مداخلة نيافة المطران جان قواق في مؤتمر الوجود المسيحي في الشرق الأوسط
مداخلة نيافة المطران جان قواق في مؤتمر الوجود المسيحي في الشرق الأوسط
أصحاب الغبطة والنيافة والسيادة، آبائي الكهنة أيها الأحباء...
اسمحوا لي أولاً وقبل كل شيء أن أنقل لكم تحيات وبركات صاحب القداسة البطريرك مار إغناطيوس زكا الأول عيواص بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للسريان الأرثوذكس.
كلما طُرح السؤال بشأن مستقبل المسيحيين في العالم العربي، جاء الجواب متشائماً، وفي أحسن الأحوال بقي تساؤلاً فيه ملامح تخوف بخصوص المصير، معَ رجاءٍ مسيحي بألا تتحقق تلك المخاوف. لكن وبصرف النظر عن صحة، أو عدم صحة، هذه التوقعات المأسوية للحضور المسيحي في المشرق العربي، فلا شك أن عدد المسيحيين في الشرق هو من تراجع إلى تراجع أكبر. فنظرة سريعة على هذه البلدان تجعلنا نعرف أن تركيا مثلاً أصبحت فارغة من مسيحييها، وبعدها تأتي فلسطين التي أصبحت هي أيضاً شبه فارغة من الوجود المسيحي رغم أنها الأرض المقدسة التي أعطت السيد المسيح للعالم، وبعد غزو أمريكا للعراق تناقص عدد المسيحيين هناك بنسبة الثلثين، واليوم نجد أن مسيحي سورية هم في أحسن الأحوال أقل من 10% إن لم نقل أنهم أقل من ذلك، ولا أعرف ما الذي سيكون عليه الحال في لبنان في المستقبل القريب، طبعاً مع التسليم بأن لبنان أيضاً شَهِد تناقصاً كبيراً في الوجود المسيحي بعد الحرب الأهلية الطاحنة التي عاشها لسنوات طويلة.
لماذا كل هذا التراجع في الحضور العددي؟
هناك أسباب عديدة نعرفها جميعاً، منها:
تحديد النسل الممارَس لدى العائلات المسيحية.
الهجرة خارج دول الشرق الأوسط، وهو السبب الأبرز لاستنزاف المسيحيين ديموغرافياً.
أما الأسباب التي تدفع ليس فقط المسيحيين بل أيضاً المسلمين العرب إلى الهجرة فهي عديدة، أهمها، ولا شك، العامل الاقتصادي. وهناك أيضاً أسباب تتعلق باللاديموقراطية في بعض الأنظمة العربية، وبالتوترات السياسية والاجتماعية، اذا لم نقل الحروب الأهلية، إضافة إلى التطرف الديني الذي يُفقد الأقليات أو مكونات المجتمعات المشرقية شعورها بالأمان والاستقرار فتلجأ للهجرة بحثاً عن أمنها وأمانها في محاولة جادة لإيجاد مستقبل أفضل.
هنا وقبل أن أتسأل عما يجب فعله لتثبيت المسيحي في أرضه، دعونا نتسأل عن مدى جدية المسلم الشرق أوسطي في الدعوة إلى بقاء المسيحي معه على هذه الأرض؟ (طبعاً لا نستطيع التعميم)
لن أجيب على هذا السؤال لصعوبة هذا الجواب، وسأترك الجواب للتاريخ وهو أفضل من يجيب... ولكني أعتقد أن وجود وبقاء المسيحي في هذا الشرق بحاجة إلى ترسيخ مبادئ مهمة وأساسية، هذه المبادئ تتلخص في سيادة القانون والعدالة والمساواة وتكافؤ الفرص بالإضافة إلى ترسيخ مفهوم المواطنة هذا المفهوم الهام الذي يعني المساواة التامة بين المواطنين في الحقوق والواجبات.
هذا من جهة الدولة والمجتمع، أما من جهة الكنائس نفسها فهناك أمنية أو حلم أرجو أن يصبح واقعاً يوماً ما. فإن أردنا التأكيد على وجودنا الأصيل والحضاري في هذا المشرق الجميل، وإن أردنا تشجيع مؤمني كنائسنا على البقاء ههنا، فما علينا ككنائس مشرقية إلا أن نشهد شهادة مشتركة وموحدة لمسيحنا ولإيماننا المسيحي، أي أن نسعى وبشكل أكثر جدية للعمل بشكل موحد في مواجهة التحديات التي تهدد وجودنا ومصيرنا المشترك في هذه الأرض، وأن نشارك وفق ما يعلمنا كتابنا المقدس في الإسهام وبإيجابية في طرح الأفكار والتصورات التي نراها جيدة ومناسبة لتطوير مجتمعاتنا.
من الضروري التصدي لمسألة الهجرة العربية بشكل عام، وفي الوقت نفسه يجب عدم تجاهل الهجرة المسيحية أياً كان حجم واقعها وحقيقة أسبابها. لذلك، وتحصيناً لديمومة العيش المشترك، أنقل هنا بعض ما كتبه الأستاذ محمد حسنين هيكل بهذا الشأن، إذ قال: "أشعر أن المشهد العربي كله سوف يختلف إنسانياً وحضارياً، وسوف يُصبح على وجه التأكيد أكثر فقراً وأقل ثراءً لو أن ما يجري الآن من هجرة مسيحيي الشرق تُرك أمره للتجاهل أو التغافل أو للمخاوف...".
لن استطيع أن أنهي حديثي معكم اليوم دون الإشارة إلى أن مسألة اختطاف رموز دينية هامة كالمطرانين يوحنا إبراهيم وبولس يازجي، هي بدورها من المسائل التي تؤثر سلباً على الحضور المسيحي إن لم تدفع المسيحيين إلى الهجرة وبكثرة نتيجة للشعور المتنامي بالخوف والشعور باللاستقرار. كما أتمنى من مجلسكم الكريم إصدار بيان بهذا الخصوص يطالب بإطلاق سراح المطرانين المخطوفين ورفض المتاجرة بالإنسان كسلعة سواء كان ذلك عبر جعله درعًا بشريًا في القتال، أو سلعة مقايضة ماليّة أو سياسيّة. وشكراً.
اسمحوا لي أولاً وقبل كل شيء أن أنقل لكم تحيات وبركات صاحب القداسة البطريرك مار إغناطيوس زكا الأول عيواص بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للسريان الأرثوذكس.
كلما طُرح السؤال بشأن مستقبل المسيحيين في العالم العربي، جاء الجواب متشائماً، وفي أحسن الأحوال بقي تساؤلاً فيه ملامح تخوف بخصوص المصير، معَ رجاءٍ مسيحي بألا تتحقق تلك المخاوف. لكن وبصرف النظر عن صحة، أو عدم صحة، هذه التوقعات المأسوية للحضور المسيحي في المشرق العربي، فلا شك أن عدد المسيحيين في الشرق هو من تراجع إلى تراجع أكبر. فنظرة سريعة على هذه البلدان تجعلنا نعرف أن تركيا مثلاً أصبحت فارغة من مسيحييها، وبعدها تأتي فلسطين التي أصبحت هي أيضاً شبه فارغة من الوجود المسيحي رغم أنها الأرض المقدسة التي أعطت السيد المسيح للعالم، وبعد غزو أمريكا للعراق تناقص عدد المسيحيين هناك بنسبة الثلثين، واليوم نجد أن مسيحي سورية هم في أحسن الأحوال أقل من 10% إن لم نقل أنهم أقل من ذلك، ولا أعرف ما الذي سيكون عليه الحال في لبنان في المستقبل القريب، طبعاً مع التسليم بأن لبنان أيضاً شَهِد تناقصاً كبيراً في الوجود المسيحي بعد الحرب الأهلية الطاحنة التي عاشها لسنوات طويلة.
لماذا كل هذا التراجع في الحضور العددي؟
هناك أسباب عديدة نعرفها جميعاً، منها:
تحديد النسل الممارَس لدى العائلات المسيحية.
الهجرة خارج دول الشرق الأوسط، وهو السبب الأبرز لاستنزاف المسيحيين ديموغرافياً.
أما الأسباب التي تدفع ليس فقط المسيحيين بل أيضاً المسلمين العرب إلى الهجرة فهي عديدة، أهمها، ولا شك، العامل الاقتصادي. وهناك أيضاً أسباب تتعلق باللاديموقراطية في بعض الأنظمة العربية، وبالتوترات السياسية والاجتماعية، اذا لم نقل الحروب الأهلية، إضافة إلى التطرف الديني الذي يُفقد الأقليات أو مكونات المجتمعات المشرقية شعورها بالأمان والاستقرار فتلجأ للهجرة بحثاً عن أمنها وأمانها في محاولة جادة لإيجاد مستقبل أفضل.
هنا وقبل أن أتسأل عما يجب فعله لتثبيت المسيحي في أرضه، دعونا نتسأل عن مدى جدية المسلم الشرق أوسطي في الدعوة إلى بقاء المسيحي معه على هذه الأرض؟ (طبعاً لا نستطيع التعميم)
لن أجيب على هذا السؤال لصعوبة هذا الجواب، وسأترك الجواب للتاريخ وهو أفضل من يجيب... ولكني أعتقد أن وجود وبقاء المسيحي في هذا الشرق بحاجة إلى ترسيخ مبادئ مهمة وأساسية، هذه المبادئ تتلخص في سيادة القانون والعدالة والمساواة وتكافؤ الفرص بالإضافة إلى ترسيخ مفهوم المواطنة هذا المفهوم الهام الذي يعني المساواة التامة بين المواطنين في الحقوق والواجبات.
هذا من جهة الدولة والمجتمع، أما من جهة الكنائس نفسها فهناك أمنية أو حلم أرجو أن يصبح واقعاً يوماً ما. فإن أردنا التأكيد على وجودنا الأصيل والحضاري في هذا المشرق الجميل، وإن أردنا تشجيع مؤمني كنائسنا على البقاء ههنا، فما علينا ككنائس مشرقية إلا أن نشهد شهادة مشتركة وموحدة لمسيحنا ولإيماننا المسيحي، أي أن نسعى وبشكل أكثر جدية للعمل بشكل موحد في مواجهة التحديات التي تهدد وجودنا ومصيرنا المشترك في هذه الأرض، وأن نشارك وفق ما يعلمنا كتابنا المقدس في الإسهام وبإيجابية في طرح الأفكار والتصورات التي نراها جيدة ومناسبة لتطوير مجتمعاتنا.
من الضروري التصدي لمسألة الهجرة العربية بشكل عام، وفي الوقت نفسه يجب عدم تجاهل الهجرة المسيحية أياً كان حجم واقعها وحقيقة أسبابها. لذلك، وتحصيناً لديمومة العيش المشترك، أنقل هنا بعض ما كتبه الأستاذ محمد حسنين هيكل بهذا الشأن، إذ قال: "أشعر أن المشهد العربي كله سوف يختلف إنسانياً وحضارياً، وسوف يُصبح على وجه التأكيد أكثر فقراً وأقل ثراءً لو أن ما يجري الآن من هجرة مسيحيي الشرق تُرك أمره للتجاهل أو التغافل أو للمخاوف...".
لن استطيع أن أنهي حديثي معكم اليوم دون الإشارة إلى أن مسألة اختطاف رموز دينية هامة كالمطرانين يوحنا إبراهيم وبولس يازجي، هي بدورها من المسائل التي تؤثر سلباً على الحضور المسيحي إن لم تدفع المسيحيين إلى الهجرة وبكثرة نتيجة للشعور المتنامي بالخوف والشعور باللاستقرار. كما أتمنى من مجلسكم الكريم إصدار بيان بهذا الخصوص يطالب بإطلاق سراح المطرانين المخطوفين ورفض المتاجرة بالإنسان كسلعة سواء كان ذلك عبر جعله درعًا بشريًا في القتال، أو سلعة مقايضة ماليّة أو سياسيّة. وشكراً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق