ميدل ايست أونلاين:.اختلافات المذاهب الأربعة ... المخادعة في الألفاظ! :.
| |||||
اختلافات المذاهب الأربعة ... المخادعة في الألفاظ!
| |||||
رغبة جعل الآراء الفقهية ذات تأثير عميق في اللاوعي لأتباع هذا المذهب أو ذاك، حتى يسهل حشدها وتأليبها على أي رأي مخالف يخرج من صلب مجتمعاتها.
| |||||
ميدل ايست أونلاين
| |||||
بقلم: عيد الظفيري
| |||||
أكثر ما يميز المرحلة الحالية من تاريخ الدولة السعودية الثالثة هو الحراك المجتمعي المتنامي على جميع الأصعدة؛ بشكل غير مسبوق في كل المراحل السابقة من عمر توحيد هذا الكيان على يد الملك عبد العزيز آل سعود، فمن أصوات مطالبة بتفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني بصورة أوسع نطاقا مما هو متاح في الفترة الراهنة إلى أصوات مطالبة بمزيد من حرية التعبير؛ حتى في مسائل الاختلاف بين المذاهب الأربعة، وهذا هو جوهر ما سأتحدث عنه في هذا المقال.
فالمسألة في نظر الكثير من مثقفي الجيل الحالي ليست مجرد رغبة في الإطلاع من أجل الاستزادة في العلوم الشرعية، بل تعدت كونها مسائل خلاف فرعية إلى مسائل جوهرية بالنسبة للكثير منهم؛ لأنها أصبحت تشكل تناقضاً صارخاً في حياتهم اليومية، على الرغم من أن اعترافهم بعدم اكتراثهم للكثير من التلميحات والتصريحات التي تنتقد مظهرهم الخارجي. إما لقناعتهم التي اكتسبوها من خلال الإطلاع والبحث في كتب السلف الصالح، أو بسبب عدم إجبار النخب الدينية لهم لاعتناق ذات الأفكار التي ترعرعت وازدهرت بين صفوف التيار الحنبلي بالقوة والإكراه.
في هذا مفارقة لا أجد لها أي تبرير، حينما يتحول الحديث عن الاختلافات المذهبية بشيء من المخادعة اللفظية لبعض الأتباع، وكأن تلك الاختلافات لا ترتقي لمرتبة الخلاف في ما بينهم رغم الترهيب اللفظي - غير المباشر - الذي يمارسه البعض منهم تحت تأثير أرائه الشخصية. ومع أن هذه الاختلافات المذهبية لا تمس بأي حال من الأحوال العقيدة الإسلامية النقية التي اجتمعت على صحتها المذاهب السنية الأربعة، لأنها لا تعدو كونها خلافات فرعية حتى لو توهم البعض بأن لها تأثيراً غير مباشر على سلامة العقيدة عبر تدنيسها بالشبه المريبة بسبب مسائل الاختلاف من خلال محاولة بعض النخب الدينية إقصاء المذاهب الأخرى المخالفة؛ بطريقة لا تمت لسماحة الدين الإسلامي بصلة إلا أن أوجه الاختلاف في بعض الأحيان قد تصل إلى مفترق الطرق، وعندها يجد الاتباع أنفسهم في مسارات متباعدة تعزز من احتمالية عدم الالتقاء مجدداً.
ما دفعني للكتابة عن هذه القضية الشائكة، هو تمسك كل أتباع مذهب بكل الآراء الفقهية التي تأسست عليها تلك المذاهب الأربعة؛ وكأن الهدف الرئيسي للأتباع هو المحافظة على الإرث الفقهي الذي تركه المؤسسون، خشيةً من انتصار مذهب على مذهب أخر!
فلو قسنا الأمر على مدى تعايش هذه المذاهب، فيما بينها، في مجتمع ما لمعرفة تقبل كل طرف لآراء الطرف الآخر الفقهية المخالفة لمذهبة، لوجدنا أنفسنا أمام مأزق يحتم علينا الإعلان بوضوح، سواء عن رفضنا أو تقبلنا للطرف الآخر المخالف لنا، وهذا يقودنا لنتساءل هل هناك ثمة تعايش بين أتباع المذاهب الأربعة يمكن القياس عليه في أي مجتمع إسلامي ماضي أو معاصر؟ حقيقة إن البحث في التاريخ الإسلامي عن مثل هذه الإشكاليات الجدلية المعقدة قد يثير الكثير من الجدل حول الانتقاء الذي مارسه بعض كبار الأتباع للآراء الفقهية رغبة منهم في جعلها ذات تأثير عميق في اللاوعي لأتباع هذا المذهب أو ذاك، حتى يسهل حشدها وتأليبها على أي رأي مخالف يخرج من صلب مجتمعاتها.
بداية لابد من الإشارة إلى أن من أهم أسباب نشأة المذاهب الأربعة هو اختلاف وتنوع البيئات؛ التي انتشر فيها الإسلام نتيجة للتوسع الجغرافي للفتوحات الإسلامية على مر العصور، مما أوجد حاجة ملحة لتسليط الضوء على القضايا الفقهية المستجدة في ذلك الزمان نظرا لتداخل الإرث الثقافي لتلك المجتمعات مع القيم والتعاليم الاسلامية الجديدة في ذلك العصر , وكان من البديهي اخضاع كل ما يؤثر على حياة الناس من عبادات وتعاملات إلى مصادر التشريع المتفق عليها؛ وهي الكتاب والسنة والإجماع والقياس ولم يحصل الاختلاف بين الأئمة من السلف في أمور الاعتقاد على الإطلاق، وإنما كانت خلافاتهم في الأحكام التشريعية، ويرجع السبب الرئيسي للإختلاف فيما بينهم على بعض الأحكام التشريعية إما لعدم توفر دليل صريح من الكتاب والسنة، أو لضعف حديث لا تقوم به حجة، أو غيره من الأسباب الأخرى التي لا تمس الثوابت.
إذن الاختلاف كان منذ البدء متعلق بمسألة مناهج الاجتهاد والاستنباط، التي اتبعها أئمة المذاهب الأربعة، ناهيك عن المذاهب الأخرى التي غٌيبت عن المشهد الفقهي طوال القرون الماضية والتي لا يسع المجال للحديث عن سبب عدم الأخذ بآرائها الفقهية، فما يهم الآن هو الاجابة عن مدى أهلية الفرد المسلم لتحديد خياره المذهبي الذي يتواءم مع بيئته وظروفه المحيطة به؟ خصوصاً أن أي خيار مذهبي لن يتعارض بأي شكل من الأشكال مع العقيدة الإسلامية الصحيحة؛ والتي هي النواة الحقيقية لكل المذاهب الأربعة.
لا أزعم أنني على اطلاع تام على مواطن الاختلافات بين المذاهب الأربعة؛ إلا أنني وكغيري من أبناء المذاهب الأخرى واجهت جملة من الاختلافات المذهبية خارج النطاق الجغرافي الذي نشأت فيه. وفي رأيَ أن الفرد المسلم مؤهل لأن يستفتي قلبه لأنه ليس من سماحة الدين الاسلامي اجبار المرء على الأخذ باجتهاد بشري معرض لاحتمالية الخطأ والصواب.
فمن المستحسن أن نتخلى عن فكرة العيش في نسق اجتماعي متشابه حتى في ادق التفاصيل. ولكن ثمة حوادث في تاريخنا الاسلامي تجبرنا على التأني طويلاً قبل طرح مثل هذه الأفكار، التي حتماً ستثير جدلاً واسعاً كما حدث في السنوات الأخيرة، حينما حاول بعض طلاب العلم الشرعي التنقيب في التراث الفقهي بحثاً عن أوجه الاختلافات بين علماء العصور الماضية في بعض القضايا التي ما تزال محل جدل، رغم مرور كل تلك السنوات رغبة منهم في ايضاح حقيقة بعض الأحكام التشريعية التي لا تخرج عن دائرة الاجتهاد والاستنباط، مما أثار ثائرة بعض النخب الدينية لمجرد أخذ هؤلاء الطلاب بآراء تختلف عما يعتقدون هم بصحته.
وهذا الذي جعل سياط النقد تلاحقهم أينما وجدوا، لأنهم لم يدركوا حقيقة بعض تلك النخب المتعصبة للآراء التي تؤمن بصحتها حتى لو لم يكن لديها دليل صريح على صحتها. ولعل أوضح مثال يمكن استحضاره من تاريخ الأمة الإسلامية يبين مدى تأثير اختلاف الآراء الفقهية على سماحة الدين الإسلامي؛ حتى بين أتباع المذهب الواحد هو ما تعرض له شيخ الإسلام ابن تيمية بعد فتاواه المتعلقة بمسائل الطلاق ومنها طلاق الثلاث بلفظة واحدة.
فقد حوكم ابن تيمية وزج به إلى السجن لأنه خالف علماء عصره اللذين اعتبروا أنه خرق اجماع الأمة في ذاك الزمان؛ وقضى الشيخ نحبه في السجن ضحية رأيه الفقهي الذي لا يتعارض مع الكتاب والسنة، وبسبب أن هذا الرأي أاعتبر في ذاك العصر شاذاً عن الإجماع. والغريب في الأمر أن هذا الرأي الفقهي أصبح، في ما بعد، من أكثر الآراء الفقهية ترجيحاً في مسألة طلاق الثلاث، بل أصبح من الآراء الفقهية التي لا جدال في صحتها، لدرجة أن تبنته العديد من قوانين الأحوال الشخصية في أكثر من بلد اسلامي!
ختاما لابد من الإشارة إلى أن الحديث عن الجدل الفقهي بين الأتباع قد يحمل شيئاً من المبالغة؛ إلا أنه بالتأكيد يكشف عن مدى توتر العلاقة حتى لو كانت تجمعهم عقيدة واحدة!
عيد الظفيري
كاتب كويتي
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق