لأنها غير ممكنة ( على الأقل كما في التصور الهيجلي للمعقول الواقعي ، وهو التصور الذي أعتمده ) ، ومن ثمَّ ، فهي غير معقولة / غير واقعية . وهنا نرى كيف تفعل التقليدية فعلها ؛ فتتراكم الاستحالات والتشوهات ؛ لتؤكد حالة الفشل التام ، الفشل في تنفيذ كل ما يعد به العنوان .

كل ما كان مستحيلا فلا سبيل إليه ، وكل سعي للظفر به يعني الحكم على الساعي بالفشل ابتداء ؛ حتى قبل المحاولة . الفشل هنا مصدره استعصاء الواقع (= الواقع بمفهومه الشامل الذي يتجاوز عالم الوقائع المادية ) وتأبّيه على استحقاقات العنوان . أي أن الموضوع كما يفترضه العنوان المستحيل واقعيا يحكم بفشل كل محاولة ( طبعا كل محاولة تخضع لنفس السياق الثقافي الذي نتموضع فيه كفاعلين ثقافيين ) بصرف النظر عن إمكانيات المحاولين .

إذن ، ما دام الموضوع فاشلا منذ البداية ، أي ما دام أننا لن نستطيع ( بسبب كل ما سبق الاعتذار به وعنه وله ) أن نقوم ب( إعلام المُفكِّرين بأعلام المُكفِّرين ) ؛ فلماذا نَعِدُ بما لا نستطيع الوفاء به ؟!، أليس الوعد بالمستحيل نوعا من العبث بالموضوع وبالمتلقي ، بل أليس هذا الوعد هو عين العبث وعين الفشل اللذان هما جوهر أداء التقليدية ؟! . ألا يحق للقارئ أن يتساءل مستنكرا أو متعجبا : ما جدوى موضوع كهذا الموضوع ، تكتنفه صفتا : العبث والفشل ؛ ليشتغل عليه الكاتب كتابة ، ويشتغل عليه القارئ قراءة ؟ .

قد يكون اللاجواب جوابا ، وقد يكون تحديد معالم الفشل وصوره وأنماطه نجاحا في إضاءة المناطق المعتمة ، تلك المناطق التي قد لا تكون مقصودة في الظاهر ، لكنها ترسم حدود الإشكالية ، بما يستطيع الجواب المباشر تحديده مهما تترس بالكنايات ومهما تقنع بالإحالات . وهكذا يتبين أن نجاح هذا المقال في الوصول إلى ما يريد تضمينا ، متحدد ومتعين في عدم نجاحه في الوصول إلى ما يريد صراحة . فإذ يستحيل التصريح بأعلام المُكفرين على وجه التفصيل ،فإن هذا يعني أن مشكلتنا مع خطاب التكفير تبدأ من هذه الاستحالة بالذات ، بل ومع كل ما يتقاطع معها من أسباب وعلل ، لا تخص الحاضر وحده ، وإنما تخترق ضمنيا كل الحواجز لتصل إلى مساءلة حصانة الماضي ، الماضي القريب والماضي البعيد .

وهكذا ، فإن فشل المقال ، ذلك الفشل المتمظهر في عجزه عن تنفيذ ما يعد به عنوانه ، يعني نجاحا من زاوية أخرى ، أي من زاوية طرح الأسئلة على كل ما يقف حائلا دون نجاح المقال . إن أعلام التكفير أسماء معروفة لكل من يحاول قراءة الواقع التكفيري بعيدا عن كل أنواع التحيزات ، الأسماء معروفة ، خاصة للمفكرين ، معروفة بكل مقولاتها التكفيرية الصريحة ، وبأثرها الذي يراه الجميع متجليا في سلوكيات التطرف عند الأتباع . ومع هذا ، لا يُرَاد ( هكذا ، فعل مبني للمجهول ليشمل كل الأبعاد المعنية ) لهذه المُصَنّمات من الأعلام أن توضع مقولاتها وسلوكياتها على طاولة التشريح العلمي العلني ؛ لأن ( الطاقم الطبي ) لعلاج التطرف والإرهاب ، ليس عديم الكفاءة والأمانة فحسب ، وإنما هو طاقم حالم ، لا يزال يحلم بعلاج من خارج الذات ، أو في أفضل أحواله علاج بالمهدئات يتجنب فيه آلام وتبعات ما يستلزمه العلاج الحقيقي من البتر الكامل لكل الأعضاء الفاسدة قبل استفحال الداء .

لا يمكن أن يتماثل المجتمع المريض بهذا الداء العضال داء التطرف والإرهاب القائم على إيديولوجيا التكفير للشفاء ، دون أن تكون جميع خيارات العلاج مطروحة ، ومنها العلاج ببتر الأعضاء . لن يتم الشفاء من داء التكفير المنتج للإرهاب ؛ ما لم نمارس وبكل صراحة ووضوح تحديد أعلام التكفير منذ معركة النهروان عام 36ه وإلى اليوم ، أي ما لم نترك لعنوان هذا المقال أن يكتب استحقاقاته كاملة ؛ فنمارس ثقافة الإعلام بأعلام المُكفّرين ، لا باستثمار ما لا يستطيع المقال التصريح به ، بل بكل ما يستلزمه الإعلام من موضوعية وصراحة وشجاعة ووضوح .

الإرهاب ظاهرة تكفيرية ، والتكفير هو العمود الفقري للتقليدية ، التي ينتظم أعلامها في سلك التكفير منذ النهروان وإلى اليوم . ولا يمكن فضيحة التقليدية التكفيرية إلا بمقال تقليدي ( طبعا ليس المقصود مقالا واحدا ) ينداح في عالم التقليدية العريض كفضيحة علنية ، يسقط معها كل قناع . أي أن يتم التحذير ، وبأسلوب تقليدي كما يتطلبه عنوان هذا المقال ، من أعلام المفكرين بأسمائهم ومقولاتهم وعلى هيئة نشرات تحذيرية ، كما يتم التحذير من المخدرات بأسمائها . وهذا ما لم يحدث ، رغم إدراك المعنيين بظاهرة التكفير أن مروجي التكفير أشد خطرا من مروجي المخدرات .

هذا المقال بكل استحقاقاته كان يجب أن يكتب قبل ربع قرن ، وربما كانت الفترة اللاحقة للحدث ( الجهيماني ) الفارق ، هي أنسب وقت ممكن لذلك . لكن ، كانت فرصة فضاعت أو أُضيعت . ولو تم استغلال الحدث بأقصى طاقاته ؛ لكشفت علائق التقليدية بالتكفيرية ، وعلاقة هذه وتلك بكل الحراك ، ما ظهر منه وما بقي طي الكتمان . لقد كانت فرصة تاريخية لإحداث قطيعة معرفية ونفسية ، ليس مع أخطر مقولات التقليدية التكفيرية فحسب ، وإنما مع أشهر وأخطر أعلامها من الأحياء ومن الأموات .

أدرك بطبيعة الحال أن قطيعة مع التقليدية وتراثها ، وبهذا الحجم ، يتطلب التضحية ببعض الأفكار التي اطمأنت النفوس إلى سلامتها ، بل وصنمتها حينا من الدهر ، كما أنه يتطلب التضحية ببعض التاريخ المرتبط بالأنا ، والمتمدد في الوجدان إلى حد الولهان . لكن ، لا يمكن الظفر بكل الأشياء ، وخاصة المتناقضة ، في وقت واحد ومكان واحد . الماضي مات وانتهى ، ولا بد من التضحية به من أجل الحاضر والمستقبل . الحاضر هو الشيء الوحيد الحقيقي ، والمستقبل هو الحقيقة التي نخلقها ، ومن أجلهما يمكن التضحية بما هو مجرد وهم لن يعود أبدا . ولا يمكن أن نترك لما هو في أحسن أحواله مجرد ماضٍ ، أن يدمر واقعنا ومستقبنا .

نطالب بالقطيعة ، ولكن ، هل كانت القطيعة ممكنة ؟ ، ماذا لو تمت القطيعة ، ماذا لو تم إعلام المفكرين بأعلام المكفرين قبل ربع قرن أو أكثر ؟ ، هل سيكون هذا هو حالنا مع أعلام التكفير التي لا تزال تكن لها جماهير التقليدية الكثير من الاحترام ؟ . لو تمت القطيعة المرجوة ، هل كنا سنضطر إلى اللف والدوران والتواري خلف الأسطر الفارغة ؛ لنقول جزءا محدودا مما كان ينبغي أن يقال قبل ربع قرن من الزمان ؟ .

إذن ، من هذه الجهة التي تعكس ( الفشل الظرفي ) للمقال ، يعود المقال ناجحا من حيث هو فاشل . لكن نجاحه يبقى مشروطا بقارئه ، بالقارئ الذي يقرأ ما لا يمكن أن يقال من خلال ما يمكن أن يقال . كما أن المقال ناجح من جهة أخرى ، وتحديدا من جهة أن التقليدية هي مشروع فشل دائم ، فالعنوان ناجح من هذه الزاوية ، أي من حيث هو يحكي واقعنا التقليدي الفاشل في كل الاتجاهات ، والباقي على هذه الصورة ما بقي التقليد حيا ، يحكم بمشروع الموات مشروع الحياة .

الخميس، يوليو 01، 2010

التأصيل هو التحدي الحقيقي للفكر السلفي - شبكة الملتقى الإخبارية


التأصيل هو التحدي الحقيقي للفكر السلفي
محمد المهنا أبا الخيل - « صحيفة الجزيرة السعودية » - 30 / 6 / 2010م - 1:49 م

شاع بين الناس في الآونة الأخيرة عدد من الفتاوي التي أثارت جدلاً احتدم وربما لن يستقر لفترة طويلة، ففريق يستهجن ويستخف، وفريق يشجع يمجد، والناس بين الفريقين منقسمون. والفتيا التي تثير الجدل هي تلك التي تمس حياة الناس بصورة مباشرة وربما يومية، والرأي فيها مبني على تأويلات واستنتاجات لمدلول نصوص أو سير، فلا تخضع لحكم نص صريح من القرآن أو السنة، وفتاوي رضاعة الكبير، وإباحة بعض الاختلاط والغناء والمعازف ليست الرائدة في استثارة الجدل، فقد سبقها فتاوي أشكلت على الفهم مع أن أصحابها كانوا من أعلام الفتيا في عهدها، مثل الزواج بنية الطلاق، وقصر الصلاة، وفطر رمضان للمسافرين سفراً طويلاً كالابتعاث للدراسة. والجدل الذي تحدثه هذه الفتاوي مؤسس على اختلاف في البناء المنهجي للاستدلال والاستنباط والتأويل لدى المتجادلين، وهو ما يعدُّ نتيجة لواقع ضعف منهجة التأصيل في الفكر السلفي. وما نشهده اليوم من اختلاف في نظر عدد من الفقهاء للوجهة الشرعية لكثير من الممارسات والشؤون العامة سيزداد في المستقبل المنظور، وستعج الساحة بآراء وآراء مضادة، وسيغذي ذلك انفتاح الفقهاء على معارف ومصادر وطرق ربما كانت محذورة فيما مضى، كما أن الرقابة والتحكم المركزي للفكر السلفي بات أضعف مما كان، وأصبحت مرجعية الفقهاء السلفيين محل مراجعة واستدراك كثير من تابعيهم، وبات الفكر السلفي كمنهج فكري عرضة لتغيير غير مسبوق وربما تحوير شامل.

السلفية قبل أن تكون منهجاً في تكوين العقيدة وفقهها، هي مدرسة فكرية تقوم على تأصيل الفكر من منتجات فكرية سابقة، ومفاهيم مؤسسة راسخة، تمثل إطاراً يحكم التجديد في التفكير والإبداع في علم أو مجال. والسلفية الإسلامية تقوم على مفاهيم أساسية مركزية، الأول منها هو أن الأحكام العقيدية والفقهية في الدين الإسلامي شاملة وتامة بدلالة الآيه الكريمة «?..الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا..? (3) سورة المائدة»، فمنها الصريح بنص، ومنها المضمون بمدلول نص، ومنها المتاح باجتهاد العلماء في الاستنباط والقياس. والمفهوم الثاني أن القرآن الكريم والسنة النبوية والسيرة النبوية الشريفة هي متجانسة ويفسر بعضها بعضاً، وما أقوال وسير المسلمين الأوائل من الصحابة والتابعين وأئمة المذاهب إلا استتباع لذلك التجانس. والمفهوم الثالث أن ما تتابع من تراث إسلامي عقيدي وفقهي تكوَّنَ بفعل التدوين والتوثيق والتثبت من أعلام نبلاء، شكَّلَ مخزوناً هائلاً من الإرث القيِّم، لا يجوز إهماله عند الاستدلال لتكوين حجة لقول أو فعل أو حكم شرعي. والرابع اعتماد مصداقية وأهلية السلف الفردية في تكوين مرجعية يعتد بها ويؤسس عليها، فالفقيه السلفي يبني حجته الفقهية والعقيدية على حجج من سلفه من فقهاء المذهب، ونادراً ما يناقش منتوجهم من الأقوال والآراء.

إن معضلة الفكر السلفي المعاصر تكمن في التزامه بمناهج التأصيل التي ورثها، فلا تزال بعض كتب الصحاح والأسانيد وشروحات بعض فقهاء السلف أهم مصادر الحجج النصية الدالة على رأي شرعي في أمر ما، مع أن معظم تلك الكتب لا تتبع مناهج تأصيل علمية تعتمد معايير موحدة ومقيسة، يضاف لذلك ضعف المعيارية في تقييم كثير من التراث المنسوب للنبي صلى الله عليه وسلم حديثاً وسيرة، فأحاديث الآحاد، منها ما يعتمد في سياق دلالي ومنها ما يهمل، كما أن تصنيف وتبويب الأحاديث وتوظيفها يختلف باختلاف المصنفين، فالحسن والصحيح والمشروط هي تعابير لم تقنن أو يتفق على مدلولاتها، وفوق ذلك إهمال كثير من جامعي ومصنفي الحديث التدقيق في مضمون الحديث أو متنه من حيث التجانس والتوافق والواقعية، وذلك مخافة إقحام العقل في التوثيق وعلى رأس هؤلا الشيخ البخاري. هذا فيما يخص الحديث، ناهيك عن تراث متناثر وبتعابير مختلفة في بطون مئات الكتب الأخرى والتي إلى اليوم هناك جزء منها غير محقق أو لا يزال مخطوطات محفوظة. وعندما يحتاج السلفي للاستعانة بسير الأعلام من الصحابة والتابعين لتمكين حجته تتعقد عملية التأصيل، ونجد كثيراً من السير تحتوي تناقضات أو روايات مختلفة لحدث واحد.

إذاً لا غرو أن نجد فقيهين سلفيين يختلفان في تحليل أو تحريم شأن كالاختلاط أو الغناء وهما ينتميان للمذهب نفسه، وينهلان من ذات المصدر، وينظران في الكتب نفسها ويعتمدان المنهج نفسه ويستدلان بالنصوص نفسها والسير، وما ذلك إلا لاختلاف النزعة لديهما، وضعف التأصيل المعنوي لأدواتهما، وهي التعابير والمعايير, فيفهم كل منهما التراث الذي بين يديه بصورة مختلفة عن الآخر، ويستنتج حقيقة مختلفة عن الآخر. هذا الواقع يلزم السلفيين المدافعين عن الفكر السلفي أن يهتموا بالتأصيل العلمي لما بين أيديهم من تراث هائل، فيحددوا معاني التعابير التي يستخدمونها أو تلك التي يحتويها ذلك التراث ثم ينظروا في تجانس ذلك التراث فيزال متناقضه، ويؤنس مختلفه، وينقى شائبه، ويعتق ذلك التراث من استرهانه لتبرير الصراعات السياسية والمذهبية والفكرية التي لونت كثيراً من ذلك التراث وباتت تمثل عائقاً حقيقاً لاستلهام الأصل الأول للفكر الإسلامي.

إن عملية تأصيل التراث السلفي شائكة ومعقدة وتستلزم جهداً جباراً لا يحتمله فرد أو جماعه، ويحتاج أن تتفرغ له مؤسسة تتاح لها الوسائل والإمكانات، وربما يجدر ذلك بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وهي أحد منارات التنوير الإسلامي الحديث ومشكاة للفكر السلفي، أن تضطلع بهذا الدور وتحتمل في سبيله المشقة والعناء، وإن كنت لا أشك بتحفز قياداتها لاحتمال أي عناء ومشقة تخدم العقيدة وتوحد الفكر الإسلامي.

Dar Al Hayat - السلفية في العقل العربي


السلفية في العقل العربي
الإثنين, 28 يونيو 2010
بصيرة الداود

مفهوم السلفية بدأ تاريخياً عند أتباع المذهب السنّي من أنصار الحنابلة والمالكية من المسلمين، وتحديداً عندما وقعت بينهم بعض السجالات مع فرقة المعتزلة في مسائل اعتبرت من الثوابت الدينية العقائدية كمسألة «خلق القرآن» أو نفي الصفات عن الذات الإلهية وغيرها الكثير. وكان الإمام ابن حنبل هو أول من ذكر كلمة «سلف» عند احتجاجه على مجرد الاعتقاد بخلق القرآن الكريم، كما أخذها عنه الإمام ابن تيمية الذي أكد أن السلف من المسلمين هم بمثابة الفلاسفة وعلماء الكلام عند الطوائف الأخرى كالمعتزلة وغيرهم.

ولهذا بقيت السلفية في عقل وفهم المشرعين من رجال الدين حتى يومنا هذا تمثل أتباع الثوابت الدينية التي يجب أن تربط عقل المسلم وسلوكه بالسلف الذين جاؤوا في أفضل العصور الإسلامية، تلك التي تمثلها القرون الثلاثة الأولى بعد نزول الرسالة الإسلامية على نبي الأمة (عليه السلام)، كما تطالب السلفية بنبذ كل ما يخالف ما جاء به أتباع الرسول من المضللين والجاهلين – بحسب اعتقادهم -.

ومن المعروف تاريخياً أن ابن تيمية عاش فترة عصيبة مر بها الإسلام تمثلت في غزو المغول العالم الإسلامي وإسقاطهم الخلافة العباسية في بغداد، الأمر الذي انعكس على ابن تيمية فحاول جاهداً سد كل الثغرات والذرائع التي كانت تهدد بتشويه صفاء العقيدة الإسلامية، ولهذا ذهب كثير من المؤرخين إلى الاعتقاد بأن ذلك كان السبب المباشر لتشدد ابن تيمية في تطبيق الحدود بشكل حرفي، وأيضاً كان سبباً في أنه أولى مسألة الجهاد في سبيل الله اهتماماً خاصاً، إذ ساوى بينه وبين الصلاة، فجعل الصلاة أساس الدين وعماده الجهاد. كما أقر الجهاد ومحاربة الكفار كإحدى أهم وظائف ولاة الأمر حتى تحولت آراؤه الفقهية في الجهاد إلى صرح ديني لا يزال السلفيون المعاصرون يعملون على إحيائه.

ومن أبرز من درس على ابن تيمية واعتنق فكره وآراءه في تاريخنا الحديث والمعاصر الشيخ السلفي محمد بن عبدالوهاب، إلا أنه لم يكن لديه غير كتاب واحد فقط هو كتاب «التوحيد» وبعض الرسائل التي كان يبعث بها إلى مختلف مناطق شبه الجزيرة العربية وخارجها يدعو من خلالها الناس إلى اتباع آرائه ومبادئ حركته السلفية التي هي في الأساس مبنية على فقه وآراء ابن تيمية وابن حنبل، فهو إذاً لا يعتبر من الناحية التاريخية فقيهاً كابن حنبل أو أبي حنيفة أو الشافعي أو المالكي الذين كانت لهم كتب عديدة أسسوا فيها لآراء واجتهادات فقهية كثيرة متباينة في ما بينها.

وما يميز آراء وفكر الشيخ السلفي محمد بن عبدالوهاب هو تشدده عند التعامل مع النصوص إلى درجة التوجس والحذر من أي رأي فكري مخالف، وتفضيله كامل النصوص والآراء الفقهية بمفهومها الواسع حتى وإن اشتملت على أحاديث ضعيفة السند، المهم أنها تقف بالمرصاد لمن يحاول إعمال الفكر والعقل على تفكيك مناهج لغة هذه النصوص أو الأحاديث أو مجرد التشكيك في صحتها!

إن غالب الثورات التي قامت ضد الاستعمار الغربي والوجود العثماني في المنطقة العربية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين كان مصدرها الحركات السلفية التي ظهرت في تلك الفترة، ومنها حركة الشيخ محمد بن عبدالوهاب في الجزيرة العربية. وقد طبعت تاريخياً بطابع المقاومة العقائدية الدينية المتعارضة مع عقيدة الغرب، ولهذا فهي كانت ولا تزال في عقل كل مؤمن بآرائها ومعتقداتها إلى درجة التقديس «جهاداً» بين معسكر الإيمان ومعسكر الكفر مهما علت اصوات البعض في محاولات لتبرير عكس ذلك أو تزييف حقائق التاريخ!!

لا تختلف التيارات والحركات الإسلاموية التي ظهرت في تاريخنا المعاصر عن بعضها بعضاً مثل جماعة «الإخوان المسلمين» أو «التكفير والهجرة» أو الحركة الجهادية السلفية وغيرها من تلك التي ظهرت في مصر وبلاد الشام، فهي تتفق على الجهاد ضد الآخر الخارجي الكافر من وجهة نظرها على رغم اختلافها في بعض المسائل الفقهية الأخرى، ولذلك تعد هذه الحركات الأكثر عنفاً وإرهاباً كونها تدمج السياسة بالدين. أما تلك المتأثرة بحركة الشيخ السلفي محمد بن عبدالوهاب في الجزيرة العربية فقد انقسم أتباعها إلى قسمين في وقتنا الراهن، فالبعض منهم يحاول النأي بنفسه عن السياسة ويعمل في المسائل الفقهية وهم الأقل عنفاً، والبعض الآخر لا يزال يشكل خطراً حقيقياً بتأثره الواضح بآراء الشيخ السلفي في مسألة الجهاد، إضافة إلى تأثرهم بالحركات الإسلاموية العنيفة التي ظهرت في مصر واستطاعت مد نفوذها إلى خارج حدودها من خلال سيطرتها على شؤون التربية والتعليم في عالمنا العربي منذ منتصف ستينيات القرن الماضي! وبالتالي أثر ذلك في توجيه النشء العربي تبعاً لأيديولوجيات هذه الحركات التي عملت على مزج البعد التاريخي والعقائدي مع أيديولوجيات أصولية صلبة ومتشددة في مناهج التربية والتعليم، خصوصاً الدينية منها، فحفرت في عقلية الإنسان العربي صورة للسلفية لا ترى في الإسلام سوى تكفير الآخر غير المسلم واستباحة دمائه ونشر العنف والتطرف، والذي مثله في هذا الاتجاه عبر تاريخنا المعاصر تنظيم القاعدة والتيار الجهادي السلفي.

إن العنف موجود في جميع المجتمعات وتحركه عادةً عواملُ سياسية واقتصادية واجتماعية وواقع مأزوم داخلياً وخارجياً، ولهذا فإن المخرج الصحيح لمثل هذا الواقع يكمن في غرس «قيمة» الاختلاف مع الآخر «الذات» والآخر «الخارجي»، باعتبارها ضرورة ملحة تعوض النقص وتعود على الانفتاح باعتباره بديلاً عن بث التوجهات الانطوائية والحزبية المتعصبة والكارهة لكل من يخالفها الرأي والفكرة والمعتقد، ولتكن البداية من اختلاف الرأي وتقبل معتقد وأيديولوجيات الآخر عند الأئمة والفقهاء أنفسهم، خصوصاً أولئك الذين أسهموا في تشكيل عقلية الإنسان العربي في قالب سلفي ماضوي لا يقبل إلا رأياً واحداً يقاتل من أجله ويستبيح دماء كل من يخالفه!

لا شك أن في اختلاف الرأي عند الفقهاء والعلماء داخل المدرسة الواحدة ومع بقية المدارس الفقهية الأخرى والمذاهب المتعددة رحمة لهذه الأمة العربية المسلمة في مرحلتها التاريخية المعاصرة، ومخرجاً لكثير من أزمات مجتمعاتها.

* أكاديمية سعودية.

Drbasirah-1966@hotmail.com

أضف جديد هذه المدونة إلى صفحتك الخاصة IGOOGLE

Add to iGoogle

المتابعون