السبت، أبريل 07، 2012

janoubiaonline - العلامة الدكتور حيدر حب الله: الحركة المتشدّدة ولدت كردّ فعل على التيار التقريبي ونتيجة لارتدادات أزمة الهوية

janoubiaonline - العلامة الدكتور حيدر حب الله: الحركة المتشدّدة ولدت كردّ فعل على التيار التقريبي ونتيجة لارتدادات أزمة الهوية
العلامة الدكتور حيدر حب الله: الحركة المتشدّدة ولدت كردّ فعل على التيار التقريبي ونتيجة لارتدادات أزمة الهوية
  نشرت في تاريخ: Thursday, April 05
 الكاتب: سلوى فاضل



يُعتبر العلاّمة الدكتور حيدر حب الله من أبرز العاملين في مجال التجديد في الفكر الاسلامي المعاصر، ومن أبرز الدعاة إلى مواجهة التطرف حيث يقول في احدى مقابلاته: "إن التيار النصّي في الوسط الشيعي المعاصر (وبعضهم يسمّيه تيّار السلفيين الجدد) تيار جديد في صورته المعاصرة، لهذا يأخذ وقته في التبلور، وعندما يتبلور ينفصل تماماً، إن ظواهر الإقصاء المتبادل تعزز هذا الانقسام وتقوّيه".
كان لـ(شؤون جنوبية) لقاءاً مع حبّ الله حيث حاولنا فيه الاطلالة على الوضع الديني الشيعي العام.
• يشهد الواقع الاسلامي ظاهرة التشدد الديني (السلفية السنية) في مرحلة (الربيع العربي)، في ظل تسلّم السلفيين الحكم في عدد من الدول التي شهدت تغييرا سياسيا، هل تعتبر كباحث معني بالفكر الاسلامي ان هذه الظاهرة نوع من ردة أم عودة إلى الاصول ام انها ليست الا عبارة عن حركة سياسية لا أكثر؟
لعلّه يمكن فهم هذه الظاهرة بوصفها تعبيراً عن فشل الحركة الإسلامية النهضويّة التي انطلقت مع الأفغاني وعبده في تحقيق منجزات بمستوى المرحلة، كما يمكن فهمها في سياق أوسع يعبّر عن إحساس الخوف على الذات والهويّة والشعور بعقدة النقص أمام الآخر الحضاري (الغرب)، وهو ما حصل بعد انهيار المعسكر الاشتراكي ودخولنا مدار العولمة، فإنّ الحركات الماضويّة حالها حال الاتجاهات الصوفيّة، يمكن أن تظهر في مناخ إحباط عام وفي وسط أحزمة البؤس الاقتصادي، وبهذا المعنى نستطيع أن نعتبر العقل السلفي بواقعه الجديد (النسخة الأخيرة المعاصرة) رغبةً في الفرار من الحاضر نحو الماضي الذي يعيد للإنسان إحساسه بالذات والهويّة المنسية، وردّةً عن مقولات عصر النهضة الإسلامي مع رموز التجديد الكبار، حتى رأينا بعض رموز تيار التجديد اليوم ينقلب سلفيّاً يكفر بكل ما كان قد آمن به أو نظّر له من قبل.
• ثمة تياران داخل الطائفة الشيعية، الأول ينفتح على المذهب السني ويدعو إلى الوحدة والتقريب، والثاني يؤكد على المذهبيّة الحادة أو ما يعرف بالشيرازية. برأيك لمن المستقبل؟ وكيف سيكون عليه الحال المجتمع الاسلامي في حال أخذت ما يعرف بـ(السلفية الشيعية) طريقها نحو الانتشار؟ وهل تعتقد انه بعد مرور اكثر من ثلاثة عقود على انتصار الثورة الاسلامية في ايران، أن للتشدد الديني الشيعي، دوره في انتشار السلفية السنية، ولو متأخرة في القرن الحادي والعشرين؟
بعد إبداء تحفظي على استخدام تعبير (الشيرازية) في هذا السياق؛ حيث لا يتماهى مع كافّة تيارات هذه الجماعة لاسيما منها ما ظهر منذ التسعينيات والتحوّلات التي طرأت عليها في بلدان الخليج، أرى أنّ الجواب عن أصل السؤال رهين طبيعة المتغيّر السياسي؛ لأنّ التاريخ الشيعي الحديث شهد نهوضاً لتيار التقارب مع العلماء: محسن الأمين وموسى الصدر ومحمد حسين فضل الله ومحمد مهدي شمس الدين وكاشف الغطاء والبروجردي و..
وكانت هذه هي السمة البارزة للحركة الشيعية النهضوية منذ بداياتها في النجف، وقد حقّقت نتائج جيدة في الحضور الشيعي العربي منذ تجربة دار التقريب في القاهرة ثلاثينيات القرن الماضي، ولو رصدنا الحركة المتشدّدة التي لا تملك حتى الآن زمام الأمور في تقديري، فإنّها ولدت كردّ فعل على التيار التقريبي من جهة ونتيجة لارتدادات أزمة الهوية التي جاءت مع العولمة من جهة ثانية إلى جانب مؤثرات سياسية محدّدة، ولهذا وجدنا حركة التشدّد بارزة منذ التسعينيات، لاسيما في محاربة العلامة فضل الله الذي وضع بنظرهم العقائد الشيعيّة على مذبح التقريب بين المذاهب، فإذا انتهى الملفّ السياسي المتشنّج اليوم يمكن أن نتوقّع تراجعاً نسبيّاً لنفوذ الجوّ المتشدّد شيعيّاً، وانقلابه إلى صراع فكري داخل ـ شيعي، وهذا على الخلاف من السلفية السنيّة المعاصرة، فإنّها ولدت من مأزق الشعور بتراجع الإسلام السنّي بعد تدهور حال الإخوان منذ الثمانينيات في الجزائر ومصر والمغرب وتونس وسوريا وغيرها، وتقدّم معاصر للحركة الشيعية في منجزاتها في إيران ولبنان، لقد شكّل هذا المزدوج إحساساً بضعف المارد السنّي الذي بدأت قاعدته الشعبيّة تتقاسمها التيارات الفكرية والمذهبية والدينية الأخرى، فكان التشدّد تعبيراً عن رغبة عميقة في نهوض هذا المارد لكي يعيد الاعتبار والإحساس بالثقة أمام سيول المؤثرات الخارجيّة على أهل السنّة من أطراف عدّة، وهو ما يفسّر الإحساس الديني السنّي المتزايد اليوم بالأمان مع التيارات السلفيّة بوصفها مصدر قوّة في حماية الجماعة السنيّة، الخائفة أو المخوّفة من الآخر. وهذا لا ينفي أنّ بعض أشكال التشدّد الشيعي قد ساهم في التشدّد السنيّ والعكس صحيح؛ لأنّ العلاقة تبدو لي هنا جدلية لا من طرف واحد فقط، وأولئك الذين أذكوا نار التشدّد بحجّة خدمة المذهب هنا أو هناك يتحملون قسطاً من المآسي التي نشهدها اليوم.
• من هم ابرز السلفيين الشيعة في العالم الاسلامي، بحسب رأيك؟ وبالخلاصة إلى ماذا يهدفون من وراء تكريس هذه الحالة: إلى حياة دنيوية تحكمها اقلية شيعية في عالم اسلامي ذي أكثرية سنية؟ أم إلى حياة اخروية، لكن في الوقت عينه يتهدد فيه المجتمع الإسلامي برمته ويتجه نحو التقسيم والتفتيت؟
ما تريده أغلب هذه الجماعات التي بدأت تتخذ من بعض المرجعيات الدينية ظلاً لها، هو تحقيق الحدّ الأعلى من الخصوصيّة المذهبية في الفكر والاجتماع الإنساني، لهذا نجدها تقدّم القطيعة والتقوقع داخل الذات الجماعيّة على الاندماج الإيجابي في المحيط السنّي، ونجدها أيضاً تركّز على ظاهرة الشعائر بوصفها المُفْصِح الحقيقي عن الخصوصيّة، إنّ تحدّيات هذه الجماعات تكمن في الآخر الداخل ـ إسلامي، لهذا لا تولي أهميّة كبيرة للآخر الحضاري، ولا للتحدّيات المعاصرة الأخرى التي يواجهها الدين.
ولا يبدو لي مطروحاً اليوم الحديث الجادّ عن انفصال شيعي عن المحيط سوى ما أثير في العراق قبل سنوات، لكنّ هذه التيارات تفضّل القطيعة مع أهل السنّة بالمعنى الاجتماعي والفكري، وهي ترى أنّ تقدّم القوّة الشيعية أخرج الشيعة من حالة الضعف إلى حالة القوّة، وأنّه لم يعد يصحّ أن نتعامل بذهنيّة الأقليّة الضعيفة بعد تحوّلنا إلى سلطة قويّة، وهذا ما نلاحظه في الأدبيات الدينية لهذه التيارات فيما يتحدثون فيه عن انتهاء عصر التقيّة.
وأمّا الحديث عن التشظّي الإسلامي، فإنّ كثيراً من هذه الجماعات قد لا تعنيها هذه الكلمة شيئاً؛ لأنّ المهم عندها هو الإطار المذهبي الذي باتت تجتهد أكثر فأكثر للتنظير لحصر الإسلام به، وهو ما يجعل كافّة القضايا الأخرى لا تندرج ضمن أولويّات هذه الجماعات. إنّ فهم هذه الجماعات يجب أن يكون بتحليل قناعاتها من الداخل لا بإسقاط قناعاتنا وأولويّاتنا عليها.
• يتجه شيعة لبنان، المنضوي بعضهم، اما تحت اطارات حزبية دينية متشددة، وأخرى اكثر تشددا صوب مزيد من الارتكاس نحو القضايا المذهبية الانفصالية بالمعنى الديني، حيث لا نجد للوحدة من مقر سوى في الاحتفالات. بحسب رأيك من ينميّ هذه الظاهرة؟ ويمولها؟ ولصالح من؟ وهل يمكن أن نطلق عليها تعريف (السلفيّة الشيعية) مقارنة بالسلفيّة السنية؟
هناك جماعات دينية على المستوى الشيعي في المنطقة ترى أنّ آليات العمل السياسي المنطلقة من مفهوم المصلحة قد تركت تأثيرات سلبية على البُعد العقدي للجماعة الشيعية، وأنّه تمّ تقديم السياسي على المذهبي، وخلق حالة ازدواجيّة، ويذهب هؤلاء إلى أنّ هذه الظاهرة قد أبعدت وظيفة علماء الدين عن مجالها الديني والأخلاقي ليتحوّلوا إلى موظفي سلطة سياسية، وشيئاً فشيئاً ظهر تيارٌ على الهامش يعيد رسم أولوياته في سياق القضيّة العقديّة المؤجّلة سياسياً برأيه والالتزام الديني الصارم الذي لمس تهاوناً فيه مجاراةً للواقع المعاصر، وبعد أن شعرت القاعدة الشعبية بأنّ هذه الجماعات أكثر تعبيراً عن قيم الدين والتصاقاً بها على خلاف تيارات أخرى بدت لهم أنّها توظف الدين لخدمة مصالح سياسية أو تؤجّله للغرض عينه..
بعد ذلك بدأ الالتفاف حول هذه الجماعات الصغيرة التي قد تجد لها بعض الشخصيات الكبيرة الداعمة في مناخات بعضها متضرّر أو غير متوالم مع الحركة السياسيّة الشيعية التي جاءت منذ الستينيات، وبعد ظهور ما صُنِّف من قبل المعارضين أنّه انهيارات قيمية وأخلاقية في الحركة الإسلاميّة هنا أو هناك، وحصول تشظّيات داخلها خلال العقدين الأخيرين، ازداد نفوذ هذه الجماعات التي ظلّت تبدي نفسها تارةً من خلال تيارات ماضوية مذهبية ذات منطلق عقدي وتاريخي، وأخرى من خلال جماعات صوفية روحية ذات طابع مذهبي أيضاً، إنّ هذه الجزر الدينية لم تصل بعدُ إلى مستوى امتلاك القرار الشيعي، لكنّها بدأت بالتدريج بالنفوذ إلى داخل الجسم السياسي الشيعي بوصفها حركات دينيّة ثقافية، وقد ينذر ذلك ـ إن لم يجر الاشتغال الواعي عليه ـ بحدوث إرباكات في الحركة الإسلامية عبر اختراقها وتفتيت أولويّاتها من الداخل، في شيء يشبه ما حصل بين السلفية السنيّة والحركة الإخوانية في أكثر من بلد عربي.
أمّا التسمية، فيختلف الموقف منها تبعاً لاختلاف تفسيرنا للمصطلح، فإذا قصدنا منه تيار العودة إلى السلف الأوّل أو الاتجاه الماضوي الاستنساخي عموماً فيمكن تصحيح التسمية، أما إذا قصدنا منه التيار التكفيري بشكله السائد ومبادئه وآلياته فمن الصعب جداً حتى اليوم تبنّي مثل هذا المصطلح في المناخ الشيعي، وإذا كان هناك أفراد لديهم هذه العقليّة فإنّ غالبية الرموز الدينية الكبيرة في العالم الشيعي لا تحمل هذا النمط من التفكير بوصفه منهجاً نشطاً في الرؤية والممارسة.

العلاّمة الدكتور حيدر حب الله
لبناني من مدينة صور الجنوبية، انهى الدراسات الدينية في المراحل التي تُسمَّى بـ"المقدمات والسطوح" في لبنان، وانتقل إلى الدراسة العليا في الحوزة العلمية في "قم" عام 1995. وتتلمذ على أبرز الشخصيات المتخصّصة في مجال الفقه وأصول الفقه والتفسير وعلوم الحديث والرجال. وساهم بتأسيس مجلة "أصداء"، كما تولى رئاسة تحرير بعض المجلات مثل "المنهاج" و"نصوص معاصرة" و"الاجتهاد والتجديد". وصدر له عدة كتب منها: "مسألة المنهج"، و"التعدّدية الدينية"، و"بحوث في الفقه الزراعي". وترجم حب الله بعضا من الكتب الإيرانية الهامة، مثل "بين الطريق المستقيم والطرق المستقيمة" و"المجتمع الديني والمدني" و"الأسس النظرية للتجربة الدينية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أضف جديد هذه المدونة إلى صفحتك الخاصة IGOOGLE

Add to iGoogle

المتابعون