:: شبكة الإنترنت للإعلام العربي - أمين ::
رمضانيات المذهب الثالث في (بورما)
بقلم: أحمد إبراهيم
أحال القتل والفتك وسفك الدماء في سورية، دون رفع الستار
الكامل (كما يجب) عن المذهب الثالث في (بورما)، وبالأخص عن ولاية (راخين) الواقعة
غرب (ميانمار)، بغالبية العظمى للبوذيين (خمسين مليون) ولا بأقلية السواد
الأعظم للمسلمين (عشرة ملايين) .. لأن المذاهب ونسيجها بين الغوغائيين ومتخلّفي العقول، لايختلف غزله وحياكته عما يُحاك للجنس الثالث بملاهي وأندية الشواذ، ينتمي للجنس الأول أولا،
ثم للثاني ثانيا، وهو يبقى مترنّحا يبحث عن جنس ثالث ورابع وخامس الى ما لانهاية، لأنه
لا يعرف جنسه فلا جنس له، ولا يعرف مذهبه فلا مذهب له!
التاريخ يعيد نفس مسرحية الحرب العراقية الإيرانية، كان يتم فيها قتل المسلمين بإسم الإسلام بكل فخر وكبرياء، يفتخر كل طرف بشموخ وغرور، إرتفاع عدد القتلى لدى الطرف الآخر على أنه نصرٌ وفتحٌ وإنجاز .. وكنا نغضّ فيها السمع والبصر والفؤاد عن بنادق (الصّرب) وحمم نيرانهم تصبُّ فوق رؤوس المسلمين في بوسنة وهرسك .. الأسطوانة ذاتها اليوم بذبذباتها على سورية: ( سيطرنا على دمشق..! وإنسحبنا من دمشق..!)، والقاتل والمقتول كلاهما يرددان (الله أكبر).! والضحية الشعب السوري على حساب العدادات الإلكترونية لفضائيات مشبوهة، تتنافس في تقديم أكبر أعداد للقتلى والجرحى لهذا الشعب المظلوم من دمشق الى درعا، كما كان لذلك الشعب المظلوم من بصرة لبغداد.!
(سورية سورية..!) فلم نسمع الا عابرا من منظمة العفو الدولية، وبعض فضائيات أجنبية نعتبرها معادية، أن اخوةٌ لنا وأخوات في الدين والعقيدة ببورما (ميانمار)، يصومون صيامنا يقيمون قيامنا يصلون صلاتنا ويتلون كتابنا .. إلا انهم في ليال رمضانية هذا العام، وفي حين نحن نستلذّ بما لذ وطاب وإزدان بخيمنا الرمضانية، وهم يُذبحون بالسكاكين في حفلات موت جماعية، ويُحرقون بمحارق النازية (البرمية)، تهدم البيوت عليهم، بل وقرى بأكملها أحرقت أو دُمّرت فوق رؤوسهم وأُغتُصبت نساؤهم.!
فمنذ ان سُيّر قطار الموت من إقليم (أراكان) ذات الأغلبية المسلمة، وبالتحديد من محطته الأولى بمدينة (رانجون)، ترصّدت منها مجموعة بوذية للعائدين من العمرة (عشرة من وعّاظ وائمة المساجد) ضربهتم حتى الموت، بتهمة مقتل شابة بوذية، تهمة ملفّقة بتواطئ علنى ومكشوف مع رجال الامن والنظام العسكري الحاكم .. هذا القطار لم يتوقف لحد الآن، رغم تجاوز عدد قتلى المسلمين فيه سبعين ألفا في سبعة أيام.!
البوذيةُ التي لامستها يوما لم ترعبني، معايشتي للمذهب البوذي عن قرب كان في تايلندا عام 1987، دينٌ يطلب الرفق بالحيوان قبل الانسان، رجال دينهم دراويش يمشون من العواصم والمدن إلى القُرى والأرياف بملابس متواضعة حاملين اكياس الطعام والشراب للفقراء الجياع .. لو إفترضناها البوذية المذهب الأول في برما والإسلام المذهب الثاني، فإن الطابور الثالث في شوارع ميانمار لايبدو بالفقه البوذي، إنه طابورٌ ثالثٌ يصل عادة بلا تأشيرات وجوازت سفر أينما وحيثما نزاعٌ بين أبناء آدم وحواء على كوكب الأرض، يصله بالفأس والساطور والسكاكين، وبالفقه والتشريع الغوغائي المؤسس للمذهب الثالث.
المساحة الشاسعة بين إبنى آدم (هابيل وقابيل) ليتجها بالتعايش السلمي نحو الأطراف الأربعة للبناء والتعمير في الكون كله ولو بمذهبين، كان قد قطع عليهما مذهبٌ ثالثٌ طردهما من الجنة ثم وصل قبلهما على الكون، يراهما ولا يرونه، فكانت إراقة القطرة الأولى لدم الإنسان على يد أخيه الإنسان، هذا المذهب الثالث هو ذاته وصل قبلنا العراق وسورية وباكستان وافغانستان وعواصم أخرى، ويصل حيثما أراد الإنسان معايشة أخيه الإنسان بسلام.
أفشلوا على هذا المذهب خلسته الى مليار مسلم يتفرجوا على عشرة ملايين مسلم في برما وهم يُقتلون.! إنهم مسلمون بأصول من الجزيرة العربية، هاجرت إلى الصين عبر أندونيسيا تجارا وملاّحون حاملين راية السلام الإسلامي، أوصلت كلمة (لا إله الا الله) الى أقصى شرق الكرة الأرضية، فأهتدت تلك الزواحف الآسيوية بالدين الإسلامي الحنيف (الدين المعاملة) .. عشرة ملايين من اصل خمسين مليون سكان برما مسلمون، لكنهم الآن تحت حمم النيران والباردو والسكاكين.!
(برما) تلك المنطقة المخيفة، زرتُ أطرافها ولم أدخلها، قبل عشرين عام كنت شمال الصين وجنوب خليج البنغال وتايلند، وقبل خمس سنوات كنت غربها بنغلاديش، رغم اني تعلمت أيام مراهقتي فنون لعبة الكراتية على الطريقة البرمية (باندو) وعلى يد مدرب من برما إسمه (طائي) والذي شجعني الدخول في فنون قتال برما (باندو)، دون الدخول في الحدود الجغرافية لبرما .. وأكّد لي "مسترطائي" ان المسلمين هناك فريسةً الفقر والقمع والتهجير من قبل الحكومة التي تمارس أبشع صور الاضطهاد الديني والعرقي ضدهم، باعتقالهم وتعذيبهم وإجبارهم على أعمال شاقة دون أجر بالطرق الوعرة والخنادق الجبلية، بالإضافة إلى مصادرة أوقاف المسلمين وأراضيهم الزراعية. ومنعهم من الاستيراد والتصدير أو ممارسة الأعمال التجارية .. ووضع العقبات أمام دراسة أبناء المسلمين علوم الشريعة، ومنعهم من الزواج، وإلزامهم بتحديد النسل وغيرها من سياسات ممنهجة.
هذا المذهب الثالث يكمُنُ في المنهجية البرمية منذ عقود، لكن ولماذا هذا التحول المفاجئ من التستّر إلى التشهير؟ تمزيق وحدتنا إسلاميا وعربيا هو السبب؟ أم أن الربيع العربي اينما حلّ بالغليان، حلّ بعده الفوضى والعصيان؟ أم لحاجة في نفس يعقوب، لم يكشفوها أخوة يوسف بعد بالجهروالكتمان ولا بالقصر والميدان.؟
* كاتب إماراتي. - ui@eim.ae
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق