كيف تتعاون الفرق الإسلامية.. مع اختلافها!
هل هناك مجال لكي يتعاون السنّة والشيعة لبناء الأمّة الإسلامية ولتحقيق أهدافها وتطلعاتها؟ وهل هناك فرصة لكي يعيش أبنائنا الوحدة الإسلامية؟ أم أن هذا الخلاف والفرقة وسوء الظن سيبقى مدى الدهر؟ وسوف نحافظ عليه وعلى وعدم الاندماج والألفة؟
الانطباع الخاطئ في عقلية كلّ طرف
من الخطأ أن يعتقد الشيعي أن السنّي يبغضه، أو أن يعتقد السنّي أن الشيعي يبغضه. إن غالبية الشيعة لا يكرهون السنّة، وكذلك فإن غالبية السنّة لا يكرهون الشيعة. فغالبية المسلمين يعتقدون بالأخوّة الإسلامية التي تعلّموها ونشئوا عليها، وهي أقرب للفطرة السليمة. وإن هذا الاعتقاد بالبغض المتبادل هو اعتقاد خاطئ وهو نتيجة للانطباعات الخاطئة التي روجت لها الآلة الإعلامية الغربية، بالإضافة للصراعات السياسية الدينية في التاريخ الإسلامي.
فوسائل الإعلام قد تصوّر للشيعي أن كلّ السنّة يكفرونه، وهذا يخلق توجس وخوف وتخوين لدى الشيعي من أخيه السنّي. وكذلك فإن الآلة الإعلامية الغربية تخوّف السني من أخيه الشيعي بشكل مستمر، وتصمه بالعماله وعدم الوطنية والمراد من هذا الإعلام هو أن لا يتفق السني والشيعي وأن لا يتعاونا لصلاح أمرهم وبناء قدراتهم ووحدة أمتهم.
ومن المعلوم أن الذي يروّج للفرقة بين الشيعة والسنّة هو الذي يكره كلّ من الشيعة والسنّة، ولا يريد لهما الوحدة، ويريد تغييب روح الأمة الإسلامية.
مثيري الفرقة.. قليلي العدد
وحتى لو كفّر بعض السنّة إخوانهم من الشيعة، فهذا لا يستدعي أن يبغض الشيعة أخوانهم السنّة، ويحاسب كلّ السنّة لما يفعله البعض. أو لو نالت بعض الشخصيات المحسوبة على المذهب الشيعي من الصحابة أو الشخصيات المحترمة لدى بقية المذاهب، وسلطت الوسائل الإعلامية الغربية لهذا الهجوم المتبادل إذكاءً للصراع الديني، فإن هذا لا يستدعي أيضاً أن يبغض السنّي أخيه الشيعي. لأن من يثير الفتنة الطائفية إما أن يكون جاهلاً، أو مخدوعاً، أو لمصالح ذاتية مكتسبة، أو أن يكون ضمن الآلة الغربية لتمزيق المسلمين.
فكل من يثير الفتنة بين المسلمين فهو بعيد كل البعد عن الإسلام ومعانيه وسماحته وقيمه، ويجب عدم تحميل أبناء مذهب معين لما يقوم به بعض الأفراد المخدوعين أو المستغلّين من قبل الغرب.
الفرق الإسلامية.. والمشروع المشترك
إذا لم يستطع المسلمون بجميع فرقهم الدينية ومذاهبهم المتعددة أن يشخصوا المصالح والمخاطر المشتركة التي تهدد مجتمعاتهم وعوائلهم وأبنائهم، ويضعوا لهم أهداف مشتركة لتحقيقها، فإنهم سوف يبقوا كساحة للصراع تتلاعب بها القوى الكبرى كيف تشاء. ولو حاول المسلمون السنّة والشيعة والصوفية وبقية الفرق الإسلامية أن يحددوا أهدافهم ومصالحهم المشتركة، وكذلك الأخطار المشتركة، فإن ذلك أدعى للوحدة الإسلامية وتضافر جهود أبنائهم، ولتنمية الشعور بروح الأمة الإسلامية.
ومن الصعب أن تكون هناك أمّة بلا مشروع مشترك له معالم وأهداف محددة، وتدافع عن مصالحها، ومع غياب الشعور بالوحدة والروح المشتركة. ذلك بالإضافة إلى الصراعات الداخلية بين فصائل الأمة والخوف والتخوين.
التوقف عن الخطاب التحريضي
هناك من السنّة من يجتهد في تجريح المذهب الشيعي عن طريق الخطابات أو المقالات أو مقاطع الفيديو. وكذلك بالعكس هناك من الشيعة من يجعل شغله الشاغل في نقد المذهب السنّي والنيل من رموزه. وكأن التشيّع أو التسنّن يشكل خطر على البعد الوجودي لهذا المذهب أو ذك.
فلو تحوّل شخص أو اثنان أو مجموعة من التشيّع إلى التسنن، أو تحولوا من المذهب السنّي إلى التشيع، فهل هذا سوف يحقق خطر حقيقي على البعد الوجودي للمذهب السنّي أو للمذهب الشيعي. أم هل بذلك قد تحقق أي انتصار لأي من المذهبين. أم هل بذلك قد حققنا أي انتصار للأمة الإسلامية وتقدمها وعزتها بين الأمم. وهل هذا يعتبر الإنجاز الأكبر.
إن الحوار العقدي لن ينتهي حتى لو استمر الحوار والاختلاف لمئات السنين، ولن يحقق أي تقدم. ولكن هل هذا الحوار سوف يتقدم بالأمة، ويعطيها استقلاليتها بين الأمم، ويضمن تقدمها. أم سوف تصبح مثل هذه الحوارات سبباً للفرقة والتمزق، والغفلة عما يراد بالأمّة من سوء، وغفلة عن العمل على نماء الأمّة وتعزيز القيم الإسلامية في أبنائنا.
الملاك ليس المسميات.. ولكن الأعمال
إن الملاك في تقدم الأمة الإسلامية هو ليس المسميات المذهبية، سنّي أم شيعي، بل هو بمدى الالتزام بالتقوى وبالقيم الإسلامية، والأخلاق الفاضلة، والأحلام العظيمة وفي ذلك فليتنافس أتباع كل مذهب إن كنتم تريدون رضوان الله والدار الآخرة ﴿ لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا ﴾ النساء - آية 123. سيان إن كان الفرد شيعياً أم سنياً وقام بالخطأ فإنه سوف يحاسب ويعاقب. بل حتى الأنبياء والمرسلين لو قصروا في أداء الواجب الإلهي أو أذنبوا فإنهم يعاقبون. ليس هناك قرابة بين الله عز وجل وخلقه، إنها ليست بأمانيكم، من يعمل سوءً يجز به.
الإسلام.. ضحية المسلمين
كلّ يوم نحن نخسر الأقصى شيئاً فشيئاً. كل يوم والغرب يعمل على تحريف القرآن، وإبعاد أبناءنا عن المسجد وعن القرآن وعن الإسلام. كلّ يوم وينالون من شخصية الرسول الأعظم، ومركب الأمّة الإسلامية ينهار، وأصبحت بلاد الأمّة الإسلامية مرتعاً للقوات الأجنبية الغازية في الشرق والغرب، وفي فلسطين. وما مكّن الغرب من أمتنا مثل اختلافنا وتمزقنا وبغينا بعضاً على بعض باسم الإسلام والدين.
إن بعدنا عن القيم الدينية، وعن المعاني الحقيقية للإسلام هو السبب الرئيسي الذي جعلنا نتخذ من الإسلام مغنماً ووسيلة للبغي على أنفسنا ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾ آل عمران - آية 19.
العنصر الثالث في التحريض
يجب أن لا نغفل أن الجزء الأكبر من التحريض المتبادل وإثارة الفتنة بين المذاهب الإسلامية يقوم به الغرب بشكل خفي. فكثير من مواقع الإنترنت التي تدعو إلى الطائفية، أو مقاطع الفيديو أو البريد الإلكتروني هي صناعة محترفين ومتخصصين موظفين من قبل الغرب ويعملون ليل نهار على إثارة الفرقة وإيقاد نارها بين المسلمين.
ومن الشيء المعيب والمخجل أن يستهجن البعض زيارة السنّي للشيعي، أو أن يستضيف السنّي أخيه الشيعي في منزله. فلو طلبنا الحق لما اختلفنا فيه، ولكن اختلفت قلوبنا، فيضلّ الله من يشاء على علم، ويهدي إليه من ينيب ﴿ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ ﴾ آل عمران - آية 152.
وحدة الشعوب.. قوّة وطنية
إن خط الدفاع الأول عن الأوطان هو الوحدة الشعبية، وعندما تنتهك حقوق الأقليات لا سيما الدينية، فهذا يولد لدى الفرد الشعور باللامسئولية وعدم الانتماء الوطني. وإذا ما واجهت بلدٌ ما أي تحديات، فإنه قلما يجتهد في الدفاع عنه. فالتجارب أثبتت فشل قاعدة "فرّق تسد"، ونجاح قاعدة "وحّد تعمُر". فالوحدة عمارة للأوطان، ودفاع عن مكتسباتها.
ولابد في الزمن الحاضر من سنّ القوانين للحفاظ على حقوق الأقليات، لتعزيز انتمائهم الوطني، وحتى لا تهمّش حقوقهم وتنتهك بلا قوانين ضابطة. وذلك يحول دون أن تستغل الأقليات من قبل القوى الخارجية بدعوى الدفاع عن حقوقها.
ماذا نريد من الخطاب الإسلامي
إن الدين في الشرق الأوسط يمثل الهوية للفرد المسلم، وذلك ليس كبقية مناطق العالم، لأن الرسول الأعظم أسس البنى التحتية لدولة إسلامية، وهي دولة دينية وليست دولة مناطقية أو عرقية أو قومية. وذلك ما يسمح للدولة الإسلامية بالتوسع وانصهار جميع الأديان والمناطق والقوميات داخلها، مع الحفاظ على حقوقهم. وهذا ما يؤهلها لكي تصبح دولة عالمية تحكم العالم من الشرق إلى الغرب.
إن الدين هو المحرّك الرئيسي للأفراد داخل الدولة الإسلامية، لذلك على رجال الدين وخطباء المنابر والمثقفين من جميع الفرق الإسلامية أن يوجهوا الشباب نحو العلم والعمل والبناء، وأن لا يسوقوهم بخطاباتهم نحو الفرقة والتمزّق والبغضاء والكراهية والصراع. فالصراع الطائفي بين الفرق الإسلامية يضمن هزيمة الجميع، وتدهور الأمّة الإسلامية بين الأمم.
رفض الخطاب التحريضي.. دفاعاً عن الإسلام
يجب أن يدافع المسلمين عن إسلامهم برفض جميع الخطابات التي تفرّقهم من أي جهةٍ صدرت. يجب أن نشعر أن الذي يشتم الشيعي أو السنّي أو الصوفي أو أي مذهب آخر هو يشتم ويجرّح كيان أساسي من مكونات الأمّة الإسلامية، فهو يشتم ويجرّح الإسلام والأمة الإسلامية. ويجب على الجميع أن يرفضوا مثل هذه الخطابات وينفروا منها لأنها تضرّ بهم جميعاً ولا تستثني أحداً. فالذي يشتم ويجرّح أي فرقة من فرق المسلمين هو يجرّحهم جميعاً، ويشتمهم جميعاً «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى» - الرسول الأعظم .
الهداية ليست بالجدال.. ولكن بالعرفان
إن الجدال والتنافس والخطابات التحريضية والإستهزائية لا يمكن أن تؤدي إلى هداية الناس إن كنتم صادقين، بل هو صورة مقنّعة من صور البغي والسباب بينكم. فالناس لا تهدي بالجدال العقيم بل تهتدي بالدعاء، وبالقرآن، وبالأخلاق الفاضلة، والقيم الصالحة والعلم، والصدق، والقرب من الله عز وجل، وهكذا كانت رسالة الإمام زين العابدين . فلقد دعا الناس إلى الهداية والإيمان عن طريق العبادة والدعاء والأخلاق الفاضلة وإعطاء كلّ ذي حقٍ حقه، وإنصاف الآخرين من نفسه.
على أبناء الأمّة الإسلامية أن يتحملوا مسئولياتهم تجاه المخططات الغربية التي تسعى إلى تمزيق وحدتهم، وتفريق صفّهم، وضربهم بعضاً ببعض. فبعد أن أدرك الغرب عجزه عن تحقيق أي انتصار عسكري حاسم ينتهي بالاستعمار الكامل على مقدرات الأمة، لجأ إلى إشعال العصبية الدينية بين الفرق الإسلامية لضربها ببعض.
﴿ إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ﴾ المائدة - آية 44.