شبكة البصرة منبر العراق الحر الثائر
فتنة المحرقة |
شبكة البصرة |
بقلم الدكتور أحمد ولد نافع باحث وأستاذ جامعي |
تعتبر محرقة أمهات مراجع المذهب المالكي (نص خليل بن إسحاق، و شروحه، و حواشي علماء مسلمين كبار كالدسوقي، و مدونة إبن القاسم بأجزائها.. وما في كل تلك المؤلفات الثمينة من آيات القرآن الكريم و أحاديث النبي المكرم صلى الله عليه و آله وسلم) هي إحدى أكثر الجرائم الدينية و الأخلاقية صلافة وجسارة و غطرسة في هذا الجزء من ديار العروبة والإسلام (موريتانيا).. إذ من كان يتصور – حتى في مرائيه ومناماته – أن ينجب المجتمع الموريتاني ذات يوم بعض "أبناء" و"أحفاد" يكفرون بالرمزية التي تمثلها كتب المالكية، وهي المذهب الإسلامي، الذي أسسه إمام دار الهجرة (مالك بن أنس، رضي الله عنه).. فما هو السبب "الحقيقي" لهذه الفعل الخارج عن ملة ومعتقد المجتمع الموريتاني بجميع مكوناته (عرب بيضا وسمرا وملونين، وفُلاّناً وسوانكاً وولفاً..)..؟ إن منفذ هذه الفعلة المنكرة في يوم الجمعة الماضي في مقاطعة الرياض بالعاصمة نواكشوط، هو جماعة تسمى نفسها "الحركة الانعتاقية (إيرا) في موريتانيا"، و هي حركة فيما يبدو من خطابها أن مبرر نضالها هو مطالب حقوقية بحته تتعلق بمكافحة ما تتصوره من أوهام حول "عبودية" تمارس في المجتمع الموريتاني ضد إحدى الشرائح المهمة (العرب السمر، أو الأرقاء سابقا)، وتعتبر هذه الحركة فيما يتم الترويج له عنها من أدبيات، أن الرق لا يزال موجودا في موريتانيا و أنه "مبرر" دينيا، ومادام المجتمع يدين بالمذهب المالكي، فمعناه – بحسب فهمهم القاصر – أن المذهب السائد هو سبب ومبرر استمرار تلك الظاهرة المرفوضة، لذلك وجب حرق كتب المالكية حتى يتم التخلص من العبودية! وهذه دعاوي باطلة من جميع الوجوه، ويكفي فقط لإظهار تهافتها ومجافاتها للمنطق السليم والعقل الحصيف أن مذهب الإمام مالك بن أنس (المتوفي سنة 179 هجرية 796 ميلادية، أي قبل أن توجد على الخريطة موريتانيا، بترتيبات استعمارية فرنسية، قبل أزيد من إثنا عشر قرنا ويزيدون).. فهل جاهد واجتهد الإمام العلامة في الفقه الإسلامي ليؤصل لظاهرة العبودية فينا (إن كانت موجودة؟)..وماذا عن انتشار المالكية في غرب ووسط افريقيا وفي المغرب العربي وبعض دول الخليج وفي صعيد مصر والسودان وبعض أجزاء ايران وفي دواخل آسيا لدى بعض الاقليات الاسلامية ولدى المهاجرين المسلمين في الاتحاد الاوروبي وامريكا واستراليا وجمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق...في كل هذه الأصقاع توجد المالكية مذهبا معتمدا ومرجعية دينية مستقرة، وإذا كانت دعاوى حركة "إيرا" صحيحة فإن العالم كله يعاني من " عبودية المالكية!"، و بالتالي كان الأحرى بهم النضال " عالميا" و تجنيد " الأمم المتحدة " و " أقوى و أقذر حلف عسكري في التاريخ = حلف الناتو الصليبي " من أجل أن يخلصوا البشرية من " عبودية المالكية!".. كيف يمكن تفسير " تواطؤ" كل هذه الدول مجتمعة وسكوت مجتمعاتها وشعوبها ونخبها الدينية والفكرية على المالكية التي تبرر و تؤصل لظاهرة العبودية المشينة أخلاقيا ودينيا؟؟ و بعض هذه الدول يسافر اليها رئيس حركة إيرا ليحدث المؤتمرات "الحقوقية" عن عبودية المالكية..سبحان الله! أم أن رئيس حركة "إيرا" يرى ما لا يراه الآخرون..كل الآخرين!!؟؟!! إن حرق كتب المالكية بما فيها من قرآن كريم استشهادا وتأصيلا والحديث النبوي مدارسة وتضمينا، هو حرق للدين الإسلامي (قرآنا و سنة)، ولا يمكن فهم تنفيذه إلا من متطرفي الرسوم المسيئة للنبي المكرم صلى الله عليه وآله، أو من القس الأمريكي الذي حرق القرآن في كنيسته أمام وسائل الاعلام، أو من الجنود الأمريكيين الذين يتبولون، قاتلهم الله، على المصحف الشريف و يمزقونه في افغانستان و في اغوانتانامو (بشهادة الأسير السابق من السودان سامي الحاج..)..ولكن الذين يفعلون ذلك من المتطرفين غير مؤمنين، ابتداء، بالإسلام كدين سماوي، فهل ما فعله رئيس حركة " إيرا" هو في هذ السياق من رفض للاعتقاد و الايمان بالإسلام، و بالتالي يتنزل حرق أمهات كتب المالكية، أمام وسائل الاعلام، كتوطئة لإعلان رفض الاسلام الذي تشكل المالكية اجتهادا فيه؟؟!!؟؟ نحن، لا نكره أحدا على الإيمان بالإسلام..((و قل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر))..و لكن ليكن رئيس " إيرا" أو من يرى رأيه صريحا وواضحا، و ليقلها مباشرة و دون تمهيد أو مواربة..أنه يرفض الاسلام دينا (لاعتقاده أنه يكرس العبودية!) لكن رفض الاسلام، وهو دين كل الشعب الموريتاني بجميع مكوناته (بما فيه الفئة المتاجر بإسمها حقوقيا لدى دكاكين حقوق الانسان العالمية)، لا يسمح بإهانة مذهب هذا المجتمع و بهذه الخرجات " الاعلامية " الهابطة و المستفزة للمشاعر و المحرضة على العنف و الكراهية و الحقد..فهل يسمح أي بلد (مهما بلغت ديمقراطيته و إلحاديته) بمثل هذه الأعمال المسيئة للرأي العام و المعتدية على المجتمع و مشاعره و معتقداته..؟ أبدا.. لا يسمح أي بلد بذلك، و مثل هذه الأفعال المشابهة تكيّف قانونيا بتهمة " الخيانة العظمى" و عقوبتها في كل الدساتير الاعدام أو السجن مدى الحياة في أحسن الأحوال.. أما في ديننا الاسلامي، فإن عقوبة من يسعى في الأرض فسادا واضحة بلا تأويل.. ((إنما جزاء الذين يحاربون الله و رسوله و يسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم و أرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض..الآية)) سورة المائدة 33 و لا يشك عاقل في أن الإقدام على حرق كتب دينية، حتى ولو كانت أرضية و ليست سماوية، هي محل توقير و اعتقاد لدى العامة، من طرف أشخاص هو عمل يقود بالضرورة و التبعية إلى حدوث مشاكل و قلاقل قد تشكل بذرة للإفساد في الأرض المشار إليه في الآية الكريمة، و عقوبة ذلك العمل أيضا أوضحته الآية بكل جلاء. إن الدين الإسلامي (بجميع مذاهبه الفقهية، و المالكية أحدها) لا يكرس ولا يبرر للعبودية بأي حال من الأحوال، إلا بالنسبة لبعض أرباع الباحثين المستشرقين و الدارسين للاسلام في الغرب الجاهزون بأحكامهم المسبقة، فهؤلاء لكي يبرروا لأنفسهم عدم الاقتناع بحجج الدخول في الاسلام الواضحه، يلجأون إلى حيل وشبهات شتى إرضاء لنوازع نفسية لديهم بعيدة عن التحليل العلمي الموضوعي للإيمان بالدين.. و الإنصاف و الموضوعية يقتضيان القول إن العبودية، كظاهرة، انتشرت في كل المجتمعات الإنسانية ومنذ المدنيات القديمة (افلاطون في جمهورية المثالية يبرر لبقاء العبودية في المجتمع).. و استمرت في التلاشي مع الزمن منذ نهاية القرون الوسطي، و انحسرت بشكل ملموس في العصر الحديث، بعد ظهور الدول الحديثة و التواضع على تأسيس القانون الدولي و القانون الدولى الإنساني، و غيره من المعاهدات و المواثيق، التي وضعت من قبل " ممارسي " العبودية على المستوى الدولي، الذين كانوا يجلبوننا (كعرب و أفارقة و آسيويين) و يستعبدوننا سخرةً لبناء مدنهم و طرقهم و مطاراتهم وموانئهم و تشغيل مصانعهم، و من كان منا يتعب، أو يكلّ، كان يرمى في البحر للحيتان بكل بساطة، أو يموت دون رحمة أو شفقة!! و لا تزال الآثار شاهدة في تلك الدول و العوالم على ظاهرة العبودية الشنيعه وذلك في ترتيب سلم المجتمع وفئاته غصبا عن القوانين و الأنظمة، كما أن تلك المجتمعات " المتحضرة جدا" مسكونة، حتى الآن، في عقلها الباطن بممارسة العبودية بــ" أشكال أكثر إبداعا و تدجيلا و تزييفا! " و ليست العقلية الامبريالية المتغرطسة في استباحة الدول الأخرى و نهب ثرواتها و التدخل في شؤونها (تحت أية عناوين مخادعة) إلا ممارسة فجة و ظالمة للعبودية على المستوى العالمي، و ليس احتكار " حق النقض = الفيتو" من بعض الدول (خمسة فقط) دون العالمين (أكثر من 185 دولة) إلا عقلية تؤمن بالعبودية السافرة، و ليس حرمان بلدان الجنوب من المعرفة و التقانة إلا نوعا من عبودية احتكار التقدم و الايمان بأنهم (في الغرب و فضائه) خلقوا للتنمية و التقدم و خلقنا للتخلف و الرجعية و الجهالة..! بهذا المعني، ما زال منهج العبودية سائدا في العلاقات الدولية، و هذا ما يتطلب تضافر جهود كل المؤمنين بالعدالة و الحرية و المساواة، على المستوى العالمي، من أجل تخليص الضمير الإنساني من هذا العار و الشنار..! هذا هو النضال المتعيّن على الحقوقيين الصميميين، إذا كانوا صادقين في شعاراتهم التي يرفعونها صباح مساء..و لمثل ذلك فليعمل العاملون، أما الانحراف بالنضال عن جادته و موضوعه، فهو تلبيس و تدليس مصيرهما الانكشاف ولو بعد حين.. إن " آثار" أو مخلفات العبودية، إذا كانت لا تزال في بعض الحالات هنا أو هناك في بلادنا، بأية صورة من الصور في نظر البعض، هو مسألة مشينة حقا، وغير قانونية، و جريمة قانونية منذ الاستقلال، و بحسب التعديلات الدستورية المعلنة مؤخرا.. و القضاء على تلك الآثار في العقليات و المسلكيات هو نضال وعي فكري و ثقافي و جهد تنموي حقيقي و جهاد مقدس يجب القيام به من كلّ مكونات النخبة الوطنية و النظام الحاكم أيا كان، و الطبقة السياسية موالاة و معارضة، و ليس موضوعا للمرابحة أو المزايدة أو المناقصة السياسية، فمن المعيب – حقا و صدقا - على القوى السياسية أن تتاجر بذلك و تجعله موضوعا للعبها السياسي ومناوراتها التكتيكية ضيقة الأفق، لما فيه من إضرار بوحدة المجتمع وتماسكه من الناحية الاستراتيجية.. إن فتنة المحرقة، لا تفيد إلا أعداء موريتانيا و المتآمرين عليها سرا و علانية، و يجب أن تكون فرصة، و إنذارا، وعبرة، على الجميع أن يوظفها لتعميق الوحدة الوطنية بين بياض العين و سوادها، وسانحة لقطع الطريق على الذين يسارعون في فعل الفتنة و لا يتقونها، ربما لعدم إيمانهم بما ورد في الآية الكريمة..((و اتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة و اعلموا ان الله شديد العقاب)) سورة الانفال 25..صدق الله العظيم.. أما أغلبية الشعب الموريتاني المؤمنة بالقرآن الكريم و السنة الصحيحة وما فيهما من خير و فلاح في العاجلة و الآجله، فإنهم سيتذكرون، و الذكرى تنفع المؤمنين، أن من واجبهم الحفاظ على بيضة موريتانيا وتلاحم مجتمعها و مذهبه المالكي و عقيدته الأشعرية..وكل رموز وحدته..و بذلك يسدلون ستار الخزي و العار على تجار الفتن و إقطاعيي الحروب ومصاصي الدماء..اهـ |
شبكة البصرة |
الاثنين 9 جماد الثاني 1433 / 30 نيسان 2012 |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق