ألف عام من النضال والحفاظ على الوسطية كان فيها ملاذاً للمتسامحين
في زمن التشدد يُفتقد الأزهر
تاريخ النشر: الخميس 05 مايو 2011
حلمي النمنم
مع بروز التيارات السلفية على ساحة الأحداث في مصر، تنادى كثيرون إلى الاهتمام بدور الأزهر ورسالته، باعتباره ممثلا لتيار الاعتدال السني في العالم الإسلامي، والحق أن الأزهر كان موضع اهتمام كثير من الدارسين من عرب وأجانب ومسلمين وغير مسلمين ومن هؤلاء “بيارد دودج” صاحب كتاب “الأزهر في ألف عام” والذي صدرت منه طبعة جديدة مؤخرا. المؤلف كان أستاذا بالجامعة الاميركية في القاهرة واستغل فترة وجوده بها، فتردد على مكتبة الجامع الأزهر والتقى عددا من شيوخه، فضلاً عن استعانته ببعض المؤرخين المصريين، وقدم كتابه الذي قصد به القارئ الذي لا يعرف شيئا عن الأزهر أي القارئ الأميركي والأوروبي، لذا فهو كتاب تعريفي في المقام الأول، لكنه رغم ذلك لم يغفل الشق العلمي والفكري في تناوله لموضوعه، فجاء إضافة حقيقية حتى للقارئ العربي.
الأزهر ليس هو اقدم جامع في مصر، فقد سبقته جوامع عديدة كانت البداية بجامع عمرو، الذي أسسه عمرو بن العاص فور فتح مصر، وشارك في بنائه عدد من الصحابة، وكان اسمه فور بنائه جامع مصر، وبعده كان جامع احمد بن طولون، ولما دخل جوهر الصقلي مصر، وقرر أن يؤسس القاهرة لتكون عاصمة الدولة الفاطمية، شرع في بناء قصر يكون مقرا للحكم، وقبل أن يتم بناء القصر كان قد بدأ بناء المسجد الجديد للعاصمة الجديدة وسماه جامع القاهرة، نسبة إلى المدينة الجديدة، بدأ البناء في أبريل 970 ميلادية الموافق 24 من جمادي الأولى عام 359 هجرية، واستمر بناؤه عامين، حيث انتهى في السابع من رمضان عام 361 هجرية الموافق 23 من يونيه عام 972 وبعد أكثر من قرن على بنائه صار اسمه الجامع الأزهر، فقيل انه نسبة إلى السيدة فاطمة الزهراء، وقيل لانه ازدهر وأزهر وصار مركزاً علمياً رفيعاً، ولم يكن الجامع مجرد مكان للصلاة فقط، بل كان الخليفة يلتقي بالمصلين فيه كل يوم جمعة، يؤمهم للصلاة، ثم يلقي اليهم بأوامره وتعليماته ويستمع لما لديهم وما يودون قوله ويوجههم هو أيضا إلى ما يريده.
الأزهر والأنور
في العصر الفاطمي أخذ المسجد يتسع شيئاً فشيئاً، وأقام الشيوخ حلقاتهم الدراسية به وقد اقتضى ذلك تحسين بناء الأزهر ورصد الأوقاف والهبات المالية له، فضلاً عن توسعة دار المخطوطات به، وكانت تضم مخطوطات للقرآن الكريم وتفاسيره، فضلاً عن مخطوطات في شرح المذهب الشيعي، مذهب الدولة الفاطمية.
سقطت الدولة الفاطمية في عام 1171 هجرية وقامت الدولة الأيوبية في مصر والشام وصار صلاح الدين سلطاناً على مصر، وأخذ على عاتقه إعادة نشر المذهب السني في مصر، والتركيز كذلك على الفقه الشافعي أساساً للشريعة، كما يقول المقريزي، وعهد بهذه المهمة إلى قاضي القضاة صدر الدين عبدالله بن درباس، الذي أفتى بعدم جواز إقامة صلاتين جامعتين في مدينة واحدة، وكانت القاهرة بها مسجدان جامعان. الأزهر وجامع الأنور أو الحاكم بأمر الله ومازال قائما إلى اليوم، لذا استقر ان تكون الصلاة الجامعة في جامع الأنور وليس في الأزهر وأدى ذلك إلى هجران الأزهر، ومع السنوات لم تعد تقام به أي صلاة، وتهدمت مبانيه واعتدى الأهالي على أراضيه، فضلاً عن أوقافه التي تبددت، وظل الأمر كذلك حتى قامت دولة المماليك، وفي عهد السلطان بيبرس عاد الأزهر إلى الحياة. وكان هناك وزير يسمى “أيدمر” كانت داره مجاورة للأزهر، وصعب عليه أن يصبح الجامع مكاناً خرباً لذا سعى إلى تجديده وإعادة بنائه من جديد واستعاد أوقافه، وخصص له أوقافاً جديدة وكان بيبرس متحمساً لذلك وبقيت الفتوى بإعادة الصلاة به، كان بيبرس يعتنق المذهب الحنفي الذي لا يجد غضاضة في أن تقام صلاتان جامعتان بالمدينة، لكن فقيه المذهب الشافعي كان مصرا على عدم إقامة الصلاة، فظل الوزير “أيدمر” به، حتى أفتى بإمكانية الصلاة بالمسجد، وهكذا بعد 98 عاما من توقف الصلاة بالأزهر، عاد إلى الحياة أقوى مما كان فأقيمت به الدروس وزادت الأوقاف عليه، وكان عائد الفقهاء به أكثر من غيره، لذا ذهبوا اليه، وكان من بين الذين القوا دروسا به عبدالرحمن بن خلدون وتقي الدين المقريزي. وفي ذلك العصر لم يكن الأزهر هو الجامع الأبرز، ولا الجامع الوحيد، كان هناك جامع السلطان حسن، وكان يضم اكبر مدرسة فقهية، ولأنه قريب من القلعة، كان السلاطين يذهبون إليه كثيرا لأداء الصلوات، وكان كل سلطان من المماليك يحرص على تأسيس مسجد خاص ومدرسة علمية ملحقة به يتم تدارس المذاهب الأربعة بها، لذا انتعشت العلوم والمساجد وفي مقدمتها الجامع الأزهر والذي دخل مرحلة جديدة خلال العصر العثماني.
ضد التتريك
مع العثمانيين تحول الأزهر إلى جامعة بالمعنى الكامل، وظهر منصب شيخ الأزهر وحمى الأزهر اللغة العربية من التتريك، كانت اللغة التركية لغة الدولة ولغة حكامها، وبقيت العربية لغة العلم والدين بفضل الأزهر، ومع الوقت صار الأزهر ملاذ المصريين من ظلم الحكام واستبداد المماليك، وازدادت الأروقة به حتى وصلت الى 34 رواقا، وكانت الأروقة تضم طلاب العلم من مختلف انحاء العالم الإسلامي لذا صار الأزهر مركز قوة وكلمة شيوخه وطلابه مؤثرة على الحكم والحكام، وكان الأزهر مركزا لعدة انتفاضات ضد تسلط وظلم المماليك.
وحين جاء نابليون بونابرت بحملته على مصر نهاية القرن الثامن عشر، نجح طلاب الأزهر في التخطيط لثورة القاهرة الأولى وقيادتها كانت به، لذا ضربه نابليون بالمدافع واقتحمه بالخيول، مما زاد من الرفض له وانتهت الحملة بالفشل وازداد تألق الأزهر.
في عصر محمد علي، لعب شيخه الأكبر حسن العطار دورا مهما في نشر العلوم الحديثة وتبنى إرسال البعثات إلى الخارج ومع عصر إسماعيل باشا تم الاتجاه الى تحديث الأزهر، وكان لعلمائه موقف مهم أثناء الثورة العرابية، حيث أفتى الشيخ عليش بجواز الخروج على الحاكم الخائن لبلده، ودينه وكان يقصد بذلك الخديوي محمد توفيق، وشارك طلاب الأزهر بدور فعال في ثورة 1919 وخرجت المظاهرات منه، وكان الأزهر تعبيرا عن الوحدة بين أبناء مصر في مواجهة المحتل الانجليزي، بغض النظر عن دين كل منهم، وبقي الأزهر ساحة للاعتدال الديني، وفي عام 1932 انتهى دور الأروقة وتأسست به اربع كليات على الطراز الحديث، وكانت تمثل العلوم الدينية واللغة العربية ثم توسع الأزهر بعد قانون تطويره عام 1961 حيث أضيفت اليه كليات علمية كالطب والهندسة والعلوم وبدلا من الأروقة اقيمت مدينة “البعوث”، خاصة بطلابه من مصر والعالم الاسلامي.
ومازال الأزهر الى اليوم منارة الاعتدال والوسطية الدينية والفقهية، لذا كان طبيعيا أن يلتمس المسلمون فيه الاعتدال والتسامح في زمن التشدد والغلو.
اقرأ المزيد : المقال كامل - في زمن التشدد يُفتقد الأزهر - جريدة الاتحاد http://www.alittihad.ae/details.php?id=42556&y=2011&article=full#ixzz1LQlvgOAw