الجمعة، فبراير 18، 2011
الانقسام الإسلامي والحملة على الإسلام - المستقبل
الانقسام الإسلامي والحملة على الإسلام
المستقبل - الجمعة 18 شباط 2011 - العدد 3915 -
محمد السمّاك
تزامن انطلاق ما اتفق على تسميته بالصحوة الاسلامية مع وقوع أحداث أعادت صوغ المعادلات الدولية وطرحت إعادة تموضع الإسلام فيها، كما طرحت إعادة النظر في موقفه منها. وقد استندت المعادلات الجديدة إلى نظريات فكرية أسست لها ووضعت لها الإطار العقائدي، وحددت لها معالم الفلسفة التي استندت اليها في توجهاتها الجديدة.
بدأت هذه الأحداث بسقوط الاتحاد السوفياتي في أفغانستان ثم بقيام الثورة الاسلامية في إيران، وبعد ذلك بالحرب العراقية على إيران ثم بغزو العراق للكويت.. وبالرد على الغزو باجتياح اميركي للمنطقة، وانتهاء بانتهاء الحرب الباردة الذي ادى إلى سقوط الشيوعية وتفتيت الاتحاد السوفياتي، ومن ثم محاولة فرض نظام عالمي جديد يقوم على القطبية الواحدة.
النظريات الفلسفية التي واكبت هذه الأحداث ووضعت لها الإطار المنهجي الفكري تمحورت حول صناعة عدو جديد يحقق التضامن بين القوى التي تعتبر نفسها وريثة عالم ما بعد الحرب الباردة ومعنية بإعادة تركيب وادارة النظام الجديد. فكان التوافق المعلن منذ مطلع التسعينات من القرن الماضي على أن يكون الإسلام هو هذا العدو. وكان من مستلزمات نجاح هذا التوافق ان يكون العدو قوياً بما يشكل حافزاً للتضامن ضده، ولكن ان لا يبلغ من القوة بحيث يشكل خطراً على مصالح أهل النظام الجديد.
إلا ان استعداء الإسلام شكل في ذاته حافزاً له أي للإسلام- للتوحد ولاستنفار الحمية الدينية وبالتالي للاستقواء على استهدافه. فوجد مستهدفوه انه من الضروري العمل مع استعدائه على استضعافه وذلك بضرب احد أهم المقومات التي يستقوي بها وهي وحدته.
وهكذا تعرضت الدول العربية واحدة تلو الأخرى إلى إثارة الإضطرابات الداخلية فيها على خلفية التباينات الدينية الاسلامية المسيحية كما يحدث الآن في مصر ولبنان والعراق. أو على خلفية مذهبية بين السنة والشيعة على النحو الذي تتوإلى فصوله من العراق حتى بعض دول مجلس التعاون الخليجي كالكويت والبحرين. أو على خلفية قبلية دينية الأمر الذي سوف يقسم السودان إلى دولتين على الأقل.. ويخشى أن يرتفع مستوى التقسيم ليصبح السودان أربع دول لا سمح الله-. أو على خلفية عنصرية والتي بدأت تمزق العراق عرباً وأكراداً وتركمان، وتهدد شمال افريقيا عرباً وأمازيغاً (بربر)..
وهكذا ايضاً تعرضت العلاقات العربية مع دول الجوار الاسلامي إلى الاضطراب، بما في ذلك تركيا وإيران وأثيوبيا وتشاد وحتى السنغال (المشكلة العنصرية مع موريتانيا المجاورة).
وفوق ذلك تعرضت صورة الاسلام في العالم كله إلى التشويه المتعمد من خلال توظيف ردود فعل متطرفين اسلاميين (جريمة نيويورك مروراً بلندن ومدريد وحتى بالي في اندونيسيا) مما أطلق ظاهرة الاسلاموفوبيا التي تعمّ العالم بمعنى كراهية الاسلام عن جهل به وعن خوف منه.. وتشوهت سمعة الاسلام وتعطل دور دوله.
وبذلك تصدّعت الوحدة الاسلامية، بحيث بات العالم الاسلامي عاجزاً عن الدفاع عن قضاياه وحتى عن مقدساته التي تتعرض للإنتهاك على أيدي الاسرائيليين الذين يواصلون عملية مبرمجة لتدمير المسجد الأقصى بشكل منهجي.. وإحراق المساجد في الاراضي الفلسطينية المحتلة.
ولأن العالم الاسلامي غير موحد، بل لأنه مجزأ ومخلع الأبواب والنوافذ، فانه مفتوح أمام العبث الخارجي. فمعظم الدول الاسلامية في آسيا وافريقيا تعيش على المساعدات الخارجية، وتدافع عن أمنها الداخلي بأسلحة تحصل عليها من الخارج أيضاً. فلا انتاجها من القمح يكفي حاجتها من الخبز، ولا السقف المنخفض لتسلحها كمّاً ونوعاً يمكّنها من مواجهة الاضطرابات الداخلية والتحديات الخارجية.
هنا لا بد من الاشارة إلى ان الوحدة الاسلامية لا تعني التماثل او انها لا تقوم الا على أنقاض الاختلافات الاجتهادية. فالاعتصام بحبل الله، أي بالاسلام، يتناقض مع التفرق وليس مع الاختلاف. ولو كان الأمر غير ذلك لما دعا الله سبحانه وتعالى المسلمين إلى الاعتصام بحبله ولما نهاهم عن التفرق ( كما ورد في سورة آل عمران الآية 103) وليس على الاختلاف. ولما ذكّرهم سبحانه وتعالى في العديد من آيات القرآن الكريم بأن " من آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم " (سورة الروم الآية 32) ولما خاطب الناس جميعاً بقوله "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ان أكرمكم عند الله أتقاكم" ( سورة الحجرات الآية 13).
غير ان الوحدة الاسلامية تتناقض مع ثقافة التكفير من حيث انها ثقافة الغائية للمؤمن الآخر، فكراً واجتهاداً وعقيدة، ومن حيث انها ثقافة احتكارية للمعرفة الإيمانية وللتعبير عن الإيمان. تتحقق الوحدة الاسلامية بنبذ هذه الثقافة وباعتماد ثقافة احترام الاختلافات الاجتهادية والفقهية التي تبدو كمجاري الحق التي تخرج من ينبوع واحد.
فالطريق إلى الوحدة الاسلامية واضح، وهو تقبُّل واحترام الاجتهاد المختلف. ذلك ان الحق واحد وإن تعدت الطرق اليه.
أما التنازع بين الحركات الاسلامية المتعددة داخل الدولة الواحدة، وبين الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي وجامعة الدول العربية، فغالباً ما يؤدي إلى صراع مذهبي يتحول في الوجدان الشعبي إلى حالة حادة من العصبية الخانقة ضد المسلمين الآخرين. وتغذي هذه العصبية بعض التراكمات التاريخية والتعقيدات النفسية في قضايا التاريخ المنعكسة على الواقع.
ويحدث الأخطر والأسوأ عندما يتقاطع هذا التنازع الداخلي مع السياسات الدولية التي تعاني عقدة تاريخية من الاسلام. والأمثلة على ذلك أكثر من أن تعد وتحصى، من ملف إيران النووي وانعكاساته على أمن دول مجلس التعاون، إلى الانقسامات داخل اليمن حيث تتفاعل عوامل خارجية مع حركة الحوثيين من جهة أولى ومع حركة القاعدة من جهة ثانية، ومع الحراك الجنوبي ذي النزعة الانفصالية من جهة ثالثة.. إلى الصومال التي تحولت إلى دولة فاشلة ومارقة، الداخل اليها مفقود والخارج منها مولود.
والسؤال الآن هو كيف يخرج العالم الاسلامي من حالة التمزق إلى الوحدة أو إلى حد أدنى من التعاون؟ وكيف يصحح صورة الاسلام في العالم مما يشوبها من تشويه وتضليل؟ وبالتالي كيف يتمكن من الدفاع عن قضاياه واستعادة موقعه في مسيرة الحضارة الانسانية؟
من الواضح ان السؤالين مرتبطان.. وكذلك الإجابة عليهما. الأمر الذي يزيد الوضع تعقيداً والمخرج صعوبة. ولكن استنزاف الاهتمامات بالمشاكل المفتعلة في داخل كل دولة تقريباً يحول دون الرؤية المشتركة للصورة العامة للعالم العربي والاسلامي. ويحول تالياً دون التصور المشترك لستراتيجية عربية واسلامية متناسقة ومتكاملة. إن الاعتقاد بأن معالجة الأوضاع الداخلية في كل دولة على حدة يحقق بالمحصلة العامة المعالجة الشاملة ثبت انه اعتقاد خاطئ. فقد ادى ذلك إلى تعميق النرجسيات الوطنية، وإلى توسيع الهوة بين دول الاسرة الواحدة وتالياَ إلى تمكين القوى الخارجية من استفراد هذه الدول ومن الهيمنة على مقدراتها.
ينظر الخارج إلى المسلمين اليوم فـ" يحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى"، فمتى يصح الحساب على ما في القلوب؟!
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق