الوطن أون لاين ::: علي الشريمي ::: سني شيعي.. ليبرالي إسلامي
سني شيعي.. ليبرالي إسلامي
الاعتراف بحقيقة التعدد والتنوع وتوفير متطلبات حمايتها، هو الخطوة الأولى في مشروع إنهاء حالة الخوف الاجتماعي، فمطلب التجانس الوطني لا يتحقق بوجود دعاة التمييز والطائفيةهل أنت سني أم شيعي؟ هل أنت ليبرالي أم إسلامي؟ هل أنت يميني أم يساري؟ هل أنت حجازي أم نجدي؟ هل أنت قبلي أم حضري؟...
كثيرة هي أسئلة التصنيفات، والتي تبدو للوهلة الأولى أسئلة طبيعية في مجتمعات صحية تقر وتعترف بالتنوع والتعددية في الحياة الاجتماعية والإنسانية، ولكنها تبدو غير طبيعية عندما يتم فرض بعض الشروط عليها للقبول بها، وهنا تظهر المشكلة الرئيسة في قصة التصنيفات هذه، فشرط قبولك والاعتراف بك مربوط بأن تتخلى عن بعض قناعاتك، فأصبح الناس مهووسين بتصنيف بعضهم بعضا، بوضع جداول للمواصفات والمعايير يتم إسقاطهم عليها في خانات ضيقة بما يناسبهم. والأدهى والأمر أنهم استطاعوا أن يخضعوا فيها مفهوم المواطنة بكل بساطة ويُسر، فالوطني إن لم تتوافر فيه هذه المعايير حسب شروطهم فهو غير وطني، ولعل القنوات الفضائية ووسائل التواصل الاجتماعي كشفت لنا هذه الحقيقة بشكل واضح وجلي.
إن الحقيقة التي لابد أن يتجرعها الجميع ـ وأقولها وبكل صراحة ـ أننا مجتمعات خائفة، ولذلك أصبحنا نُفرق دائما بين الملل والأصول والأعراق والمذاهب، لا يختلف في ذلك من ادعى أنه إسلامي أو ليبرالي أو قومي أو يساري، ولعل القصص المضحكة لظاهرة التائبين من الليبرالية خير دليل على أننا أفراد نعيش في مجتمع خائف من كل شيء بما في ذلك ظله، فالخوف والرهاب معطلان للعقل، ولا غرابة أن نرى الإبداع الاستدلالي والسفسطي يظهر على أشده من خلال تأصيل ذلك الخوف عن طريق إثبات كل فئة أحقـيتها في الامتيازات، بدءاً بتحويل ذلك الخـوف إلى منطق، كل حسب رأيـه، ليتحول الخوف إلى حقيقة يقتات بها الناس خبزهم اليومي.
وعندما يتسلل الخوف في داخل الانسان ويتحكم بعقله تصبح قاعدة الخوف مُلهمة له، فتراه مُنكفئا على نفسه ومنكمشا، وفي ذات الحال تجده منتفخا يكاد من غروره بالأوهام يطير في السماء، وفي هذه الظروف ينتهز الفرصة المتفذلكون من المثقفين والدعاة والإعلاميين للاستفادة من هذا الوضع لتأجيج الصراع وإطلاق الاتهامات وعبارات التراشـق المتبادلة للتصعيد من حـالة الخوف، وبالطبع يظهرون أمام الجميع بشعارات شوفونية.
إن الاتهامات المتبادلة هي دليل واضح ومؤشر على حالة الخوف التي تعيشها مجتمعاتنا، فالجميع خائف على هويته. يقول البرفيسور "ريتشارد باول" في كتابه (التفكير النقدي): "إذا كنا نفتقد إلى الشجاعة، فنحن خائفون، نحن نحس شخصياً بالتهديد من بعض الأفكار عندما تتعارض بوضوح مع هويتنا الفردية، عندما نُحس بأن الهجوم على الفكرة هو هجوم علينا كأفراد".
إن السبب الجوهري الذي أدى إلى بروز هذه التوترات وحالة التوجس والخوف بين مختلف الأطياف هو في الخيارات المستخدمة مع هذه الحقائق.. فخيارات التراشق وتبادل الاتهامات، تفضي إلى توترات بين مجموع المكونات.. أما خيارات الحوار والحرية والتسامح والمساواة وصيانة حقوق الإنسان والتنمية، فإنها ترسم مسار علاقات إيجابية بين جميع الأطراف، وبناء استقرار اجتماعي عميق، لا تهدمه متغيرات الراهن. والاعتراف بحقيقة التعدد والتنوع وتوفير متطلبات حمايتها، هو الخطوة الأولى في مشروع إنهاء حالة الخوف الاجتماعي، فمطلب التجانس الوطني لا يتحقق بوجود دعاة التمييز والطائفية، وإنما من خلال ثقافة تحترم التعدد وتدافع عن حيثياته، فمقتضى مفهوم التنوع والتعددية هو الاعتراف بالآخر والقبول به كما هو يريد وليس كما أنت تريد.
علي الشريمي 2012-04-03 12:39 AM كثيرة هي أسئلة التصنيفات، والتي تبدو للوهلة الأولى أسئلة طبيعية في مجتمعات صحية تقر وتعترف بالتنوع والتعددية في الحياة الاجتماعية والإنسانية، ولكنها تبدو غير طبيعية عندما يتم فرض بعض الشروط عليها للقبول بها، وهنا تظهر المشكلة الرئيسة في قصة التصنيفات هذه، فشرط قبولك والاعتراف بك مربوط بأن تتخلى عن بعض قناعاتك، فأصبح الناس مهووسين بتصنيف بعضهم بعضا، بوضع جداول للمواصفات والمعايير يتم إسقاطهم عليها في خانات ضيقة بما يناسبهم. والأدهى والأمر أنهم استطاعوا أن يخضعوا فيها مفهوم المواطنة بكل بساطة ويُسر، فالوطني إن لم تتوافر فيه هذه المعايير حسب شروطهم فهو غير وطني، ولعل القنوات الفضائية ووسائل التواصل الاجتماعي كشفت لنا هذه الحقيقة بشكل واضح وجلي.
إن الحقيقة التي لابد أن يتجرعها الجميع ـ وأقولها وبكل صراحة ـ أننا مجتمعات خائفة، ولذلك أصبحنا نُفرق دائما بين الملل والأصول والأعراق والمذاهب، لا يختلف في ذلك من ادعى أنه إسلامي أو ليبرالي أو قومي أو يساري، ولعل القصص المضحكة لظاهرة التائبين من الليبرالية خير دليل على أننا أفراد نعيش في مجتمع خائف من كل شيء بما في ذلك ظله، فالخوف والرهاب معطلان للعقل، ولا غرابة أن نرى الإبداع الاستدلالي والسفسطي يظهر على أشده من خلال تأصيل ذلك الخوف عن طريق إثبات كل فئة أحقـيتها في الامتيازات، بدءاً بتحويل ذلك الخـوف إلى منطق، كل حسب رأيـه، ليتحول الخوف إلى حقيقة يقتات بها الناس خبزهم اليومي.
وعندما يتسلل الخوف في داخل الانسان ويتحكم بعقله تصبح قاعدة الخوف مُلهمة له، فتراه مُنكفئا على نفسه ومنكمشا، وفي ذات الحال تجده منتفخا يكاد من غروره بالأوهام يطير في السماء، وفي هذه الظروف ينتهز الفرصة المتفذلكون من المثقفين والدعاة والإعلاميين للاستفادة من هذا الوضع لتأجيج الصراع وإطلاق الاتهامات وعبارات التراشـق المتبادلة للتصعيد من حـالة الخوف، وبالطبع يظهرون أمام الجميع بشعارات شوفونية.
إن الاتهامات المتبادلة هي دليل واضح ومؤشر على حالة الخوف التي تعيشها مجتمعاتنا، فالجميع خائف على هويته. يقول البرفيسور "ريتشارد باول" في كتابه (التفكير النقدي): "إذا كنا نفتقد إلى الشجاعة، فنحن خائفون، نحن نحس شخصياً بالتهديد من بعض الأفكار عندما تتعارض بوضوح مع هويتنا الفردية، عندما نُحس بأن الهجوم على الفكرة هو هجوم علينا كأفراد".
إن السبب الجوهري الذي أدى إلى بروز هذه التوترات وحالة التوجس والخوف بين مختلف الأطياف هو في الخيارات المستخدمة مع هذه الحقائق.. فخيارات التراشق وتبادل الاتهامات، تفضي إلى توترات بين مجموع المكونات.. أما خيارات الحوار والحرية والتسامح والمساواة وصيانة حقوق الإنسان والتنمية، فإنها ترسم مسار علاقات إيجابية بين جميع الأطراف، وبناء استقرار اجتماعي عميق، لا تهدمه متغيرات الراهن. والاعتراف بحقيقة التعدد والتنوع وتوفير متطلبات حمايتها، هو الخطوة الأولى في مشروع إنهاء حالة الخوف الاجتماعي، فمطلب التجانس الوطني لا يتحقق بوجود دعاة التمييز والطائفية، وإنما من خلال ثقافة تحترم التعدد وتدافع عن حيثياته، فمقتضى مفهوم التنوع والتعددية هو الاعتراف بالآخر والقبول به كما هو يريد وليس كما أنت تريد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق