الأربعاء، نوفمبر 28، 2012

فكر: الإسلام و الثورة ل د. محمد عمارة عرض وتعليق أحمد عبد الحميد

فكر: الإسلام و الثورة ل د. محمد عمارة

المصدر: ماجد مرسي



يعرض الدكتور محمد عمارة في كتابة الإسلام و الثورة جوانب عدة من التوجهات الفكرية الإسلامية و موضوع الثورة. ما معنى الثورة؟ هل هي من الإسلام؟ هل الإسلام نفسه ثورة؟ ما هو موقف السنة النبوية منها؟ هل لنا تراث نظري و خبرة عملية في الخبرة و التطبيق؟ و لماذا اتفق موقف الإسلام من الثورة على حين اختلف عليها المفكرون المسلمون؟ في هذا التلخيص الوجيز نعرض سريعا الأفكار الأساسية التي بنى عليها المفكرون المسلمون توجهاتهم و بنت عليها جماعات عدة سلوكياتها, و سنتغاضى عن الجانب التاريخي التطبيقي في الكتاب طمعا في التركيز على الأفكار و المفاهيم المختلفة. وعليه نعرضها كالتالي: أولا معنى كلمة الثورة في اللغة و الدين, ثانيا الثلاث توجهات الفكرية الكبرى تجاه الثورة بمعناها الضيق الذي سنختار. و أخيرا نعرض تعليقا سريعا في الحاشية يفتح أبوابا عدة للنقاش.

مقدمة: الثورة ما بين الرفض و القبول


هناك من يتخذ من الثورة موقفا عدائيا كسبيل لتغيير الحياة وتبديل النظم و تطور المجتمعات. وهو موقف يكرس “الواقع” و يمنحه “الشرعية” و “البركة”, و إن كان لابد من التغيير فليكن “إصلاحا” لا يصل لحد “الثورة” ولا يبلغ الجذور و الأعماق في عملية التغيير.

من ناحية أخرى فريق آخر, يقبل الثورة فقط “عندما تحدث” باعتبارها “واقعة” قد حدثت و “نازلة” يسلم بها المؤمنون الذين امتحنوا ولهم أجر الصبر على معايشتها و العيش في كنفها! وفي أحسن الأحوال ينظرون إلها “كمحظور و محرم” تبيحه “الضرورة” و الضرورات تبيح المحذورات!

وكلاهما فريق واحد يرى أصحابه أن الصلات غير قائمة أصلا بين الإسلام-كفكر خالص و كفكر وضع في التطبيق بمجتمع عصر النبوة و صدر الإسلام – وبين “الثورة” كطريق إنساني لتغيير المجتمعات و الانتقال بها إلى درجات جديدة في سلم التطور. ومن هنا نبدأ في دراسة قضية (الإسلام… و الثورة)

معنى كلمة ثورة و أصولها في اللغة و الدين:


العرب و المسلمون الأوائل استخدموا الكلمة بعدة معان منها: الهياج, و الإنقلاب و التغييرو الوثوب و الانتشار و الغضب. ففي لسان العرب لابن منظور نطالع حديث الرسول صلى الله عليه وسلم “أثيروا القرآن, فإن فيه خبر الأولين و الآخرين” وحديث “من أراد العلم فليثور القرآن” و تثويره قراءته و التدبر في معانيه وتفسيره. و نقرأ في القرآن ” أَثَارُوا الأَرْضَ وَعَمَرُوهَا” (الروم 9) أي قلبوا وجهها… و أيضا بمعنى الانتصار للمظلوم في الآية: “وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ“  (الشورى 39) وهي أيضا الحركة من بعد السكون…”اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً“ (فاطر 9) أي تهيجه كي ينتشر, و نذكر بقرة بني إسرائيل التي كانت “بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الأَرْضَ” (البقرة 71). كما استخدم العرب مصطلح “الملحمة” للدلالة على بعض معاني مصطلح الثورة فدل عندهم على التلاحم في الصراع والقتال حتى جعلوا من أوصاف الرسول صلى الله عليه وسلم “نبي الملحمة” حيث مارس التغيير بالوسيلتين معا: القتال و الإصلاح العميق.

وغير ذلك أيضا لفظ الفتنة و استخدموا مصطلح “الخروج” وغلب على الأدب السياسي لكثير من فرق المسلمين ومدارسهم الفكرية, حتى اشتق منه اسم “الخوارج” لثورتهم المستمرة كما استخدموا ايضا مصطلح “النهضة” لأن “النهوض” كالثورة يعني الوثوب و الإنقضاض وفي الحديث الذي يرويه ابي أبي أوفى نقرأ “كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب أن ينهض إلى عدوه عند زوال الشمس” رواه أحمد بن حنبل. وعدة أحاديث أخرى تستخدم مستطلح النهضة و المناهضة بمعنى البروز و الوثوب و الصراع مع الأعداء لإحداث التغيير و الاقتحام للمستقبل و امتلاك الجديد و إحراز الفتح المبين! وقد ظل مصطلح النهضة بمعنى الثورة كذلك حتى أننا نطالعه في كتابات الأفغاني و سعد زغلول.

و يدعو الكاتب القارئ المتدبر للقرآن أن يراجع معه مصطلح آخر استخدمه القرآن للدلالة على “التغيير الثوري” ألا وهو “الانتصار“. و يقول أن إضافة للمعاني السابقة فإن الثورة تأتي أيضا بإنتقام للمظلومين من الظالم على تفاوت درجات الانتقام ومواطنه وكذلك “النصر” والانتصار. فالنصر يعني إعانة المظلوم, والانتصار يعني الانتصاف من الظلم و أهله و الإنتقام منهم. والقرآن يذكر الانتصار بهذا المعنى كفعل يأتيه “الأنصار” ضد البغي في سورة الشورى 37-43: ” والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور” .

و الخلاصة أن الثورة في تعريفها الأعم و مرادنا هي: “العلم الذي يوضع في الممارسة والتطبيق, من أجل تغيير المجتمع تغييرا جذريا وشاملا, والانتقال به من مرحلة تطورية معينة إلى أخرى أكثر تقدما, الأمر الذي يتيح للقوى الاجتماعية المتقدمة في هذا المجتمع أن تأخذ بيدها مقاليد الأمور, فتصنع الحياة الأكثر ملاءمة و تمكيناً لسعادة الإنسان ورفاهيته, محققة بذلك خطوة على درب التقدم الإنساني نحو مثله العليا التي ستظل دائما وأبدا زاخرة بالجديد الذي يغير التقدم و يستعصي على النفاد و التحقيق”

التوجهات الفكرية الإسلامية و الثورة


وعليه فظهور الإسلام في شبه الجزيرة ثورة…. إلخ. و بداية الاختلاف كانت في المسألة الفكرية السياسية الثورية وما يسمى ب”قضية السيف“. السؤال هو: هل تجوز الثورة ( بمعنى الخروج) على الحاكم؟ وهو الجانب الذي سنركز عليه هنا.

التوجه الفكري الأول: الخروج بالسيف


جميع التيارات الفكرية الإسلامية التي انحازت للثورة نظريا أو عمليا وقررت مشروعيتها قد استندت إلى أن القرآن قد “أوجب” على الأمة, متضامنة متكافلة, الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر. فإذا اقتضى النهوض بهذا التكليف استخدام “الفعل” بعد “القول” و “الاستعانة بالقوة” التي اصطلحوا تسميتها ب “قضية السيف” كان ذلك “مشروعا” لدى البعض و “واجبا” لدى البعض الآخر.

وهم في ذلك يستندون إلى قوله سبحانه وتعالى في سورة آل عمران 104: ” ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير و يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر” وقوله في نفس السورة 110 : “كنتم خير أمة أخرجت للناس, تأمرون بالمعروف و تنهون عن المنكر“. وقالوا إذا كان الأمر بالمعروف يقف عند حدود الهدى والبيان, فإن النهي عن المنكر يتجاوز ذلك إلى الفعل. واستندوا في ذلك إلى عديد من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم و منها: “من رأى منكم منكرا فليغيره بيده, فإن لم يستطع فبلسانه. فإن لم يستطع فبقلبه و ذلك أضعف الإيمان” رواه مسلم و الترمذي و النسائي وابن حنبل. والفعل هنا يسبق غيره من وسائل التغيير. ومن مثل قوله محذرا الأمة من النكوص عن هذا الطريق الصعب قوله: “لتأمرن بالمعروف, و لتنهون عن المنكر, ولتأخذن على يد الظالم, ولتأطرنه على الحق أطرا (أي تدخلونه في الحق وتجبرونه عليه) , أو ليضربن الله على قلوب بعضكم ببعض, ثم تدعون فلا يستجاب لكم” رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجه وابن حنبل. . وقوله: ” إذا رأيتم الظالم فلم تأخذوا على يديه يوشك الله أن يعمكم بعذاب من عنده” رواه الترمذي في سننه. ومن مثل الترغيب في هذا الطريق المحفوف بالمكاره و الملئ بالأشواك قوله: “أفضل الجهاد كلمة حق أمام سلطان جائر” رواه أبو داوود والترمذي و النسائي و ابن ماجه وابن حنبل. وقولة سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب : “ثم رجل قام إلى إمام جائر فأمره و نهاه فقتله” !

التوجه الفكري الثاني: الهجرة


في التراث الإسلامي الكثير من الآيات التي تدعو الإنسان لرفض الظلم و “العمل على تغييره”. فالثورة تعني “الهجرة” من حالة الاستسلام و السكون إلى حالة التمرد و الحركة. فيه هجران للركود والموت ووثبة يتجاوز بها الإنسان و المجتمع هذا الوضع الجائر ليستبدله بآخر أكثر إشراقا ووضاءة. فليست الهجرة فرارا وهروبا فهي حينها فعل إيجابي بل و وسيلة تأديب! و الذين لا يهجرون المجتمع الظالم هم ظالمون لأنفسهم. وهو أشد أنواع الظلم لأنهم حينها يظلمون أنفسهم و الأمة ومصالحها بل والقيم التي دعا إليها الله وبشر بها الرسول. وفي ذلك يقول سبحانه وتعالى في سورة النساء 97:
إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا” ذلك أنهم كانو “مستضعفين في الأرض” لا يعفيهم من مسؤولية التكليف بواجب التغيير للظلم. لأن منطقهم الاستسلامي هذا يعاكس إرادة الله في الأرض في آية جمعت من المعاني و الطاقات الثورية ما لم تجمعه شعارات كثيرة قال تعالى في سورة القصص 5-6: ” وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ“. فإن إرادة الله أن تكون القيادة والإمامة للمستضعفين في الأرض وأن تكون لهم وراثة ما في حوزة أوطانهم من ثروات وعلوم و إمكانيات.

التوجه الفكري الثالث: طاعة ولي الأمر المطلقة


بعد عرض سريع للتاريخ الإسلامي, رأينا فيه الخوارج, و تيارا من المرجئة, والمعتزلة ثم الزيدية و العلويين وبعضا من فرق الشيعة الإمامية مثل الإسماعيلية و كذلك الكيسانية… اجتماعها كلها فكرا و عملا على ضرورة اللجوء للثورة و العنف الثوري –السيف- كسبيل لإزالة الجور و الظلم و الفساد. ولم يشذ عن هذا إلا أحد تيارات المرجئة الذين ناصروا الأمويين, و إلا شيعة جعفر الصادق الذين علقوا السماح باستخدام السيف على ظهور إمامهم المنتظر الذي سيخرج ليملأ الأرض عدلا بعد أن ملئت جورا!.

وكذا مرت السنون وظلت الشيعة الاثنا عشرية على موقفها المناهض للثورة بينما حمل التيار الفكري الذي عرف “بأهل الحديث” وكذلك نفر من التيار الأشعري فكر المرجئة الذين ناهضوا الثورة ونهوا عن استخدامها في النهي عن المنكر و التغيير.

ولم ينكر هذا الفريق “وجوب” النهي عن المنكر لأنه ثابت في الكتاب و السنة ولكنهم حصروا وسائل النهي في النهي باللسان لا باليد فضلا عن السيف و خاصة إذا ترتب على ذلك تضحيات.

و آراء الأئمة في ذلك كالتالي:

و أصحاب الحديث و أبرز أئمتهم أحمد بن حنبل (780-855 م) قد انفردوا وحدهم ودون فرق و مدارس الفكر الإسلامي بتحريم السيف و إنكار الخروج المسلح على أئمة الجور و ظلمة الحكام و قالو: “إن السيف باطل, ولو قتلت الرجال و سبيت الذرية, وأن الإمام قد يكون عادلا ويكون غير عادل, وليس لنا إزالته و إن كان فاسقا, وأنكروا الخروج على السلطان ولم يروه” {تعليق واجب عن رأي ابن حنبل}

وهم قد استندوا في موقفهم هذا إلى اعتزال نفر من الصحابة للفتن و الصراعات التي شبت في صدر الإسلام, عندما عمى عليهم وجه الصواب و الخطأ, أو أدركوا الصواب و الخطأ ثم تحرجوا أن يجردوا السيف ضد من سبقت له صحبة الرسول صلى الله عليه و سلم. ومنهم سعد بن أبي وقاص و أسامة بن زيد و عبد الله بن عمر.. إلخ.

ولقد تبع ابن تيمية (1263- 1328 م) موقف استاذه ابن حنبل المعادي للثورة وأورد, تأييدا لهذا الموقف وقال: “إن المشهور من أهل السنة أنهم لا يرون الخروج على الأئمة وقتالهم بالسيف, وإن كان فيهم ظلم. لأن الفساد في القتال و الفتنة أعظم من الفساد الحاصل بظلمهم بدون قتال ولا فتنة, فيدفع أعظم الفاسدين بالتزام الأدنى” {تعليق واجب عن رأي ابن تيمية}

ويرى الإمام أبو حامد الغزالي يرى خلع الحاكم المستبد الذي لم يستكمل شروط الإمامة إذا أمكن ذلك دون قتال. ويتعجب الدكتور محمد عمارة كيف يتصور إمكان ذلك مع استبداد الحاكم بالقوة و السيف! فالرأي عنده هو: وجوب طاعته والحكم بامامته فيقول: “و الذي نراه ونقطع: أنه يجب خلعه إن قدر, على أن يستبدل عنه من هو موصوف بجميع الشروط, من غير اثارة فتنة ولا تهيج قتال. وإن لم يكن ذلك إلا بتحريك قتال وجبت طاعته وحكم بإمامته” ! “.. فإن السلطان الظالم الجاهل متى ساعدته الشوكة و عسر خلعه, و كان في الاستبدال به فتنة ثائرة لا تطاق وجب تركه, ووجبت الطاعة له!..” وهو بذلك يرى في طاعة الإمام الجاهل الظالم مكاسب تتحقق للأمة تفوق الآمال المعلقة على خلعه بالثورة, و يتسائل: “كيف نفوت رأس المال في طلب الربح ؟!” {المصدر الاقتصاد في الاعتقاد ص137 و احياء علوم الدين ص 893}

ويرى ابن جماعة(1241 – 1333م) الذي عاش نفس ظروف وملابسات ابن تمية عندما صور الأمر و كأنه غابة تجب فيها الطاعة للأقوى من المستبدين حتى لو كان جاهلا فاسقا, فإذا أطاح به جاهل فاسق آخر كان هو الإمام المطاع! يقول إنه: ” إن خلا الوقت عن إمام, فتصدى لها من هو ليس من أهلها, و قهر الناس بشوكته وجنوده بغير بيعة أو استخلاف, انعقدت بيعته ولزمت طاعته.. ولا يقدح ذلك كونه كان جاهلا أو فاسقا. وإذا انعقدت الامامة بالشوكة و الغلبة لواحد ثم قام آخر فقهر الأول بشوكته وجنوده, انعزل الأول و صار الثاني إماما” { تعليق واجب عن رأي ابن جماعة}

وخلاصة ما سلف قد تكون لهذه المبررات العملية التي ساقها هذا النفر من أئمة أهل الحديث و الأشعرية حظوظ من الوجاهة في بعض المواقف و الملابسات … و بخاصة أمام المخاطر الخارجية التي هددت الدولة والحضارة. كأن ظل نمط الحكم المملوكي الذي كانت تغلب فيه القوة الجسدية و المخاطر الخارجية مما أدى إلى هذا الموقف المناهض للثورة. و أعطى الشرعية لنظام استبدادي حتى صار قاعجة وصار الخضوع للحاكم و الطاعة له هما الشريعة و القانون حتى قال نفر من الفقهاء “مَن يحكم يُطع”!

مواطن تعليق الكاتب الدكتور محمد عمارة


ولكن البعض يعول على أن تلك الآيات قد وردت في معرض القصص عن قوم سابقين ولا يستدل بها في مسئلتنا عن الثورة, فيرد الدكتور الكاتب بقوله أن علماء الأصول قد قالو: إن القرآن لم يذكر قصص الأولين مستهدفا التاريخ, بل أورد من هذا التاريخ وذلك القصص مواطن للعبرة, فهو يعالج قضايا المجتمع الإسلامي سواء أكان ذلك بالحديث المباشر أو بالعبرة والعظات يسوقها لنا من خلال قصص الأولين و تاريخ الأقدمين.

وجدت الكثير الكثير من التيارات الثورية المسلمة ما يؤيد موقفها من قضية السيف أو استخدام العنف الثوري –بتعبيرنا الحديث- في عملية التغيير وهي قضية خلافية كما أسلفنا. ووجدوا في السنة كما في الممارسة التي تمثلت في ظهور الإسلام وصراعات المؤمنين ضد خصومه –أحاديث عدة أكثرها دلالة الذي رواه الصحابي حذيفة بن اليمان:
قلت: يا رسول الله, أيكون بعد الخير الذي أعطينا شر, كما كان قبله؟!

قال: نعم!

قلت: فبمن نعتصم؟!

قال: بالسيف.

رواه أحمد بن حنبل في مسنده و أبو داود في سننه.

وغير هذه من الآيات و الدلائل في تقرير مشروعية الثورة بل ووجوبها في الإسلام.

خلاصة بحث الكاتب


و يخلص الكاتب إلى قوله: وعلى هذا تطالعنا المصادر و النصوص الإسلامية الأولى و الجوهرية: الكتاب و السنة بما يزكي حجج التيارات الثورية الإسلامية على مشروعية الثورة (يقصد في مفهومها الواسع) بل ووجوبها في الإسلام.

تعليقات واجبة و مناقشة سريعة


أولا ملاحظات:

يلاحظ أن معظم أحاديث السيف قد وردت في مسند أحمد بن حنبل, ثم نجد الإمام أحمد يحرم الخروج على الحاكم و من بعده تلميذه ابن تيمية كيف ذلك؟ بل قد نرى أن الليبرالين يحملون الكثير مثلا على ابن تيمية بسبب رسالته الجهادية التي يقال عنها أنها أحد أهم روافد الحركات الجهادية في العالم أجمع؟ كيف هذا التناقض؟؟
بمراجعة سريعة للتاريخ وحياة الإمامين نعرف أن وقتهما كانا في خضم الخطر التتري و المغولي و ربما مصحوبا أيضا بالخطر الصليبي على الأمة. لذا كان منطقيا جدا أن يحقنوا الدماء الداخلية خوفا من فتنة أكبر وهي ضياع الأرض و الدين معا. و مثلهم في ذلك رأي ابن جماعة الذي عايش المماليك حيث كثر الجهال الفساق من الحكام بحكم صراع المماليك المتوالي على السلطة في عصره لذا كان رأيه يبدو وكأنه يصف قوانين الغاب حيث البقاء للأقوى من المستبدين. و هم بذلك يطوعون الفكر للأوضاع السياسية التي عاشوا فيها في المقام الأول.

إذا ماذا عن رسالة ابن تمية الجهادية واتهامه بالجمود؟ نعرف أن ابن تيمية خرج لملاقاة جيش من ثلاثين ألفا من المغول بقيادة غازان الذي أعطاه الأمان للبلاد حينها –و إن نكص غازان عهده لاحقا- و نعرف أنه من الأئمة القلائل الذين يذكرهم التاريخ بأنهم رجالا محاربين يخرجون ضد الظلم و الجور و العدوان ب”الفعل” لا بمجرد القول. ونعرف أنه من سجن من أجل محاربته بدعا كثيرة على رأسها زيارة القبور و التبرك بها بل إنه كان من أوائل من دعوا “للتجديد” في الدين و البحث عن أصوله للوصول إلى السنة الصحيحة. ربما “جمد” فكر طلابه من بعده ولكن الرجل في الأصل كان من أول من دعوا للتجديد و المراجعة. و رسالته الجهادية و خطبه من أروع ما قيل في الجهاد من إمام و قائد وقد كان لازما حينها للدفاع عن الأوطان و الأعراض. يناطح الليبراليون الحاليين فكره بفكر “ابن رشد” ربما نفرد لذلك نقاشا خاصا من بعد.
و آخر الملاحظات وأهمها, عن رأي أبو حامد الغزالي فهو تقريبا الوحيد الذي كان له رأي يدعم فكرة الخروج بدون سلاح. وإن لم يرى الدكتور عمارة هذا ممكنا. ولنا في ذلك التفكر كثيرا. فكل الآراء الموضحة أعلاه هي آراء لأئمة عاشوا فترات صراع و حروب و إنقسامات و إنقلابات دموية على الحكم في ظروف تاريخية تختلف كلية عن معطيات حاضرنا الذي نعيش فيه. لذا كان لزاما علينا أن نتفكر كثيرا في تجديد الخطاب و الفكر الديني بما يناسب عصرنا نحن لا عصرهم و هي دعوة الكثير للتحرر من “الجمود”. قد رأينا من الثورات ما تم بغير سلاح في الهند و مثلها في مصر ولم نجد في تراثنا الفكري –بحسب الدكتور- ما يدعم هذا غير رأي أبو حامد الغزالي –الذي تعجب منه الدكتور عمارة- و أحاديث القول ك “أفضل الجهاد كلمة حق أمام سلطان جائر”. و لنا أن نذكر عمر بن الخطاب وحديث إسلامه حيث قال للرسول محمد صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله : ألسنا على الحق ؟ قال الرسول نعم , قال عمر أليسوا على الباطل ؟
قال رسول الله : نعم , فقال عمر بن الخطاب : ففيما الإختفاء ؟ قال رسول الله : فما ترى يا عمر ؟ قال عمر : نخرج فنطوف بالكعبة , فقال له رسول الله : نعم يا عمر , فخرج المسلمون لأول مرة يكبروا و يهللوا فى صفين, صف على رأسة عمر بن الخطاب و صف على رأسة حمزة بن عبد المطلب و بينهما رسول الله يقولون: الله أكبر و لله الحمد حتى طافوا بالكعبة فخافت قريش ودخلت بيوتها خوفاً من إسلام عمر و من الرسول و صحابته رضى الله عنهم. وفي هذا الحديث ذكر لأول مظاهرة “سلمية” نعرفها في الإسلام. وهي الحادثة التي يرتكن إليها الكثير في السماح بالتظاهر بشروط. إذا يبقى التأكيد على أهمية وجوب “الثورة” بمفهومها الواسع متى تحققت لوازم حدوثها.


ثانيا إسقاطات:

الآن بعد مرور سريع على الآراء الفكرية الثلاثة الكبرى بإمكاننا إسقاط تلك الأفكار على الجماعات الموجودة في العالم على اختلافها وبذلك نستطيع أن نعرف على ماذا يبنى هؤلاء أفعالهم في الأصل؟ لماذا حرم بعض الشيوخ الخروج على الحاكم؟ ولماذا أباحه البعض؟ بينما جعله الآخر “واجبا”؟ بينما قرر الآخر الهجرة؟ ونخلص من المناقشة بعدة ملاحظات نهائية:

  • الجمود قد لا يكون من المصدر و إنما من التلامذة في عصور لاحقة. الجمود أيضا قد يصاحبه انغلاق على مصادر بعينها أو فكر بعينه.
  • قد يتفق الجمع على الأصول و لكن يختلفون في التعريفات. مثلا: من هو الإمام العادل؟ المسلم؟ أي الفتن أكبر؟ ما الأولويات؟ وعندها تنشئ جماعات أخرى بفكر جديد فتجد مثلا جماعة سلفية جهادية و أخرى على النقيض تحرم الخروج على الحاكم و أخرى تعتزل العمل السياسي كلية.
  • قبل قراءة فتوى أو رأي لشيخ يجب معرفة الظروف التاريخية المحيطة برأيه.
  • لأن الأصول واحدة (الكتاب و السنة) ولكن المنظور الفكري مختلف فحن بحاجة لعلم “أصول الفقه”
  • لأن الأولويات مختلفة فنحن بحاجة لعلم “مقاصد الشريعة”

و أخيرا أسقطنا ما ناقشنا في جمع بسيط على التجربة الثورة الإيرانية و الجزائرية و المصرية و الحال الداخلي في باكستان. وكان من أهم ما جاء فيها: قد ينشأ عدة أحزاب على مرجعية دينية –مثل باكستان- ولا يكون لها أي أثر أو فعل يذكر بحكم جهل الناس وشراء ذممهم (بما في ذلك القائمين على الأحزاب الدينية نفسها). أو توجد حكومة دينية يرفضها الناس و تؤدي إلى تهميش الدين في شكله الجوهري لا الظاهري. و الأصل العمل على إثراء روح الاختلاف بعد الفهم لأن الإنسان بطبعه عدو ما يجهل. و الأولى بنا أن نعرف “المفهوم” فنفهم و نحلل “سلوك” الآخرين عندها ربما نعرف كيف نتعايش معهم و مع أفكارهم.

أعتذر عن طول المقال… و لكني آثرت أن أشارككم قدر ما استطعت لأنه ينير عدة مناطق مظلمة في آراء و تصرفات الكثير من الشيوخ و الحركات و الجماعات الدينية في الفترة الأخيرة.

تحياتي…

أحمد عبد الحميد
باحث مصري بأوروبا البلد
بلجيكا – لوفان
فبراير 2011

مصدر الصورة: ماجد مرسي: هنا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أضف جديد هذه المدونة إلى صفحتك الخاصة IGOOGLE

Add to iGoogle

المتابعون