دور الغالبية المسلمة في مصر بقلم فوأد عبد المنعم رياض
أرى لزاما علي بصفتي قد شغلت منصب قاض بالمحكمة الدولية لجرائم الحرب في يوغوسلافيا السابقة وشاهدت بنفسي كيف تمزق الشعب اليوغوسلافي بين مسيحيي الصرب والكروات ومسلمي البوسنة - أن أتقدم كشاهد عيان على ما يمكن أن يؤدي إليه التمييز الديني، ودور الغالبية في إثارة الفتن الطائفية ضد الأقلية وخلق روح التغريب بينها وبين الأقلية، وهو تغريب ينتهي به المطاف إلى رفض المشاركة والاضطهاد مما يدفع الأقلية إلى إيقاظ رغبتها في تأكيد ذاتها والتكتل لمواجهة الغالبية.
فمن المعلوم أن المسلمين كانوا يعيشون في أمان مع إخوانهم الصرب والكروات بصفتهم مواطنين لا يتميزون عن بعضهم البعض بل لا يشعرون بما يميزهم من هوية دينية. فقلما كانت تطأ أقدامهم المساجد وكانت نساؤهم سافرات، غير أن إصرار الغالبية الصربية والكرواتية المسيحية على التمييز ضدهم وإبراز الاختلاف معهم أدى إلى تقوقع إقليم البوسنة وإدراك شعبها الفارق الديني وتشبثه ورفضهم التعايش المشترك. وقد ترتب على ذلك ما عرفناه من نزاع دموي أدى إلى استقلال البوسنة وتمزق دولة يوغوسلافيا.
وفي ضوء هذه التجربة المريرة يتعين علينا أن نستخرج العبرة اللازمة للحيلولة دون الانزلاق في هذه الهوة في وطننا العزيز. ولا شك في أن العبء الأكبر يقع في هذا المقام على الغالبية التي تملك القدرة على توجيه المسار نحو التعايش أو التنافر، وعدم إلقاء اللوم على الأقلية التي لا تمتلك إلا رد الفعل والتقوقع للاحتماء في مواجهة رفض الغالبية.
وجدير بالذكر أني كنت قد كلفت بصفتي عضوا في المجلس القومي لحقوق الإنسان بمهمة تقصي الحقائق في مأساة نجع حمادي وهالني ما لمسته من شعور المواطنين الأقباط من خوف ليس فقط من سوء المعاملة بل من السير في الطريق العام سواء لما يلقونه من سوء المعاملة والرفض الذي وصل إلى حد أن بعض النساء الأقباط يضطررن إلى اتخاذ الحجاب حرصا على حياتهن. ولا يخفى كذلك ما أصبح شائعا في مدارسنا من إعراض المسلمين عن تحية المسيحيين ورفض التعاون معهم، بل وصل إلى علم المجلس القومي لحقوق الإنسان أن هناك من فصلوا من وظيفتهم في القطاع الخاص بسبب الدين.
ما نشهده هو غياب من يمثل الأقباط في المناصب الكبرى وفي الإعلام والكتب الدراسية التي تخلو من ذكر التاريخ القبطي ونادرا ما تذكر الأسماء القبطية ليعرف التلاميذ أن هناك في مصر أقباطا.
وغني عن البيان أنه لا يد للأقباط في التمييز، وإزاء هذا التمييز والرفض للتعايش المشترك السمح بجميع صوره ضمن الجماعة الوطنية المصرية من الطبيعي أن يلجأ الأقباط إلى العزلة والتكتل حول كنيستهم.
لذلك فقد أثار دهشتي ما ورد في مقال الكاتب الكبير طارق البشري في "الشروق" بتاريخ 24 تشرين الاول من أن سياسة الكنيسة "لم تعد تقوم على دمج القبط في الجماعة الوطنية المصرية وإنما على فرزهم ليصيروا شعبا لها بالمعنى الدنيوي المتعلق بتشكيل جماعة سياسية".
ذلك لأن الدمج في الجماعة الوطنية هو في الحقيقة دور الشريحة الكبيرة المسلمة وليس دور الشريحة الأقل عددا التي لا تملك إلا الانطواء والانكفاء على تراثها الخاص لتأكيد هويتها، ولنا في تجربة البوسنة خير عظة تدعونا للعمل سريعا لاحتواء هذه الفرقة دون التهرب من المسؤولية وإلقاء اللوم على الآخر.
"الشروق"
أرى لزاما علي بصفتي قد شغلت منصب قاض بالمحكمة الدولية لجرائم الحرب في يوغوسلافيا السابقة وشاهدت بنفسي كيف تمزق الشعب اليوغوسلافي بين مسيحيي الصرب والكروات ومسلمي البوسنة - أن أتقدم كشاهد عيان على ما يمكن أن يؤدي إليه التمييز الديني، ودور الغالبية في إثارة الفتن الطائفية ضد الأقلية وخلق روح التغريب بينها وبين الأقلية، وهو تغريب ينتهي به المطاف إلى رفض المشاركة والاضطهاد مما يدفع الأقلية إلى إيقاظ رغبتها في تأكيد ذاتها والتكتل لمواجهة الغالبية.
فمن المعلوم أن المسلمين كانوا يعيشون في أمان مع إخوانهم الصرب والكروات بصفتهم مواطنين لا يتميزون عن بعضهم البعض بل لا يشعرون بما يميزهم من هوية دينية. فقلما كانت تطأ أقدامهم المساجد وكانت نساؤهم سافرات، غير أن إصرار الغالبية الصربية والكرواتية المسيحية على التمييز ضدهم وإبراز الاختلاف معهم أدى إلى تقوقع إقليم البوسنة وإدراك شعبها الفارق الديني وتشبثه ورفضهم التعايش المشترك. وقد ترتب على ذلك ما عرفناه من نزاع دموي أدى إلى استقلال البوسنة وتمزق دولة يوغوسلافيا.
وفي ضوء هذه التجربة المريرة يتعين علينا أن نستخرج العبرة اللازمة للحيلولة دون الانزلاق في هذه الهوة في وطننا العزيز. ولا شك في أن العبء الأكبر يقع في هذا المقام على الغالبية التي تملك القدرة على توجيه المسار نحو التعايش أو التنافر، وعدم إلقاء اللوم على الأقلية التي لا تمتلك إلا رد الفعل والتقوقع للاحتماء في مواجهة رفض الغالبية.
وجدير بالذكر أني كنت قد كلفت بصفتي عضوا في المجلس القومي لحقوق الإنسان بمهمة تقصي الحقائق في مأساة نجع حمادي وهالني ما لمسته من شعور المواطنين الأقباط من خوف ليس فقط من سوء المعاملة بل من السير في الطريق العام سواء لما يلقونه من سوء المعاملة والرفض الذي وصل إلى حد أن بعض النساء الأقباط يضطررن إلى اتخاذ الحجاب حرصا على حياتهن. ولا يخفى كذلك ما أصبح شائعا في مدارسنا من إعراض المسلمين عن تحية المسيحيين ورفض التعاون معهم، بل وصل إلى علم المجلس القومي لحقوق الإنسان أن هناك من فصلوا من وظيفتهم في القطاع الخاص بسبب الدين.
ما نشهده هو غياب من يمثل الأقباط في المناصب الكبرى وفي الإعلام والكتب الدراسية التي تخلو من ذكر التاريخ القبطي ونادرا ما تذكر الأسماء القبطية ليعرف التلاميذ أن هناك في مصر أقباطا.
وغني عن البيان أنه لا يد للأقباط في التمييز، وإزاء هذا التمييز والرفض للتعايش المشترك السمح بجميع صوره ضمن الجماعة الوطنية المصرية من الطبيعي أن يلجأ الأقباط إلى العزلة والتكتل حول كنيستهم.
لذلك فقد أثار دهشتي ما ورد في مقال الكاتب الكبير طارق البشري في "الشروق" بتاريخ 24 تشرين الاول من أن سياسة الكنيسة "لم تعد تقوم على دمج القبط في الجماعة الوطنية المصرية وإنما على فرزهم ليصيروا شعبا لها بالمعنى الدنيوي المتعلق بتشكيل جماعة سياسية".
ذلك لأن الدمج في الجماعة الوطنية هو في الحقيقة دور الشريحة الكبيرة المسلمة وليس دور الشريحة الأقل عددا التي لا تملك إلا الانطواء والانكفاء على تراثها الخاص لتأكيد هويتها، ولنا في تجربة البوسنة خير عظة تدعونا للعمل سريعا لاحتواء هذه الفرقة دون التهرب من المسؤولية وإلقاء اللوم على الآخر.
"الشروق"
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق