بمناسبة المولد النبوي الشريف وأسبوع الوحدة الإسلامية، أقام تجمع العلماء المسلمين عشاءه السنوي بحضور شخصيات سياسية ودينية منها: ممثل سماحة السيد حسن نصرالله، ممثل البطريرك مار بشارة بطرس الراعي، ممثل البطريرك آرام الأول كيشيشيان، المطران جورج صليبا، المطران الياس عودة، الأب أنطوان ضو، سفير الجمهورية الإسلامية الايرانية الدكتور غضنفرأصل ركَن آبادي، ممثل السفير الصيني، ممثل السفير الاندونيسي،ممثل السفير السوري، ممثل قائد الجيش، المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان ممثلاً نائب رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى، النائب مروان فارس، ممثل الحزب القومي، ممثلو الأحزاب والقوى الوطنية وممثلو الفصائل الفلسطينية.
وألقى رئيس الهيئة الإدارية سماحة الشيخ حسان عبدالله كلمة هذا نصها:
﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾(التوبة: 128)
نجتمعُ اليومَ في أجواءِ الذكرى العَطِرَةِ لمولِدِ الرسولِ الأكرَمِ محمَّدٍ صلى الله عليه وآله وصَحَبْهِ وسلَّم الذي أرسَلَهُ الله سبحانَهُ وتعالى رحمةً للعالمينَ ليُخرِجَهم من ظلماتِ الجهلِ والكُفرِ، إلى نورِ العِلْمِ والإيمانِ.. فَسَمَت أمةُ الإسلامِ دونَ سائِرِ الأممِ ساعةَ التَزَمَتْ بتعاليمِ وأحكامِ الإسلامِ وتَرَاجَعَتْ عن مكانَتِها بعد أن تَرَكَتْ دينَها وانساقتْ وراءَ شَهَواتِها وغرائِزِها وخالَفَتْ تعاليمَ الله سبحانَهُ وتعالى وَهَدْي نبيِّهِ.. فإذا بالمسلمينَ يعودون إلى جاهليةٍ جديدةٍ تَلْبَسُ لَبوساً متطوراً ليس إلا زخرفاً لا قيمةَ له لأنها في جوهرها ليست إلا تخلفاً وانحرافاً وماديةً لا روحَ فيها وتقليداً أعمىً للنموذج الغربي المتقدم ظناً منهم أن تقدُّمَ الغربِ التِّقْنيِّ هو تقدمٌ حضاريٌّ.. في حين أنَّ الواقِعَ يقولُ ومن خلال دراسةٍ معمَّقةٍ للظاهرةِ الغربيةِ إن التقدُّمَ الحاصلَ هناكَ ما هو إلا تقدُّمٌ بالوسائلِ والأدوات.. ولكنْ من الناحيةِ الحضارية ثمةَ أزمةُ حضارةٍ سيجِدُ العالمُ بعد فترةٍ قد لا تكونُ طويلةً أن الحلَّ لهذه الأزمة هو في الرجوع إلى الله سبحانه وتعالى والدينِ.. ولذلك كانت رسالةُ الإسلامِ التي جاء بها نبيُّنا محمد صلى الله عليه وآله رحمةً للعالمين وليس للمسلمين فقط.
إن الإحياء الحقيقي لذكرى مولد نبيَّنا الكريمَ يكونُ من خلال وحدتنا كمسلمينَ في مواجهةِ الهجمةِ التي تستهدِفُ تقويضَ كيانِ أمَّتِنا من خلالِ السعي لإبعاد الإسلام عن قيادة مجتمعاتنا ولو من خلال تقديم نماذج أخرى للحكم يتبناها إسلاميون ثم تفشلُ ليُصوَّرَ الأمرُ على أنه فشلٌ للإسلام في حين أنه فشلٌ لهذه الحركات التي تصورتْ أنها وبأسلوبٍ ميكافيليٍّ يمكنُ أن تطرح الإسلام في مراحلَ قادمةٍ بعد وصولها إلى السلطة وإمساكِها بزمام الأمور، فإذا بها تُضْطَّرُ في المراحل المقبلة لتقديمِ تنازلاتٍ جديدةٍ لينتهي الأمر بإبعاد الإسلام نهائياً عن واقع المجتمعات.
إن النظرةَ التجزيئيةَ للإسلامِ التي تفترضُ أنه من الممكنِ أخْذُ جزءٍ من الأحكامِ وترْكُ الأخر توصلاً للسلطة هي نظرةٌ خاطئة.. فهذا الدينُ هو منظومةٌ كاملةٌ لا يمكن تطبيقها في جانب وتركُ ذلك في جانب آخر.
﴿ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسََكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بالإثم وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلاّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ (البقرة:85)
إننا لن نستطيعَ مواجهةَ الحملةِ التي يتعرّضُ لها الإسلامُ اليوم متفرِّقينَ بل لا بدَّ من الوَحدةِ سبيلاً وحيداً لتحقيقِ النصرِ على أعداءِ الأمةِ والدينِ. وعلينا أن نعلَمَ أنَّ كلَّ قوى الكُفرِ اليومَ تسعى لإيقاعِ الفُرقَةِ بينَ المسلمينَ كي يضرِبَ بعضُهم رقابَ بعضٍ فَيَسْلَمَ الكفرُ وتضيعَ أمَّةُ الإسلامِ ويذهَبُ ريحُها فتُصبِحُ أمةً ضعيفةً لا يُحسَبُ لها أيُّ حساب.. وهذا ما حذَّرَنا منه الله سبحانه وتعالى عندما أمَرَنا بطاعتِهِ وطاعةِ رسولِهِ ونهانا عن التنازع حيثُ قال عزَّ وجلَّ: ﴿وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾..(الأنفال:46)
إنَّ مَهَمَّتَنا الرسالية كما أرادَ الله سبحانه وتعالى هي العملُ على نَبْذِ كلِّ دواعي الفُرقةِ في مجتمعِنا وأمَّتِنا، وإنَّ تَرْكَ القيامِ بهَذِهِ المَهَمَّةِ أو العَمَلَ على خلافِها سيحمِّلُنا حتماً مسؤوليةً تاريخيةً لن ترحمَنا الأجيالُ عليها.. وتكون مسؤوليتُنا أمام الله عظيمةً إذ سيسألُنا عما عَمِلنا لوَحدةِ الأمةِ وكيفَ سَعَيْنا للوقوفِ في وجهِ التفرِقَةِ؟.. بل إن المسؤوليةَ أكبر, والعِقابَ أشدُّ فيما لو كنا ممن سعى في فُرْقَةٍ أو خلافٍ أدى لفتنة.
انطلاقاً من جميع ما تقدَّم يهمنا في تجمع العلماء المسلمين أن نؤكد على النقاط التالية:
أولاً: في مسألة الصحوة الإسلامية:
إن الصحوةَ التي تعيشها الأمةُ الإسلاميةُ اليومَ هي إشراقةٌ مهمةٌ في تاريخها يجب أن نَحْرُصَ على نجاحها ووصولِها إلى أهدافِها المبتغاة. ولا إشكالَ في أن خلافاً كبيراً يقعُ اليوم بين قادة الرأي حول النظرة إلى هذه الصحوة هل هي فعلاً تنطلقُ من الجماهيرِ أم أنها مؤامرةٌ تحرِّكها قوى إستكبارية تعملُ للإمساك بالأمةِ بأسلوبٍ جديدٍ بعد أن فشِلَتِ الأساليبُ القديمةُ في الاستمرارِ في قيادةِ بلداننا لمصلحةِ هذه القوى. أو أنها مؤامرةٌ تستهدفُ إيقاعَ بلادِنا في فوضى عارمةٍ تؤدي إلى إضعافِ كياناتِنا وإدخالِنا في حروبٍٍ أهليةٍ مذهبيةٍ وطائفيةٍ وعُرقيةٍ وقوميةٍ تمنع قوى المقاومةِ من أن تصلَ إلى النصرِ النهائيِّ وتحريرِ فلسطين خصوصاً بعد الهزائمِ المتتاليةِ للاستكبارِ الأمريكي في العراقِ وأفغانستان وبعد فَشَلِ القضاءِ على قوى الممانعةِ لا من خلال الفتنِ الداخليةِ ولا من خلال الحروبِ المباشرةِ في تموز وفي غزة؟
إنني متأكِّدٌ بأن الصحوةَ الإسلاميةَ أمرٌ حقيقيٌّ وأن الجماهيرَ التي نزلت إلى الشارع هي جماهيرُ مؤمنةٌ مسلمةٌ تريدُ بناءَ الأمةِ من جديدٍ بشكلٍ يعيدُ لها كرامَتها وعزَّتَها والدليلُ هو نتيجة الانتخاباتُ في مصر وفي تونس حيث اختارَ الشعبُ بغالبيّتِهِ الساحقةِ القوى الإسلاميةَ لتمثيلِهِ في المجالسِ النيابيةِ. ولكن هذا لا يعني أن القوى الإستكباريةَ ستتركُ الأمورَ تسيرُ في الاتجاهِ الذي أرادَتْهُ هذه الجماهيرُ ومن هنا نحذِّرها وخصوصاً القياداتِ المخلصةَ والشبابَ من سرقةِ القوى الإستكبارية لانجازاتها وحَرْفِ الأمورِ عن مسارِها لصالحِ إعادةِ إنتاجِ قوى أمرٍ واقعٍ تتبنى نفس التوجهاتِ السياسية للأنظمة البائدة خصوصاً في مصر وتونس حيث السلطة ما زالت بيد الجيش والأجهزة الإستخبارية التي هي على مستوى أكثرية قياداتها صنيعة هذا الاستكبار ودرست في معاهده العسكرية والأمنية.
إن أخطرَ ما يجب أن تتنبهُ له القياداتُ الشابةُ والجماهيرُ المسلمةُ في دول الصحوةِ هي مسألةِ الفتنِ الداخليةِ سواءٌ الطائفيةُ أو العرقيةُ أو المذهبيةُ وما شهدناه في مصر في الأيامِ القليلةِ الماضيةِ من فتنةٍ ناتجةٍ عن التعصُّبِ الأعمى لفِرَقٍ رياضيةٍ لا يبشِّرُ بخيرٍ ويؤكِّدُ أن وراءَهُ أيادٍ خبيثةٍ افتَعَلَتْهُ لتعودَ الفوضى للشارعِ ولا تقومُ للدولةِ الجديدةِ قائمةٌ.
إن الصحوةَ الإسلاميةَ ليست ويجب أن لا تكونَ صحوةً طائفيةً بل إن المسيحيين في هذا الشرقِ هم جزءٌ أساسيٌّ من مجتمعاتنا كان ولم يزل لهم الدورُ الأساسُ في بناءِ حضارتِنا وأن المسَّ بهم هو مسٌّ بنا وبقِيَمِنا الإسلاميةِ ويجب أن يساهموا في النهضةِ الحاليةِ ويكون لهم دورٌ فاعلٌ في قيادةِ المجتمعاتِ نحو العدالةِ والحرِّيةِ والمساواة.
ثانياً: في مسألة الوضع السوري:
إن الحربَ الكونيةَ التي تُشَنُّ اليومَ على سوريا بقيادةِ الولاياتِ المتحدةِ الأمريكية وأوروبا خدمةً للكيان الصهيونيِّ هي نتيجةٌ للموقفِ المقاوم لهذه الدولةِ الرائدةِ في حَمْلِ همِّ تحريرِ فلسطين وهي العصيةُ على كل التهديداتِ الغربيةِ لها في التخلي عن هذا النهجِ من أيام الرئيس حافظ الأسد وإلى الرئيس بشار الأسد. يجب أن لا تأخذَنا العصبيةُ ولا الأخطاءُ التي ارتكبها بعضُ مَنْ في النِّظام معنا في لبنان نحو الحكمِ على الموقفِ من دون موضوعيةٍ. إننا مدركون بأن هذا النظامَ ليس نظامَ حكمٍ مثالياً بل أين الحكمُ المثاليُّ الذي لا أخطاءَ فيه في العالم كلِّه ولكن الذي يفرِّق نظاماً عن نظامٍ آخر هو الاعترافُ بالأخطاءِ والسعي لإصلاحِها وهذا ما فَعَلهُ سيادةُ الرئيس بشار الأسد وهو لم يطرَحْها اليومَ بسببِ الواقعِ الذي تمرُّ به سوريا بل منذُ اللحظةِ الأولى لتسلُّمِهِ مقاليدَ الأمور، لكنهم ولأنهم لا يريدون منه الإصلاحَ بل هو آخرُ همِّهِم لم يعطوهُ الفرصةَ لإنجازِهِ وشغلوهُ بمشاكلَ كثيرةِ منها اتهامُ سوريا بقتلِ الرئيسِ الشهيد رفيق الحريري إلى احتلالِ العراق إلى حربِ لبنان ثم حربُ غزة وسوريا كانت في كل ذلك في وسْطَ المعركةِ بل هي رأسُ حربتها.
لو أن الرئيس الأسد وافق كولن باول منذ البدايةِ على ما طرحَهُ عليه وباعَ المقاومةَ في لبنان وفلسطينَ وقطعَ علاقَتَهُ مع الجمهوريةِ الإسلاميةِ في إيران وسلَّم الأمريكان رأسَ المقاومةِ في العراقِ وسهّل إطالةَ أمدِ احتلالِهِ له، لما كان هناك مشكلةٌ لهم لا مع الفسادِ ولا مع الحرياتِ ولا مع أي شيءٍ آخرَ فهذه الديمقراطياتُ الغربيةُ المدَّعاة التي تتآلفُ مع الحكمِ الوراثيِّ المختصِرِ لشعبِهِ بشخصِ طويلِ العمرِ أو الذي يُطلِقْ بمناسبة طَهورِ أبن الملكِ المساجينَ ويُبقي مساجينَ الرأيِّ في أقبيتهِ يسهل عليها التآلفَ مع سوريا التي تنتخبُ مجلسَ الشعبِ فيها ورئيسَ بلادِها ومجالِسَها المحليةَ. إن الذي يغيظُ هو أن تحمُّل شبهِ دولةٍ مثلِ قطر مشروعَ القضاءِ على دورِ دولةٍ ذاتِ تاريخٍ وحضارةٍ عريقةٍ مثلِ سوريا هي قلبُ العروبةِ النابض. هذه الشبهُ دولة التي تظنُّ أن بأموالها يمكن أن تشتري ضمائرَ أمةٍ وتسعى لقيادتها في مشروعٍ يهدف للاعترافِ بالكيان الصهيوني.
إننا في دفاعنا عن سوريا لا ندافعُ عن أشخاصٍ ولا عن الظلمِ والفسادِ بل ندافعُ عن النهجِ الذي نتبناه في المقاومةِ والممانعةِ والتي يعبِّرُ عنها سيادةُ الرئيس بشار الأسد خيرَ تعبيرٍ ولو أن سوريا تركتْ خيار المقاومةِ وذهبتْ نحو النهجِ الأمريكيِّ ـ وهذا لن يحصل طبعاً ـ لَمَا كنا معها.
إن الوضع في سوريا اليومَ قد اتجه نحو الإرهابِ والعنفِ وتسعى الدولُ الراعيةُ للإرهابِ لإعطاءِ الطابعِ المذهبيِّ والطائفيِّ لِمَا يحصلُ وهذا جزءٌ من الحربِ يجب على الشعبِ السوريِّ أن يعيَ أن القضيةَ ليست قضيةً مذهبيةً أو طائفيةً إنما هي قضيةٌ سياسيةٌ مبتنيةٌ على صراعٍ بين نهجِ المقاومة ونهجِ الاستسلامِ وعليهم أن يحدّدوا مع أي نهجٍ يسيروا.
ثالثاً: في الوضع اللبناني:
ما زالت ثلاثيةُ الشعبِ والجيشِ والمقاومة هي الطريقةُ المثلى لحمايةِ بلدنا من الأطماعِ الصهيونيةِ وهي السبيلُ الوحيدُ المتاحُ لتحريرِ ما تبقى من أرضنا، وإذا ما رضيتِ المقاومةُ بأنْ تتركَ الفرصةَ للجوءِ المراهنينَ على المجتمعِ الدوليِّ إليه لإعادةِ أراضينا فهذا لا يعني بالضرورةِ أنها تعتقدُ بصوابيةِ هذا الرهان بل هي مقتنعةٌ تماماً بعدم جدواه وتجربتُنا مع القرار 425 خيرُ دليلٍ على ذلك. ويجب عليهم أن يُدركوا أن المقاومةَ لن تبقى على هذا الوضعِ طويلاً. ويهمنا في تجمع العلماء المسلمين أن نؤكِّدَ على أن الحوارَ هو السبيلُ الوحيدُ لوضعِ الحلولِ المناسبةِ للأزْمَاتِ التي يمُرُّ بها وطنُنُا شرطَ أن ينطلِقَ الجميعُ في أطروحاتهم من خلال تقديمِ مصلحةِ الوطنِ على أية مصلحةٍ أخرى.
ومن ناحية أخرى فإننا في الوقت الذي نؤكدُ فيه من خلال اطِّلاعِنا الميدانيِّ على أن الوحدةَ الإسلاميةَ بألفِ خير إلا إننا لن نألوَ جهداً في رَصْدِ أيةِ محاولةٍ لبعضِ الضالينَ أو العملاءِ لبذرِ بذورِ الفتنةِ وسنُجْهِضُ بإذنِ الله وبتعاونِ المخلصينَ هذه المحاولاتِ في مهدها.
إن علاقةَ لبنان مع الشقيقةِ سوريا يجبُ أن تكونَ علاقةً مميزةً يحكُمُها المصيرُ المشتَرَكُ وسوريا لن تكونَ يوماً عدواً للبنان، كما أن لبنانَ بفضلِ الوطنيينَ المخلصينَ والشرفاءِ لن يكونَ عدواً لسوريا بل شقيقاً يحمِلُ معها همَّ الدفاعِ عن العدوانِ المستمرِّ للكيانِ الصهيونيِّ، وإن الذي يبحث عن عداءٍ مع سوريا ويعمل على تهريب السلاح والمقاتلين لبثِّ الفوضى هناك فإنما يقدِّمُ خدمةً جليلةً للعدوِّ الصهيونيِّ الساعي لبثِّ الفُرقَةِ بين أقطارِ العالمِ العربيِّ كي يُطيلَ أمَدَ احتلالِهِ لأراضينا المقدسة.
وهنا يهمنا أن نؤكد على ضرورةِ استمرارِ الحكومةِ بعملها وعدمِ تعطيلها والبحثِ عن الحلولِ للتبايناتِ في الآراءِ وتقديمِ المصلحةِ العامةِ على المصالحِ الشخصيةِ الضيقةِ ويجب أن لا يغيبَ عن بالِ المسؤولينَ في زحمةِ المشاغلِ السياسيةِ الواقعُ الاجتماعيُّ الصعبُ الذي يعاني منه الناسُ.
رابعاً: على صعيد فلسطين:
ستبقى فلسطينُ القضيةَ المركزيةَ للأمةِ الإسلاميةِ وسنظلُّ نعمَلُ من أجلِ تحريرها حتى آخِرِ شِبْرٍ منها ولن نَسْمَحَ تحت أي عنوانٍ من العناوين بأن نُقِرَّ للصهاينةِ احتلالَهم لشبرٍ واحدٍ من أرضنا المباركةِ، وهذا الخيارُ ليسَ ضرباً من ضروبِ الخيالِ أو حُلماً عصياً على التطبيق، بل هو حقيقةٌ ووعدٌ إلهيٌّ سيتحققُ إن لم يكنِ اليومَ ففي الغد، وبالتالي فإننا نعمل كي تبقى هذه القضيةُ حيةً فينا نورِّثُها لأبنائنا. ونحن إن كنا لا نستطيعُ تحقيقَ هذا الوعدِ اليومَ فأبناؤنا سيحققونَهُ وأنْ نورِّثَهم قضيةً شريفةً خيرٌ ألفَ مرةٍ من توريثهم استسلاماً وهزيمة.
وفي هذا المجال فإن تجمع العلماء المسلمين يدعو حركتَيْ فتح وحماس لإتمامِ المصالحةِ بينهما وبناءِ المؤسساتِ وعلى رأسِها منظمةِ التحريرِ والمجلسِ الوطنيِّ والاستعجالِ في التوجهِ للانتخاباتِ النيابيةِ والرئاسيةِ فالصهاينةُ يستغلونَ خلافاتِنا وانشغالَ امتنا بالربيعِ العربيِّ ويسِّرعون في القراراتِ المتعلِّقةِ بالاستيطانِ والقدسِ ويهوديةِ الدولةِ للقضاءِ على القضيةِ الفلسطينيةِ.
وفي هذا المجال نحذِّرُ من محاولاتِ إيقاع فتنةٍ داخليةٍ لا يستفيدُ منها إلا الاحتلالُ وندعو الفصائلَ كافَّةً للوحدةِ من أجل الخروجِ من التجربةِ الصعبةِ التي يمرُّ بها الشعبُ والقضية الفلسطينية.
خامساً: على الصعيد العراقي:
إننا في تجمع العلماء المسلمين إذ نهنّئُ الشعبَ والمقاومةَ العراقيةَ على الإنجازِ التاريخيِّ المتمثِّلِ بإخراجِ المحتلِّ الأمريكيِّ من دونِ تقديمِ أيةِ مكتسباتٍ سياسيةٍ ندعو الحكومةَ وأطيافَ الشعبِ إلى التنبُّهِ للمؤامراتِ التي ستَحِيكها الولاياتُ المتحدةُ انتقاماً لهذا الخروج الذليل، وإن الطريقَ الوحيدَ لمواجهةِ هذه المخاطرِ هو في اجتماعُ كلِّ المخلصينَ من أبناءِ الشعبِ العراقيِّ على موقفٍ واحدٍ يؤكد على الوحدةِ الوطنيةِ وبناءِ الدولةِ المستقلةِ غيرِ الخاضعةِ للإملاءات الأمريكية، ويهمُّنا أن نحذِّرَ من العملياتِ الانتحاريةِ التي تنالُ من المساجِدِ والحسينياتِ والمقاماتِ المقدسةِ والمستضعفينَ من أبناءِ الشعبِ العراقيِّ والتي تصبُّ في خدمةِ أعداء أمتنا والذي يقومُ بذلك بغضِّ النظر عن الجهةٍ التي ينتمي إليها هو إما ضالٌ أو عميلٌ. وفي هذا المجال نحذِّرُ من وجودِ معلوماتٍ متواترةٍ حول دورٍ أساسيٍّ للموسادِ الصهيونيِّ الموجودِ في شمالِ العراق في التفجيراتِ والاغتيالاتِ ذاتِ الطابعِ المذهبيِّ فالمشروع الصهيونيُّ الأمريكيُّ اليومَ يقومُ على ركنٍ أساسيٍّ وهو الفتنةُ المذهبيةُ في كلِّ بلدٍ من بلادِ المسلمين وخصوصاً لبنان وسوريا وإيران والعراق.
سادساً: على الصعيد الإيراني:
إننا إذ نهنئُ القيادةَ الإيرانيةَ على الإنجازاتِ العلميةِ الضخمةِ التي كان آخرَها إطلاقُ القمر الصناعي، نعتبرُ أن خطابَ سماحة السيد القائد آية الله العظمى الإمام الخامنائي في خطبةِ الجمعة الأخيرةِ يمثِّل مشروعَ استنهاضٍ للأمةِ يجب تحويلُهُ إلى ميثاقِ عملٍ ونهجٍ في تطبيقِ الوحدةِ الإسلاميةِ وترشيدِ الصحوةِ الإسلاميةِ. ويهمنا أيضاً أن نشكرَ الجمهوريةَ الإسلاميةَ الإيرانيةَ على كلِّ الدعمِ الذي قدَّمَتْهُ لنا وما زالت وآخرُها العرضُ الذي قدَّمهُ سعادةُ سفير الجمهورية الإسلامية لإخراجِ البلدِ من أزمتِهِ الكهربائيةِ والتي نستغربُ أنْ لا تلقى آذاناً صاغيةً ما يُشعرُنا بعدم امتلاك حكومتِنا لقرارها. ونحن مع الجمهورية الإسلامية في وجهِ الهجمةِ الصهيونيةِ الأمريكيةِ الأوروبيةِ لمنعها من امتلاكِ التكنولوجيا النووية التي هي حقٌّ طبيعيٌّ لكلِّ شعوبِ العالم.
سابعاً: في الوضع في البحرين:
إن الشعبَ المظلومَ في البحرينِ يعاني اليومَ من عمليةِ تصفيةٍ بطيئةٍ تقضي على آمالِهِ في الحريةِ والديمقراطيةِ وهذا المجتمعُ الدوليُّ الظالمُ لا يجد هناكَ انتهاكاً لحقوق الإنسان ويغضُّ النظر عن كلِّ الجرائمِ التي تُرْتَكَب. إن هذا المجتمعَ الدوليَّ الذي يحشِدُ طاقاتِهِ في سوريا التي فيها برلمانٌ منتخبٌ لإسقاط الحكمِ هناك بينما في الوقت عينِهِ يدعمُ العائلةَ الحاكمةَ في البحرينِ التي ليس فقط لم تُنْتَخَبْ من الشعبِ بل لا يعترِفُ الشعبُ بولايتها عليه.
أخيراً نشكُرُ لكم حضورَكُم وتشريفَكم لنا على مائدةِ رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، مائدةِ الوحدةِ الإسلامية، وندعو الله أن يوفقكم وإيانا لما فيه مصلحةُ الإسلامِ والمسلمين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته وكل عام وأنتم بألف خير.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق