الثلاثاء، يونيو 28، 2011

ما كان القسَّام سنياً ولا شيعياً. كان مسلماً مؤمناً ومجاهداً عربياً - مراجعة د. عاصم علي حسين

الشيعة اليوم -العدد الثاني عشر: 26 حزيران 2011
ما كان القسَّام سنياً ولا شيعياً. كان مسلماً مؤمناً ومجاهداً عربياً - مراجعة د. عاصم علي حسين 
في سنة 1986 قررت الباحثة الدكتورة بيان نويهض الحوت أن تنشر كتاباً عن الشيخ عز الدين القسّام، فقامت بإجراء مقابلات مع قسّاميين كانت قابلتهم في السبعينيات، ومع آخرين للمرة الأولى، فتحدث معها المجاهد موسى حوراني في عدة مقابلات في عامي 1986 و1987 كما كان سبق أن تحدث معها المجاهد حسن شبلاق في سنة 1973.. وتحدث معها سواهم.. وهي كتبت في وقت لاحق قصة عملها على هذا الكتاب وكيف تعامل معها اصدقاء القسام: 
« كان معظم الذين تحدثوا معي شباباً في مطلع حياتهم يوم كانوا يرافقون الشيخ القسام، وهو عائد كل جمعة من الصلاة في المسجد إلى منزله، في حيفا، وكثيراً ما كان بعض الشباب المناوئين له يتعرضون له عمداً على الطريق، محاولين توجيه الإهانات له، لكنه كان دائماً، رحمه الله، يبتسم، ويرفض رد الإساءة بمثلها، ويمنع الشباب من حوله من توجيه إهانات مماثلة بأي طريقة. وتكررت الحادثة. ولما كنت أسأل: ما نوع الإهانات؟ 
كنت أستمع إلى كلام متشابه جداً، لا يمكن إعادته، لكن معناه يصب في المس بالمذهب الشيعي الذي كان هؤلاء الشباب المناوئون يعتقدون أنه ينتمي إليه. ليس لدي شك في أن الشيخ القسام )وهذا استنتاج من تعليقات الشباب من حوله الذين تحدثوا معي وهم كهول أو شيوخ ( كان يعلم من تكرار ما جرى، أنهم هم أيضاً، باتوا يعتقدون أنه شيعي المذهب. لكنه لم يحدثهم مرة في ذلك. لم يسمح بالحديث مرة في ذلك. كان، رحمه الله، مسلماً كبيراً حقاً، لا يميز بين المذاهب، وهذا ما جعل الحاج موسى حوراني يقول لي بصوت قوي ما زال على الشريط المسجل: «نحنا ما عنا طائفية بفلسطين، نحن كان عنا القسام عظيما وكبيرا، بالعكس، نحنا كنا نحب شيخنا كتير ونحترمه كتير لأنه شيعي. نحنا ما عنا طائفية أبداً، وأقسم بالله العظيم، لو تركنا القسام عليهم، لكنا علمناهم درس ما ينسوه، لكن الله يرحمه ما كان أبداً يسمح لحدا منا يتعرض إلهم. دايما كان يتبسم .» واستحلفني الشيخ موسى حوراني أن أؤكد لكل الناس أنه لم تكن هناك طائفية في فلسطين، وأن أكتب كل ما قاله، وقد لبيت المطلب الأول، وتجاهلت بعض الثاني، معتبرة أن كلام هؤلاء الشباب المناوئين لا بد من أنه كان كلام طيش، ولا تجوز إعادته”.. ومما كتبته يومها في كتابها «الشيخ المجاهد عزالدين القسام في تاريخ فلسطين» – صدر في تشرين الثاني 1987- عن دار الاستقلال للدراسات والنشر- بيروت. في الصفحة 75:
“فالقسام العالم الأزهري والتلميذ البار للشيخ محمد عبده كان محيطا بفقه المذاهب الاسلامية كلها فما ان يطرح عليه أحدهم سؤالاً دينياً حتى يفتي له بمذاهب السنة الأربعة..فالمستمعون اليه جلهم ان لم نقل جميعهم من المسلمين السنة.. فالمذهب السني هو مذهب الأكثرية في فلسطين، وقد كان القسّام بين المجتمعين حوله وحده العالم الشيعي المذهب. وفي احترام الناس لفتاويه  وأحكامه وأقواله، لدلالة على غزارة علمه الديني من ناحية، وعلى انعدام التعصب الطائفي فعلا، في بلد الديانات السماوية الثلاث، من ناحية أخرى”... 
والحقيقة هي أن الشيخ عزالدين القسام كان شيعياً مثل السيد جمال الدين الأفغاني والشيخ صالح العلي..ولكن التعصب المذهبي المقيت جعل بعض المثقفين العرب واللبنانيين يهاجمون الباحثة الدكتورة بيان وهي ابنة العلامة المجاهد عجاج نويهض الدرزي اللبناني الذي ترأس في فلسطين جمعية الشبان المسلمين السنية الاخوانية .. وقد سبق للتعصب الجاهل أن نال من الدرزي الآخر الأمير شكيب أرسلان... فبرغم تتلمذ حسن البنا عليه الا انه لم يذكره بكلمة واحدة في كل كتاباته خوف اتهامه بمصاحبة الروافض أو الكفرة... لعن الله الجهل والتعصب! 
رحمة الله عليك يا سيدي العظيم. أيها المسلم المؤمن الذي لم تفرق يوماً بين المذاهب. 
أما كانت كلمة واحدة منك للرجل الذي تكلم عنك معي بكل الحب والتقدير، وأعني به المفتي الحاج أمين، ألم تكن كلمة منك له أولاً، وكلمة منه لمن حوله ثانياً، تكفيان لردع الصبية المناوئين الذين كانوا أكثر من يسيء إلى المفتي نفسه؟ أنت لم تقل كلمة واحدة يا سيدي، لأنك ما كنت سنياً، وما كنت شيعياً، كنت مسلماً مؤمناً. (بيان نويهض الحوت). 
ولد الشيخ عزالدين القسام في قرية جبلة السورية-قضاء اللاذقية- عام 1882 )وكانت يومها من أبرز مراكز التشيع العلوي الباحث عن الوحدة الاسلامية عبر العلم والدراسة (. وسافر القسام الى الأزهر لطلب العلم هناك عام 1896 وبقي فيها عشر سنوات هي سنوات توهج مدرسة الامام محمد عبده تلميذ الأفغاني ورفيق دربه..عاد القسام الى سوريا عام 1906 بعد أن نال شهادة الأهلية... تصدى لقتال الاستعمار الإيطالي على أرض ليبيا يوم جمع 250 متطوعاً من أبناء سوريا سنة 1911 انتظروا على شاطئ الاسكندرونة أربعين يوماً قدوم الباخرة لتقلهم إلى ليبيا للجهاد ليعودوا أدراجهم لمّا يئسوا من وصولها، وهم لا يعلمون أن الحكومة العثمانية كانت قد اعترفت بضم ليبيا إلى إيطاليا ..في حين استطاع الأمير شكيب أرسلان ومعه حوالي المئة من المتطوعين الدروز الوصول الى ليبيا عبر مصر والقتال الى جانب شعبها ضد الاحتلال الايطالي. مع نهاية الحرب العالمية الأولى تعرضت سوريا نفسها لاستعمار فرنسي، فكان القسّام من أوائل المجاهدين إلى جانب المجاهد عمر البيطار والشيخ المجاهد صالح العلي، في الثورة التي عرفت بثورة العلويين.. أمّا بعد معركة ميسلون في 24 تموز سنة1920 واستشهاد قائدها يوسف العظمة، وهزيمة الجيش العربي، فقد كان القسّام من الذين حاولت السلطة الفرنسية التقرب إليهم بالإغراء والرشوة، فعرضت عليه توليته القضاء ، ولمّا رفض، حكم عليه الديوان العرفي الفرنسي في اللاذقية بالإعدام. وسبب التقرب اليه هو انه كان شيعياً وكانت خطة الفرنسيين التقرب الى الشيعة والعلويين لفصلهم عن الأكثرية السنية لكنه رفض الاستسلام تماماً كما فعل قائد الثورة الشيخ صالح العلي..رحل الشيخ المجاهد سراً مع عدد من إخوانه إلى دمشق ومن هناك الى فلسطين حيث وصل مدينة حيفا، سنة 1920 ومعه الحاج علي عبيد والشيخ محمد حنفي. ومن حيفا، ومن قرى شمالي فلسطين ابتدأ مشواره الجهادي الجديد، وابتدأ يعمل على تنظيمه السري. 
تقول عنه بيان نويهض الحوت: «لم يكن الشيخ القسّام من رجال الدين المعروفين في أنحاء فلسطين كلها، باستثناء منطقة الشمال. هو لم يحضر مؤتمراً دينياً واحداً من المؤتمرات التي حضرها العشرات من رجال الدين الفلسطينيين والعرب. كان يؤثر الابتعاد عن التجمعات، ويلجأ إلى الصمت، وما كان غير أنصاره المقربين والقلة من أوفى أصدقائه من أبناء حيفا وسكانها، يعرفون، أو يشعرون بأن الشيخ العالِم الوقور والدائم الابتسام يعدّ في الخفاء رجالاً شجعاناً ليوم موعود. ... لم يكن معروفاً عن القسّام بين الناس سوى أنه شيخ عالم بأصول الدين، يدعو في خطبه بالمسجد كل جمعة إلى الجهاد. أمّا بعد استشهاده فقد عرفه الناس قائداً وملهماً، ما سعى يوماً في حياته إلى زعامة أو رئاسة. والحق أن القسّام لم يصنع حتى ثورة، غير أنه باستشهاده أرسى دعائم النهج الثوري، تاركاً وراءه تنظيماً سرياً قادراً على إشعال فتيل الثورة كلما خبت؛ فالقسّاميون جاهدوا كقائدهم، بصدق وشجاعة، وهم ما سعوا إلى قيادة عليا، بل كان همهم ينحصر في أن تستمر الثورة الكبرى التي اندلعت بعد خمسة أشهر من استشهاد قائدهم، وكانوا أوفياء لشعاره: «هذا جهاد.. نصر أو استشهاد..» 
أما المؤرخ سميح حمودة فيقول إن القسام «استقر عند وصوله في مدرسة البرج الاسلامية حيث اشتهر عنه التحريض السياسي والحث على الجهاد والتضحية« ...»لكنه ترك التدريس في العام 1925 بعد خلاف مع الشيخ كامل القصاب حول المنهج الدراسي للطلاب فانتقل القسام للعمل كامام وخطيب لجامع الاستقلال في حيفا الذي كان تحت اشراف جمعية حيفا الاسلامية..» 
استشهد الشيخ المجاهد عز الدين القسّام في العشرين من تشرين الثاني سنة 1935 ميلادية، الموافق للثالث والعشرين من شعبان سنة 1354 هجرية، برصاص القوات البريطانية، في أحراج يعبد، في فلسطين. دامت تلك المعركة العلنية الأولى والأخيرة بين «القسّاميين» وجنود الاحتلال بضع ساعات فقط. قرأ الناس في صحف اليوم التالي كيف كان الشهيد مجندلاً على التراب بثيابه الدينية، وليس معه من دنياه سوى مسدس في يده، ومصحف شريف في جيبه، وأربعة عشر جنيهاً. .... «كان استشهاد الشيخ القسّام حدثاً هز فلسطين من أقصاها إلى أقصاها، وأضحى يوم استشهاده منعطفاً رئيسياً في تاريخها المعاصر، وفاصلاً ما بين عهدين: عهد التصدي للصهيونية وحدها، مع رفع المذكرات إلى المندوب السامي للمطالبة ب«استقلال البلاد وقيام حكومة وطنية ووقف  الهجرة اليهودية»؛ وعهد النهج الثوري ضد الصهيونية والانتداب البريطاني معاً، وهو النهج الذي أعلن الشيخ المجاهد عنه بدمه ودماء رفاقه”...
“كان القسام عالما دينياً لا حدود لاستغراقه في شؤون الدين والتعليم بالإرشاد والخطبة والحوار والتعامل اليومي، وكان إنساناً يحترم الناس جميعاً حتى المنحرفين منهم، فيرشدهم إلى الصواب ويعلمهم بيديه على استعمال السلاح للجهاد. . لم تجمع فلسطين على حبها وتقديرها لزعيم كما أجمعت على الشيخ عز الدين القسّام.. (بيان نويهض الحوت)..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أضف جديد هذه المدونة إلى صفحتك الخاصة IGOOGLE

Add to iGoogle

المتابعون