الاثنين، يناير 17، 2011

جريدة الراي - قضايا - هل تشق «الشيعية الثالثة»... طريقا مستقلا في الحياة السياسية اللبنانية؟ - - 17/01/2011

جريدة الراي - قضايا - هل تشق «الشيعية الثالثة»... طريقا مستقلا في الحياة السياسية اللبنانية؟ - - 17/01/2011

«الراي» تسأل علمانيين ورجال دين مع استمرار «احتكار» القرار من جانب «حزب الله» وحركة «أمل»
هل تشق «الشيعية الثالثة»... طريقا مستقلا في الحياة السياسية اللبنانية؟

الشارع اللبناني مزدهر سياسياً



بيروت- من ريتا فرج

كثيراً ما تطرح تساؤلات عن طريق ثالث بين ثنائيات سياسية أو دينية أو اقتصادية، ولكن طرح قضية الشيعية السياسية بمعناها الأعم، ومعالجة مدى حضور «الشيعية الثالثة» في لبنان بين الثنائي «حزب الله» وحركة «أمل»، تتطلب مؤشرات متعددة تساعد في رسم خريطة التيار المستقل الذي قد يرسم ملامحه في مراحل لاحقة بناء على رؤية سياسية أو مدنية تجمع بين أطراف التعدد.
وقبل الحديث عن الشيعة المستقلين واللامنتمين الى الأحزاب الشيعية الراهنة، التي تصادر كما يؤكد البعض حق القرار الوطني لدى فئات صامتة شيعية وغير شيعية، تأتي الصحوات الشيعية السياسية من المحيط الى الخليج لتطرح أسئلة تاريخية ومعاصرة شديدة التعقيد. والأهم أن ما يسمى النهوض الشيعي الذي قاربه الكاتب وليّ نصر في أطروحته الشهيرة «صحوة الشيعة» والذي بدأ يتمركز بفاعلية أكبر بعد سقوط نظام صدام حسين العام 2003 يقلق العديد من الدول المجاورة للعراق والبعيدة منه. وإذا انتقلنا من العام الى الخاص، أي من الصحوة الشيعية الراهنة الى الثنائية الشيعية في لبنان، والتي ما برحت حتى اللحظة في حال من التنامي والتعملق العابر للدولة وحتى لفئات النسيج اللبناني، فاننا نصادف أسئلة أشد تعقيداً، وخصوصاً أن الطريق الثالث الذي قد يسلكه الشيعة المستقلون، يتقاطع مع أدق اللحظات التي يمر بها لبنان تحت عنوان عريض هو «القرار الاتهامي في جريمة اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري وتداعياته المرتقبة» ليس على «حزب الله» فقط وإنما على الجميع.
حين يدعو «حزب الله» اليوم الى مقاطعة المحكمة الدولية على خلفية التسريبات القائلة بتورط بعض عناصره في جريمة رفيق الحريري ورفاقه، وحين يطالب قادة حركة «أمل» بعدم تسييس المحكمة وقرارها المفترض صدوره، تُثار علامات استفهام حول موقف الفئات الشيعية الأخرى من المحكمة وصنع القرار وبناء الدولة والتعددية السياسية، فهل يمكن الرهان على «شيعية ثالثة» أو مستقلة؟ ومن هم ممثلوها؟ والى أي مدى يقتربون من بناء الدولة الحديثة؟ وهل هم قادرون على التعبير عن هواجسهم؟ وأين موقع رجال الدين المستقلين من الثنائية الراهنة؟ وهل تنفع الوسطية في التسويات المفصلية؟ والى أي حد يمكن الحديث عن الفئة المدنية الوطنية عند الشيعة وسواهم؟ هذه الأسئلة وغيرها حملتها «الراي» الى كل من السيد محمد حسن الأمين، والسيد هاني فحص، ومؤلف كتاب «دولة حزب الله لبنان مجتمعاً إسلامياً» الدكتور وضاح شرارة، وأستاذة علم الاجتماع في الجامعة اللبنانية الدكتورة منى فياض.

أكد العلامة السيد محمد حسن الأمين أن «الشيعية الثالثة» لم تتشكل على مستوى التنظيم، ولكن هذه الفئة لها خياراتها الوطنية التي توضع تحت عنوان أساسي هو سيادة لبنان وبناء الدولة. ورأى أن رجال الدين المستقلين عن الشيعة يحظون بتأثير «لدى أطراف معينين»، مشيراً الى أن التطرف في الخطاب السياسي قد يعرقل الدور «الوازن».
• يجري اليوم الحديث عن شيعية سياسية في لبنان، الى أي مدى يمكن القول ان هناك «شيعية ثالثة» وسط ثنائية «حزب الله» وحركة «أمل»؟
- الكلام على اتجاه شيعي سياسي ثالث خارج تنظيمي «حزب الله» وحركة «أمل» هو كلام على اتجاه افتراضي وهو افتراض صحيح، إذ إن الشيعة ليسوا كلهم من هذين الطرفين، ولكن في الوقت نفسه فإني لا أستطيع الكلام على تجمع أو لقاء أو تنظيم لهذه «الشيعية الثالثة» رغم اتساعها ووجود فئات كثيرة في الاجتماع الشيعي تمثلها. ويمكن أن نحدد بعض الملامح لهذا الاتجاه بالقول إنهم الشيعة الأكثر لبنانية الذين يراهنون على قيامة لبنان المستقل والسيد، ويراهنون في اللحظة الحاضرة على قيام الدولة اللبنانية، ولبنان وطن نهائي للشيعة كما لغيرهم من اللبنانيين، وأي خسارة لهذا الوطن كارثة حقيقية. ولعل حرص هذه الفئة الثالثة على لبنان واستقلاله يجعلها بعيدة من إنشاء تيار سياسي يزيد من عدد التيارات المتصارعة في هذا البلد. ويمكن القول إن هؤلاء الشيعة غير المنتمين لأي ثنائية هم حزب الدولة إذا صح التعبير، وبالتالي فهم يؤيدون رئيس الجمهورية الذي يعمل بصورة واضحة على التسوية والمحافظة على أسس الدولة ومؤسساتها.
• لم تنفصل حركة التشيّع طوال تاريخها عن المسار السياسي للأئمة ورجال الدين الشيعة. أين هم اليوم من الاتجاه غير الموالي للثنائية الراهنة؟
- علماء الدين الشيعة هم فئة مهمة من الجسد الشيعي، وكما أن الشيعة منخرطون في تيارات سياسية، فإن كثيراً من رجال الدين منخرطون في التيارات السياسية نفسها، ولكن قسماً كبيراً من رجال الدين ينظرون الى هذا الانقسام بحذر ويحاولون أن يؤسسوا لمواقف مستقلة غير عنيفة أو متحيزة وقادرة على إيجاد القواسم المشتركة بين الأحزاب الشيعية من جهة والاتجاه المستقل الذي يمثلونه من جهة اخرى. وفي تقديرنا أن لهؤلاء العلماء تأثيرا لا بأس به على الأطراف المعنيين، من دون أن يصل بهم الأمر الى تكوين تيار سياسي.
• ولكن لماذا حركة رجال الدين في النجف وقم تبدو أكثر فاعلية في المجال السياسي؟
- ثمة اختلاف كبير بين العراق وايران ولبنان، فالشيعة في لبنان لا يمثلون الأكثرية المطلقة، وبالتالي فإن توجههم السياسي يستند الى الاعتراف بشركاء حقيقيين في البلد، وعليه فإن اللون الشيعي في الاجتماع اللبناني لا يمكنه أن يكون طاغياً على الالوان الأخرى، في حين ان الشيعة في العراق وإيران هم الأكثرية التي تشعر باستمرار بأنها مضطرة الى ابراز هويتها وشراكتها المتفوقة في السلطة وفي التخطيط لمستقبل كل من البلدين.
• الثنائية الشيعية بنت نفوذها السياسي والاجتماعي. الى اي حد يمكن الرهان على المستقلين من الشيعة في ظل تنامي نفوذ «حزب الله» وحركة «أمل» داخل الدولة وخارجها؟
- في ظل الاصطفافات الحالية وسيطرة الأحزاب والتيارات اللبنانية على الدولة وعلى السلطة معاً، فإني لست متفائلاً بأن في إمكان أطراف كالشيعة المستقيلن، أن يكون لهم دور وازن وفاعل في بنية الدولة وفي الاجتماع السياسي بصورة عامة. ويبدو أن التسويات التي تحصل حالياً هي انتاج لثمرات موازين القوى السياسية ذات العلاقة المباشرة بالسلطة. وبعبارة أخرى فإن الشيعة المنتظمين سياسياً هم الأكثر فاعلية عند طائفتهم.
• التشيّع في معناه السياسي والتاريخي مثّل حركة الاعتراض والنقد. هل ترى أن هناك انحرافا نوعيا عن المسار خصوصاً إذا ما تمت مقارنته باحتكار القرار الشيعي في لبنان؟
- «حزب الله» وحركة «أمل» يمثلان الى حد كبير هذا المسار الاعتراضي التاريخي، ولكننا نختلف معهم في أن نزعة الاعتراض الشيعي نشأت تاريخياً في مواجهة القوى التي استهدفت التشيع ولم تسمح للشيعة بان يكونوا كغيرهم من المذاهب. وفي لبنان فإن نزعة الاعتراض الراهنة لا مبرر لها، فالشيعة قادرون بكل بساطة على أن يكونوا جزءاً حيوياً وفاعلاً في المكوّنات الوطنية، ولا حاجة لاستحضار تاريخ الاعتراض والممانعة الى الحد الذي يؤثر في الامكانات المشتركة بين اللبنانيين. لبنان فرصة للشيعة ليظهروا قدرتهم على العيش المشترك وليظهروا حقيقتهم التي لا يمكن تلخيصها فقط بانهم ممانعون ومعترضون. الشيعة في لبنان كانت معارضتهم وممانعتهم بسبب عدم الاعتراف بهم، أما عندما يُعترف بهم فلا حاجة الى هذا العصب الاعتراضي الممانع.
• الى أي حد تحتل أدبيات الشيخ محمد مهدي شمس الدين في شأن بناء الدولة وولاء الشيعة للبنان حيزاً عند «الشيعية الثالثة»؟
- التعبير عن التوافق الشيعي مع الدولة وجد في مراحل متعددة وربما كان ذلك واضحاً في رؤية المرحوم الشيخ محمد مهدي شمس الدين، وهو واضح في هذه النزعة التصالحية بين الشيعة المستقلين والدولة. ولكن عندما نلاحظ أن النمط الطائفي والمذهبي هو السائد في السياسة اللبنانية، فإننا نلاحظ معه تراجع الدعوة الى مجتمع المواطنَة الذي يتساوى فيه الشيعة المستقلون مع بقية الأحزاب اليسارية او العلمانية الاخرى، ولبنان اليوم يشهد تراجعاً لهذه الأحزاب ولغيرها من دعاة إلغاء الطائفية السياسية وإرساء قواعد مجتمع المواطنة. ليس الشيعة المستقلون وحدهم مغبونين في هذا النظام بل هم كغيرهم من الذين يتبنون الرؤية نفسها مغبونون في النظام السياسي الطائفي السائد.
وتحت شعار الوسطية حدد العلامة السيد هاني فحص معالم «الشيعية الثالثة»، رافضاً «معارضة الشيعي بالشيعي أو السني بالسني»، ومؤكداً أن الخيار الوطني قادر على جمع كل مكونات المجتمع اللبناني الذي يحتاج الى تسويات معتدلة.
• تتخذون اليوم موقفاً وسطياً في ما يتعلق بالشأن السياسي والديني. الى أي مدى يمكن الوسطية أن تنجح وتتراكم مفاعيلها وسط الثنائية الشيعية في لبنان؟
- الوسطية خيار معرفي أساساً، بصرف النظر عن السياق السياسي العام. الوسط هو المكان الأنسب لمراكمة المعرفة واكتساب الحقائق عبر الشراكة، لأن الوسطية تلغي العوائق بينك وبين الآخر معرفياً. أما الوسطية كنهج سياسي فهي تكاد تكون في التاريخ سُنّة أو قانونا، لأنها تنزع نحو الاعتدال والتسوية، ومن دون التسويات يتعطل التاريخ والحياة والمعرفة، والتسوية كما يقول كمال جنبلاط هي الحق والحقيقة. الوسطية هي الأدوم والأبقى، وهي الاكثر التزاماً بالصبر والثقة بالمستقبل. من هنا فالتطرف يزعجني بما يترتب عليه من خسائر، ولكن في النهاية الوسطية هي التي تنتصر، وإن كنا في حاجة هذه الايام الى رفع الوسطية والاعتدال الى مستوى اعلى.
• «حزب الله» يلجأ الى المقدس لتعزيز سلطته ونفوذه عند الجمهور الشيعي. أي فاعلية للمقدس وسط تراكم المنزلقات؟ وهل الخط الشيعي الثالث قادر على مواجهة نزعة تقديس السياسي؟
- إن المقدس المتفق على قدسيته لا يمكن استخدامه في التعصيب وإلغاء الآخر أو الغلبة على الأخرين، والذين يستخدمونه الآن عند كل الحركات الإسلامية في شكل يومي وتحريضي، يمارسون لعبة خطيرة، والخطورة هنا تكمن في أن الحاجة السياسية تدفع الى اختراع مقدسات والى تقديس غير المقدس. وفي رأيي المسألة ليست مسألة المستقلين الشيعة او السنة أو المسيحيين، بل المعضلة تتمثل في معنى الاندماج وسلم الاولويات المرسوم بدقة، بدءاً بمبايعة الأمام علي لأبي بكر على أساس مبدئي وانتهاء بالعيش المشترك الذي شهدناه في كل اوطان التعدد العربي.
• الى أي مدى يمكن الرهان على شيعية سياسية معتدلة؟
- لست من دعاة معارضة الشيعي بالشيعي أو السني بالسني، أنا من دعاة العودة الى مشروع وطني جامع يحترم خصوصيات الأطراف. وتجربتنا في المؤتمر الدائم في الحوار اللبناني تحتاج الى اعادة انتاج هذه التجربة وتحتاج الى تأسيس كتلة تاريخية متعددة المشرب والتجربة والمنشأ كي تشكل رافعة وطنية.
• هل الوسطية قادرة على التحقق مقارنة بالخطاب الطائفي من جهة والالغائي للتعدد في الوسط الشيعي تحديداً من جهة اخرى؟
- الوسطية خيار مركب وصعب، وبقدر ما هو مركب فهو ناجع، وهو أقرب الى زراعة النخل التي تحتاج الى وقت طويل كي تثمر. الآخرون يزرعون ما هو آني ويومي وعصبي وفئوي. التطرف لا يحتاج لا الى علم كثير ولا الى دين كثير، في حين تحتاج الوسطية والاعتدال الى الكثير من هذه الأمور. المشهد اللبناني اليوم للمتطرفين، والاعتدال وراء التطرف، وهو في عمق النسيج الاجتماعي ينتظر فرصته من دون انتهازية والتطرف سوف يصل الى نهايته عاجلاً أم آجلاً، وهذه ليست مسألة شيعية فقط، هي مسألة عامة، وغاية الأمر أن هناك لحظة شيعية أكثر كثافة وقلقاً وتوتراً تحتاج بالضرورة الى الحكمة والاعتدال.
ونفى الدكتور وضاح شرارة وجود ثنائية شيعية، لافتاً الى أن القوى المدنية هي التي تملك مشروعاً وطنياً «يختلف عن مشروع الخمينية في لبنان». وأكد أن كل الجماعات الدينية في لبنان تتجه نحو التطرف، موضحا ان «حزب الله» لو كان مشكلة لبنانية فقط لما تمت مصادرة القرار الوطني عند الشيعة وغيرهم.
• أين التيار المدني الوطني اليوم من الثنائية الشيعية؟ وهل هو قادر على تأسيس مشروع بديل؟
- الثنائية هذه ليست ثنائية فعلية، إنما هي حزب واحد مسيطر يمنع التعبير عن أي اختلاف سياسي عند الشيعة، ويحاول أن يمنع الاختلاف داخل لبنان. وبالتالي الرابطة السياسية والوطنية الوحيدة الجائزة والمقبولة بالنسبة الى هذه الثنانية، أن العدو الاسرائيلي هو المشترك بين كل الاطراف، وعدا ذلك لا يمكن الحديث عن مشتركات بين «حزب الله» والعديد من الاطراف السياسيين اللبنانيين. «حزب الله» اليوم هو فرع من فروع هذا التمدد الممانع للغرب ولاسرائيل في العالم الاسلامي، والأخطر من هذا أنه يضع الشيعة في المواجهة، سواء الموالين له أو معارضيه، وعلى هذا أفضل الحديث عن قوى فكرية وثقافية وسياسية تملك مشروعاً وطنياً يختلف عن مشروع الخمينية في لبنان، الممتد في كل الدوائر حول إيران والشرق الأوسط وافريقيا وأميركا اللاتينية. المرتكز الاساسي للثنائية الشيعية في لبنان، وربما خارج لبنان ما عدا بعض الاستثناءات في العراق وافغانستان وباكستان والمهاجر العربية والاسلامية، هو التأثير والسياسة الايرانيان على امتداد هذه المسارح. هذه الثنائية ليس لها إلاّ دورا تمويهيا يسمح للسياسة السورية أحياناً بأن تؤدي دوراً مستقلاً عن الدور الايراني، وفي المقابل يوهم بعض الشيعة بمشروعات اقليمية وداخلية وهمية، وبالتالي يبدو دور القوى المدنية الوطنية التي هي في رأيي أكثر فاعلية في المستقبل هامشياً أمام القطب الطاغي والمخيف.
• كنت من أبرز الشخصيات معارضة لاطروحات «حزب الله» في لبنان. هل القوى الشيعية الأخرى قادرة على مقارعة نفوذ الحزب وسط غياب أي طرح بديل؟
- هذا الأمر لا يخص الشيعة وحدهم، ولكن المسألة أن بعض الشيعة ينظرون الى «حزب الله» الخميني من موقع الهوية، وهذه ليست حالي عندما أتحدث عن دور الشيعة من معارضي «حزب الله» ونفوذه. الدور الوطني والهم الوطني وقيام الدولة تعني كل الاطراف والافراد المدنيين الوطنيين. والأخطر ان غالبية مكونات المجتمع اللبناني تربط بين هويتها الدينية وعملها السياسي، ثمة رابط سوسيولوجي بين الطائفية والسياسة، وفي هذا السياق من مصلحة الجماعات الدينية ألا تمتلك أي جماعة في لبنان مشروعاً تقدمياً يخفف من العصبية والتطرف وسياقات الغلبة.
• أشرت الى أن القوى الوطنية المدنية قادرة على تشكيل نسق وطني جامع. عمليا،ً هل في إمكان «الشيعية الثالثة» تحديداً التصدي للخطاب المقدس والاقصائي الذي يتبناه ما تسميه الحزب الواحد؟
- لابد من التوضيح أن «حزب الله» ليس ظاهرة لبنانية، عناصر هذه الظاهرة ونشاتها واستمرارها واستقرارها هي جزء فرعي من اطار عريض يتضمن نزاعات عربية _ اسرائيلية، ونزاعات عربية _ غربية. هذه العصبية الشيعية عند «حزب الله» ليست وليدة الداخل، انما هي وليدة الصراعات القديمة. أما الحديث عن الخطاب المقدس وكيفية التصدي له عن القوى الوطينة بصرف النظر عن هويتها، فإن ظهور مثل هذه العصبيات الدينية التي توظف المقدس او الديني لمصلحة السياسي، ناتج من عامل أساسي هو عامل غياب الدولة الحديثة. «حزب الله» مثل الخمينية عموماً ومثل التيارات الاسلامية الراديكالية جاء كرد على الانحطاط والحداثة، ولهذا نشهد سطوة المقدس داخل المجتمعات التي لم تستطع أن تكون ذوات سياسية فاعلة في العالم الحديث، فإستعانت بالاحياء الديني كعلاج لتأخرها، من دون أن تقدم هذه التيارات او الحركات الدينية الراديكالية مشروعاً موحداً، ولهذا يمكن الحديت عن إسلام فارسي واسلام عربي، والمقدس هو جزء من الدول الامبراطورية القاهرة.
• القسم الأكبر مما يمكن تسميته «الشيعية الصامتة» غير قادر على التعبير لأسباب متشابكة. ألا تتحمل الدولة جزءاً من نمط الغلبة والعصبية السائدة سواء عبر احتكار القرار الشيعي أو اقصاء القوى الاخرى؟
- لو أن «حزب الله» مشكلة لبنانية لما كان هناك مصادرة للقرار الوطني، ولما كان هناك شيء اسمه «حزب الله» أو حركة «أمل». في رأيي ان عوامل الأزمة ترتبط بالسياق الاقليمي، خصوصاً أن الأنموذج اللبناني لم يتجه طوال تاريخه نحو الطابع الديني أو السلطاني، ولكن هذا لا يمنع أن التأسيس لدولة حديثة، يجنب لبنان بكل جماعاته ومكوناته العديد من الاخطاء والرهانات والانزلاقات، والذي يجعل الشيعة اليوم في الواجهة، وأقصد الاطراف الموالين للحزب الواحد، أي «حزب الله» وحركة «أمل»، انهم مأخذون بالقوة والغلبة نحو مشروع اقليمي، ما يجعلهم الاكثر حضورا في المشهدين الداخلي والخارجي.
وتحدثت الدكتورة منى فياض عن الاستبعاد التدريجي للفئات المدنية والعلمانية من صنع القرار، واوضحت أن «الشيعية الثالثة» تحتاج الى حركة سياسية منظمة ومتراكمة، بعد إجهاض التجارب السابقة «التي قام بها بعض المستقلين من الشيعة وفي مقدمهم حبيب صادق».
• بين الثنائي «حزب الله» وحركة «أمل» أين هم الشيعة المستقلون و العلمانيون؟
- قبل الحديث عن شيعية ثالثة أو مستقلة، لابد من التأكيد أن العلمانيين في كل فئات المجتمع اللبناني، مضطهدون ومستبعدون من أي قرار في السلطة. التيار العلماني والمدني ليس له وجود في المشهد السياسي اللبناني الراهن، وهذه الظاهرة لا نجدها عند الشيعة فقط، بل هي عابرة لكل مكونات المجتمع اللبناني، وإن بدت حاضرة بكثافة عند الشيعة بسبب الثنائية التي أشرت اليها. وفي رأيي أن التراكم التاريخي هو الذي جلب هذه الممانعة الداخلية ضد الدولة والتعدد في الخيارات السياسية، وإلاّ ما معنى المعارضة التي تبديها بعض القوى حيال علمنة الدولة بالمعنى الحقيقي، والتي بدأت فعلياً منذ الثمانينات. ما يحتاج اليه الطرف الشيعي الثالث ليس الأفكار فقط، إنما المطلوب حركة سياسية متراكمة وفاعلة، ما يؤدي الى تقوية القوى التي تتبنى خيارات الدولة الحديثة، ليس عند الشيعة فقط بل عند كل الطوائف، وهذه المسألة تحتاج الى تنظيم، وإعادة هيكلة، خصوصاً إذا تمت مقارنتها ببعض التجارب السابقة التي قام بها بعض المستقلين من الشيعة وفي مقدمهم حبيب صادق.
• غالبا ما تجري المقارنة بين الشيعة ومشروع بناء الدولة. الى أي مدى تعمل الفئات الشيعية المستقلة على بناء دولة حديثة في ظل الجدل الدائر حول الدويلات؟
- لم يعارض الشيعة فكرة بناء الدولة الحديثة، بل على العكس مشروع الدولة يحميهم، والخيارات الوطنية الجامعة تحميهم. وفي رأيي أن «حزب الله» وحركة «أمل» لا يمتلكان طبقة داخلية مثقفة قادرة على تحديد مسار العلاقة بالدولة الحديثة وكل المكونات الداخلية، وهذه الظاهرة نجدها في شكل أو في آخر عند بقية الاحزاب اللبنانية. المثقف السني مثلاً يقول إنه مع مشروع الدولة لأنه مشروع «تيار المستقبل»، والمعضلة تكمن في نمط التقليد السياسي السائد في لبنان، بمعنى أن الأفراد من اكاديميين ومن يمثلون هيئات المجتمع المدني يتم إقصاؤهم وتهميشهم لمصلحة الخطاب الطائفي أو التسويات الطائفية. بناء الدولة لا يرتكز فقط على حركة شيعية تعارض مفهوم الدويلات، بل على حركة نهوض عام لا بد من ان يشارك فيها الجميع. ولكن هذا لا يلغي وجود قلق وخوف عند العديد من الفئات المجتمعية الشيعية، سواء بسبب احتكار القرار السياسي او بسبب مصادرة الرأي الثالث، والخوف عند الشيعة ناتج من محاولات تجنب الاعتداء أو التكفير أو حتى الاتهام بالعمالة وكل ذلك تحت شعار المقدس.
• هل من المسموح طرح سؤال التعددية والرأي الشيعي الآخر في ظل سطوة المقدس السياسي والديني؟
- لا بد من توضيح مسألة مهمة، من الصعب في أي تغيير أو تحول الاعتماد على سيكولوجية الجمهور، و«حزب الله» عندما يستعمل الخطاب الديني _ السياسي، فهو بالتالي يخاطب فئات معينة لم تتشكل على مستوى المواطنة حتى اللحظة، وطبعاً الاعتراض يحتاج الى فترات طويلة كي ينضج، عبر التوعية والتثقيف وحق الاختلاف، وهذه العوامل إن وجدت ليس عند الشيعة فقط، بل عند كل أطياف المجتمع اللبناني، فلا شك أنها تقدم مساحة أرحب للتعددية والرأي والرأي الآخر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أضف جديد هذه المدونة إلى صفحتك الخاصة IGOOGLE

Add to iGoogle

المتابعون