ديرتنا - نداء من الامير حسن إلى عقلاء الأمة
ديرتنا - نتابع بألم بالغ، وأسف عميق، تصاعد نبرة الاختلاف بين أبناء الأمة، ودعوات التعصب والانغلاق الفكري، وسيادة الخطاب الطائفي الذي يفرّق ولا يجمّع، وينذر بالفتك بمقدرات الأمة المادية والبشرية، وتبدي بعض مظاهر التنازع المحموم ين أتباع بعض المذاهب الإسلامية، وتغلّب صوت العنف على الحوار الهادئ البنّاء، وتراجع لغة الرحمة أمام سطوة الغلو والتشدد والتطرف والتعصب وشهوة الإقصاء.
وتذكرنا التصريحات المتوالية والفتاوى المهلكة، بخطورة هذه الممارسات الفاجعة، وما يمكن أن يترتب عليها من آثار نافية لوحدة الأمة وقدرتها على مواجهة ما تتعرض له من تحديات جسام، ليس أقلها ما تشهده كثير من بلاد العرب والمسلمين من فوضى وعدم استقرار. فقد وصلت الدعوات التي تحث على الكراهية والتكفير والأحقاد والانتقام حدًا يمزق نسيج الأمة الاجتماعي والوطني، ويهدّد حاضرها ومستقبلها، ويتنافى مع النموذج الإنساني الأخلاقي الذي قدمه الدين الإسلامي الحنيف إلى العالم، وتأسس على مبادئ الكرامة، والعدالة، والحرية، والشورى والإخاء.
إن حال الأمة اليوم يناقض كل ما أُمرت به من موجبات الإخاء والاعتصام، وينافي ما جاء في الذكر الحكيم من حض على الوحدة والوئام، إذ أصبحنا منكفئين على أنفسنا؛ منشغلين بالتجاذبات المتبادلة، والتناقضات المصطنعة، والفتن المحصنة بفتاوى التكفير، والتعبئة الداعية للتناحر والفرقة.
لقد سمحنا لأنفسنا أن نُغيب الثوابت، التي تجاسرنا في مرحلة ما أن نسميها الثوابت القومية، أو الإسلامية، والتي تدعو إلى التضامن والتعاون والتكاتف وتؤكد حتمية الوحدة. وإذا تخلينا عمَّا تبقى منها، فسيكون ذلك بمثابة الاعتراف بما يبرر استمرار حال الفوضى والتردي، مع تزايد احتمالات توسيع رقعة هذه الفوضى وهذا التردي إلى حروب أهلية وويلات مردها الأساس نهاية الإرادة الإسلامية الجامعة واستبدالها بدعوات الفتنة والفرقة.
إن وحدة الأمة هي الفريضة الغائبة وتماسكها هو الحكمة المنسية، والتفريط، الذي يصف ظاهر ممارساتنا اليوم، هو نازلة خطيرة تستدعي من أهل العقل أن يكونوا على مستوى الحدث، وأن يتنادوا إلى كلمة سواء، وأن يتخذوا ما أمكن من الحيطة والحذر، فاللـه – سبحانه وتعالى - يأمرنا بالوحدة، ويحضنا على الائتـلاف، وينهانا عن التفرق والتنازع، ويوجب علينا الاعتصام بحبله المتين، إذ يقـول: {إنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 92]، ويقول: {وَإنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ} [المؤمنون: 52]، {وَالْـمُؤْمِنُونَ وَالْـمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة:71]، و{إنَّمَا الْـمُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الحجرات: 10].
لقد نادت كل لقاءات القمم الإسلامية بوحدة المسلمين ونبذ الفرقة والتطرف، وعدم تكفير أتباع المذاهب الإسلامية، والتأكيد على ضرورة تعميق الحوار بين المذاهب الإسلامية وعلى صحة إسلام أتباعها وعدم جواز تكفيرهم وحرمة دمائهم وأعراضهم وأموالهم ما داموا يؤمنون بالله سبحانه وتعالى، وبالرسول صلى الله عليه وسلم، وببقية أركان الإيمان ويحترمون أركان الإسلام ولا ينكرون معلوما من الدين بالضرورة. كما نددت بالجرأة على الفتوى ممن ليس أهلاً لها ما يعد خروجاً على قواعد الدين وثوابته وما استقر من مذاهب المسلمين.
وأكدت أن اجتماع الأمة الإسلامية ووحدة كلمتها هو سر قوتها، ما يستوجب عليها الأخذ بكل أسباب الوحدة والتضامن والتعاضد بين أبنائها، والعمل على تذليل كل ما يعترض تحقيق هذه الأهداف وبناء قدراتها من خلال برامج عملية في جميع المجالات.
ستبقى دعوتنا أن يعز الله الإسلام بوحدة المسلمين، لأن التجرد الموضوعي في النظر إلى قضايا الأمة، والدفع المستمر باتجاه وحدتها، الذي لازم مسيرة جهدنا الفكري والعملي، هو الضامن لعودة الأمور إلى نصابها. وإذا اختلت في نظر البعض منَّا موازين التصورات السليمة، أو حادت ممارسة العمل السياسي عن مسارها الطبيعي، فالحكمة تدعونا دائماً إلى التقيد بقيم الدين الحنيف، واقتفاء الموروث الحميد، والتقيد بالتقاليد السمحة. وتحضنا الظروف القائمة على الالتزام بروح الدين الذي هو المعاملة، وعلى أداء الواجبات وأخذ الحقوق والحفاظ على الحرمات من خلال ما شرعه الخالق وما أقرته المؤسسات العدلية وتضمنته التشريعات الدستورية، التي ارتضاها الجميع حكماً بينهم.
لهذا، فإن الدعوة إلى الوحدة الإسلامية بالنسبة لنا ليست أمنية عاطفية، نطلقها في ساعة الخطر، التي يمور فيها عالمنا الإسلامي بالحركة ويضج بالحيرة وينضح بالتحولات الكبرى، بل هي نداء صادق يستحثنا على وجوب مخاطبة عقلاء الأمة للعمل من أجلها، واستنهاض الخيرين لتجميع طاقات الأمة، ولمِّ شملها، وتوحيد صفوفها. فقد امتن الله تعالى بنعمة الوحدة الجليلة، فقال: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران: 103]. ثم حذرهم – سبحانه وتعالى – من التفريط في هذه النعمة، فقال - سبحانه -: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: 105].
ومثلما دعوت في الماضي – أجدّد الدعوة الآن – إلى إعلاء قيم الدين المشتركة فوق كل تفاصيل الخلافات المذهبية. وأهيب بالحكماء والعقلاء إلى وقفة تأمل جادة، نراجع فيها خطل أحوالنا، وأن نتصدى بكل ما نملك للتطرف بأشكاله كافة، وننبذ الاقتتال بين الأشقاء على أسس الاختلاف المذهبي بما يسهم في إيقاف الفتنة الطائفية وأعمال العنف الدائرة في بقاع مختلفة من الوطن العربي والإسلامي الكبير.
وأدعو العقلاء والمخلصين من أبناء الأمة؛ قادة سياسيّين وروحيّين ومفكرين ومثقفين، إلى أن ينهضوا بدورهم الريادي في نشر قيم التسامح والاحترام والمواطنة والعيش المشترك، وأن يعملوا على تخليص الخطاب العام من التسميات والمصطلحات، التي تولّد الكراهية وتقود إلى الانقسامات؛ سواء أكانت دينية أم عرقية، وأن يأخذوا الناس إلى هدف الوحدة بالحكمة والموعظة الحسنة.
يقول أبو حيّان التوحيدي في كتابه "البصائر والذخائر": "الحكمة نسبتها فيها، وأبوها نفسها، وحجتها معها، وإسنادها متْنُها، لا تفتقرُ إلى غيرها، ويُفتقر إليها، ولاتستعينُ بشيء، ويستعان بها." والحكمة، وفقًا لابن حزم، هي "البصيرة". وما أحوجنا هذه الأيام إلى التبصّر في أحوال الأمة، التي أراد الله أن يكون اختلافها رحمة ويريد البعض أن يبدلوه إلى نقمة، ويحيلوه إلى فرقة وتشرذم وتشظي وإراقة دماء.
ولعل إحياء الأمل والرجاء في النفوس يكون بالعودة إلى إنسانيتنا المشتركة؛ وإلى العمل المشترك فوق القطري، حتى لو اختلفنا سياسيًّا وعقائديًّا. لا بد من تعظيم القواسم المشتركة واحترام الفروق ضمن إطار منظومات السلوك الأخلاقية والقيمية التي تنظم سلوكات الناس ومُعاملاتهم. ولا ريب في أن الخير باقٍ في هذه الأمّة. فكما يقول رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم: "مثل أمتي مثل المطر لا يُدرى أوله خيرٌ أم آخره." (رواه الترمذي)
فنحن بحاجة إلى تعزيز الحوار الهادف المبني على التكافؤ والاحترام ، الذي يصب في إطار الصالح العام للمجتمعاتنا، ويحافظ على ثوابت الأمّة؛ من مشرقها إلى مغربها. ونتطلع إلى تمسك أبناء الأمة برسالة الإسلام الإنسانية والنهضوية، التي لطالما أكّدها الرّواد من قادة ومفكرين ومصلحين. وكفانا ما لحق ويلحق من ضرر وإساءة بصورة الإسلام السمح جرّاء نوازع الكراهية، التي تغذي تصرفات فئات مضلّلة من المسلمين، وكفانا تصريحات وفتاوى منفلتة ودعوات منحرفة تفرّق ولا تجمّع؛ امتثالاً لقول الحق، تبارك وتعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[الأنعام: 153].
نداء من الامير حسن إلى عقلاء الأمة
وتذكرنا التصريحات المتوالية والفتاوى المهلكة، بخطورة هذه الممارسات الفاجعة، وما يمكن أن يترتب عليها من آثار نافية لوحدة الأمة وقدرتها على مواجهة ما تتعرض له من تحديات جسام، ليس أقلها ما تشهده كثير من بلاد العرب والمسلمين من فوضى وعدم استقرار. فقد وصلت الدعوات التي تحث على الكراهية والتكفير والأحقاد والانتقام حدًا يمزق نسيج الأمة الاجتماعي والوطني، ويهدّد حاضرها ومستقبلها، ويتنافى مع النموذج الإنساني الأخلاقي الذي قدمه الدين الإسلامي الحنيف إلى العالم، وتأسس على مبادئ الكرامة، والعدالة، والحرية، والشورى والإخاء.
إن حال الأمة اليوم يناقض كل ما أُمرت به من موجبات الإخاء والاعتصام، وينافي ما جاء في الذكر الحكيم من حض على الوحدة والوئام، إذ أصبحنا منكفئين على أنفسنا؛ منشغلين بالتجاذبات المتبادلة، والتناقضات المصطنعة، والفتن المحصنة بفتاوى التكفير، والتعبئة الداعية للتناحر والفرقة.
لقد سمحنا لأنفسنا أن نُغيب الثوابت، التي تجاسرنا في مرحلة ما أن نسميها الثوابت القومية، أو الإسلامية، والتي تدعو إلى التضامن والتعاون والتكاتف وتؤكد حتمية الوحدة. وإذا تخلينا عمَّا تبقى منها، فسيكون ذلك بمثابة الاعتراف بما يبرر استمرار حال الفوضى والتردي، مع تزايد احتمالات توسيع رقعة هذه الفوضى وهذا التردي إلى حروب أهلية وويلات مردها الأساس نهاية الإرادة الإسلامية الجامعة واستبدالها بدعوات الفتنة والفرقة.
إن وحدة الأمة هي الفريضة الغائبة وتماسكها هو الحكمة المنسية، والتفريط، الذي يصف ظاهر ممارساتنا اليوم، هو نازلة خطيرة تستدعي من أهل العقل أن يكونوا على مستوى الحدث، وأن يتنادوا إلى كلمة سواء، وأن يتخذوا ما أمكن من الحيطة والحذر، فاللـه – سبحانه وتعالى - يأمرنا بالوحدة، ويحضنا على الائتـلاف، وينهانا عن التفرق والتنازع، ويوجب علينا الاعتصام بحبله المتين، إذ يقـول: {إنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 92]، ويقول: {وَإنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ} [المؤمنون: 52]، {وَالْـمُؤْمِنُونَ وَالْـمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة:71]، و{إنَّمَا الْـمُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الحجرات: 10].
لقد نادت كل لقاءات القمم الإسلامية بوحدة المسلمين ونبذ الفرقة والتطرف، وعدم تكفير أتباع المذاهب الإسلامية، والتأكيد على ضرورة تعميق الحوار بين المذاهب الإسلامية وعلى صحة إسلام أتباعها وعدم جواز تكفيرهم وحرمة دمائهم وأعراضهم وأموالهم ما داموا يؤمنون بالله سبحانه وتعالى، وبالرسول صلى الله عليه وسلم، وببقية أركان الإيمان ويحترمون أركان الإسلام ولا ينكرون معلوما من الدين بالضرورة. كما نددت بالجرأة على الفتوى ممن ليس أهلاً لها ما يعد خروجاً على قواعد الدين وثوابته وما استقر من مذاهب المسلمين.
وأكدت أن اجتماع الأمة الإسلامية ووحدة كلمتها هو سر قوتها، ما يستوجب عليها الأخذ بكل أسباب الوحدة والتضامن والتعاضد بين أبنائها، والعمل على تذليل كل ما يعترض تحقيق هذه الأهداف وبناء قدراتها من خلال برامج عملية في جميع المجالات.
ستبقى دعوتنا أن يعز الله الإسلام بوحدة المسلمين، لأن التجرد الموضوعي في النظر إلى قضايا الأمة، والدفع المستمر باتجاه وحدتها، الذي لازم مسيرة جهدنا الفكري والعملي، هو الضامن لعودة الأمور إلى نصابها. وإذا اختلت في نظر البعض منَّا موازين التصورات السليمة، أو حادت ممارسة العمل السياسي عن مسارها الطبيعي، فالحكمة تدعونا دائماً إلى التقيد بقيم الدين الحنيف، واقتفاء الموروث الحميد، والتقيد بالتقاليد السمحة. وتحضنا الظروف القائمة على الالتزام بروح الدين الذي هو المعاملة، وعلى أداء الواجبات وأخذ الحقوق والحفاظ على الحرمات من خلال ما شرعه الخالق وما أقرته المؤسسات العدلية وتضمنته التشريعات الدستورية، التي ارتضاها الجميع حكماً بينهم.
لهذا، فإن الدعوة إلى الوحدة الإسلامية بالنسبة لنا ليست أمنية عاطفية، نطلقها في ساعة الخطر، التي يمور فيها عالمنا الإسلامي بالحركة ويضج بالحيرة وينضح بالتحولات الكبرى، بل هي نداء صادق يستحثنا على وجوب مخاطبة عقلاء الأمة للعمل من أجلها، واستنهاض الخيرين لتجميع طاقات الأمة، ولمِّ شملها، وتوحيد صفوفها. فقد امتن الله تعالى بنعمة الوحدة الجليلة، فقال: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران: 103]. ثم حذرهم – سبحانه وتعالى – من التفريط في هذه النعمة، فقال - سبحانه -: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: 105].
ومثلما دعوت في الماضي – أجدّد الدعوة الآن – إلى إعلاء قيم الدين المشتركة فوق كل تفاصيل الخلافات المذهبية. وأهيب بالحكماء والعقلاء إلى وقفة تأمل جادة، نراجع فيها خطل أحوالنا، وأن نتصدى بكل ما نملك للتطرف بأشكاله كافة، وننبذ الاقتتال بين الأشقاء على أسس الاختلاف المذهبي بما يسهم في إيقاف الفتنة الطائفية وأعمال العنف الدائرة في بقاع مختلفة من الوطن العربي والإسلامي الكبير.
وأدعو العقلاء والمخلصين من أبناء الأمة؛ قادة سياسيّين وروحيّين ومفكرين ومثقفين، إلى أن ينهضوا بدورهم الريادي في نشر قيم التسامح والاحترام والمواطنة والعيش المشترك، وأن يعملوا على تخليص الخطاب العام من التسميات والمصطلحات، التي تولّد الكراهية وتقود إلى الانقسامات؛ سواء أكانت دينية أم عرقية، وأن يأخذوا الناس إلى هدف الوحدة بالحكمة والموعظة الحسنة.
يقول أبو حيّان التوحيدي في كتابه "البصائر والذخائر": "الحكمة نسبتها فيها، وأبوها نفسها، وحجتها معها، وإسنادها متْنُها، لا تفتقرُ إلى غيرها، ويُفتقر إليها، ولاتستعينُ بشيء، ويستعان بها." والحكمة، وفقًا لابن حزم، هي "البصيرة". وما أحوجنا هذه الأيام إلى التبصّر في أحوال الأمة، التي أراد الله أن يكون اختلافها رحمة ويريد البعض أن يبدلوه إلى نقمة، ويحيلوه إلى فرقة وتشرذم وتشظي وإراقة دماء.
ولعل إحياء الأمل والرجاء في النفوس يكون بالعودة إلى إنسانيتنا المشتركة؛ وإلى العمل المشترك فوق القطري، حتى لو اختلفنا سياسيًّا وعقائديًّا. لا بد من تعظيم القواسم المشتركة واحترام الفروق ضمن إطار منظومات السلوك الأخلاقية والقيمية التي تنظم سلوكات الناس ومُعاملاتهم. ولا ريب في أن الخير باقٍ في هذه الأمّة. فكما يقول رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم: "مثل أمتي مثل المطر لا يُدرى أوله خيرٌ أم آخره." (رواه الترمذي)
فنحن بحاجة إلى تعزيز الحوار الهادف المبني على التكافؤ والاحترام ، الذي يصب في إطار الصالح العام للمجتمعاتنا، ويحافظ على ثوابت الأمّة؛ من مشرقها إلى مغربها. ونتطلع إلى تمسك أبناء الأمة برسالة الإسلام الإنسانية والنهضوية، التي لطالما أكّدها الرّواد من قادة ومفكرين ومصلحين. وكفانا ما لحق ويلحق من ضرر وإساءة بصورة الإسلام السمح جرّاء نوازع الكراهية، التي تغذي تصرفات فئات مضلّلة من المسلمين، وكفانا تصريحات وفتاوى منفلتة ودعوات منحرفة تفرّق ولا تجمّع؛ امتثالاً لقول الحق، تبارك وتعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[الأنعام: 153].