شبكة النبأ -هل سقطت مشيخة الازهر في الفخ؟
هل سقطت مشيخة الازهر في الفخ؟ |
نعيم ياسين |
المتابع لتاريخ منطقتنا الحديث يرى انه مر بثلاث مراحل من التفتيت والاختزال لشعوبها المسلمة، وكانت الامة وعقيدتها هي من دفع الثمن في كل تلك المرحل. لقد مرت الامة بشعوبها ذات القوميات والاديان المتعددة بمرحلة الصراع العثماني الفارسي الذي امتد لقرون عديدة، وما ان ضعفت الدولتان العثمانية والصفوية نتيجة الحروب التي استخدم فيها الطرفان الدين والطائفية لخدمة اغراضهما السياسية بدأت المرحلة الثانية بالهجمة العسكرية للدول الغربية وفي مقدمتها بريطانيا وفرنسا في البلاد العربية والنفوذ الغربي الواسع في ايران واتسمت هذه المرحلة بعد الاستقلال السياسي الشكلي بالصراع القومي فكانت اقطابه الناصرية ومن سار معها ورفعوا شعار القومية العربية، والشاهنشاهية في ايران ورفعت لافتة الدولة الفارسية، والاتاتوركية في تركيا التي الغت كل مظاهر الخلافة الاسلامية ورفعت مكانها الطورانية. وبعد الصحوة الاسلامية التي انطلقت بين شعوب المنطقة بسقوط الناصرية والشاهنشاهية اواخر السبعينيات من القرن الماضي، ولخشية دول الاستعمار القديم دخلت منطقتنا في مرحلة الصراع الطائفي الذي نعيش فصوله الان بدعم غربي واضح لبعض اطراف هذا الصراع. ان مرحلة الصراع الطائفي هي اخطر المرحل جميعا التي مرت بامتنا لان المقدس من الدين والعقيدة يصبح اداة في الصراع، وقد تنبه لذلك كثير من العلماء الغيورين الحريصين على وحدة الامة وسلامة عقيدتها من الطائفتين الشيعية والسنية فبادروا بما وسعتهم الظروف الى اتخاذ خطوات جادة وحقيقية لنبذ الفرقة بين الطائفتين غير اننا لانعدم وجود بعض الاصوات التي تنطلق ضمن مخطط مرسوم لضرب وحدة المسلمين عبر سكب المزيد من الزيت لتأجيج نيران الصراع الطائفي متخذين من الاختلاف في جزئيات العقائد والفتاوى سببا للوصول الى اهدافهم. وجدت نفسي منساقا الى هذه المقدمة وانا اقرا تصريحات شيخ الازهر الدكتور احمد الطيب لدى لقائه وفدا شيعيا زاره في مقره، وتصريحاته التي نقلتها جريدة الشرق الاوسط السعودية في عددها (سبتمبر 2011 العدد 11994) من خلال مراسلها في القاهرة تبعث على الحزن والاسى، بل تعد صدمة لكل من اطلع على مسيرة الازهر ودوره في التقريب بين المذاهب وانفتاحه واحتكاك علمائه وشيوخه بثقافات متعددة منذ ايام رفاعة الطهطاوي. فمما قاله شيخ الازهر حسب " الشرق الاوسط " ((إن الأزهر الذي يعبر عن أكثر من مليار سني سيقف بالمرصاد ضد المد الشيعي، أن ما يذاع في القنوات الشيعية يصب في مصلحة إسرائيل والغرب ويهدف لتفتيت الأمة الإسلامية)). تصريح الشيخ هذا يضع الازهر في خندق الصراع الطائفي وليس في خندق وحدة المسلمين. تناسى الشيخ وهو ربما في غمرة انفعال عددا من الحقائق وهي : 1 – ان هذا الكلام لايقال امام وفد شيعي جاء للتعرف على الازهر ومتابعة تجربته في خطوة للتقريب بين المسلمين، فليس من اللياقة ان تقابل ضيفك بشتمه هكذا. 2 – ان المد الشيعي الذي يتحدث عنه الشيخ في كل حالاته ليس اجتياحا عسكريا لاحد، وانما هو انتشار ثقافي وطرح افكار قابلة للرفض والقبول، وتلاقح الافكار وانتشارها لايستطيع احد اليوم ان يحد منه او يقف له بالمرصاد عبر المنع والحجب في ظل الاعلام الالكتروني العابر للقارات، ولعل ثورة الفيس بوك القريبة من الازهر في مصر وسقوط نظام مبارك اقرب الادلة التي كان على الشيخ النظر فيها. 3 – لقد حكم الشيخ احمد الطيب على الاعلام الشيعي بانه يخدم اسرائيل والغرب ويفتت وحدة المسلمين، مع ان الشيعة هم ضحية بعض وسائل الاعلام التي تنتسب الى اهل السنة، فهناك عدد من الفضائيات التي تصرخ ليلا ونهارا بان الشيعة روافض وكفار واهل ضلالة، ولا نريد ان نذكر الشيخ بقناة وصال ولا بتصريحات القرضاوي ولا بفتاوى شيوخ ال سعود. ان اغلب الفضائيات الشيعية تركز في 90% من برامجها على شرح عقائد الشيعة وبيان الاحكام الفقهية ولم يقل احد من خلال هذه الفضائيات بكفر اهل السنة او ضلالهم. نحن نقدر للشيخ امتعاضه من اسرائيل وحرصه على اضعافها ولكن ما الذي افتى به ضد اسرائيل؟. ومضى شيخ الازهر في تصريحاته قائلا ((على المراجع الدينية في النجف وقم أن يتبرأوا من كل من يسب الصحابة الكرام والسيدة عائشة رضي الله عنها، وكل العقائد الباطلة، لو كانوا حقا يريدون الحفاظ على وحدة الأمة الإسلامية مضيفا أن الأزهر إلى الآن يضبط نفسه حفاظا على وحدة المسلمين؛ لكن إذا لم تتم السيطرة على هذه الحالة فستكون للأزهر خيارات فكرية أخرى)). المفترض في عالم انعقدت له مشيخة الازهر ان يكون متابعا لما حوله من الاحداث خصوصا مايتعلق بامور المسلمين وما ينشب من خلاف عقائدي او سياسي او غير ذلك، ولا اعتقد ان شيخ الازهر ليس متابعا وانما تعمد الاغماض عن تصريحات علماء الشيعة في النجف الاشرف وقم ومنعهم لسب الصحابة وتحريمهم القدح بازواج النبي (ص)، ولو دعا بعض رجال الدين من اهل السنة الى الامتناع عن تسفيه عقيدة الشيعة بالامام المهدي (عج)، وقذف الشيعة بانهم اولاد زنا لان فقه اهل البيت (ع) يقول بحلية زواج المتعة، والامتناع عن تكفير الشيعة لانهم يسجدون على قطعة اخذت من تراب الارض، وغيرها من العقائد التي لها دليل قوي من الكتاب والسنة. ان اتهام شيخ الازهر لعلماء الشيعة بتبني العقائد الباطلة حسب زعمه اتهام يقلل من مكانة الشيخ ويحط من قدره اكثر ممن يقصدهم علما ان بطلان عقيدة ما بنظر الخصم لايعني بطلانها عند صاحبها ومتبنيها مالم يقم دليل على ذلك. والا فما قول الشيخ بعقيدة تشبيه وتجسيم الذات الالهية عند اهل السنة؟ ان العلماء الحريصين على وحدة المسلمين ظهروا في اوساط المسلمين وعملوا بكل قوة لخدمة الطائفتين دون ان ينتظروا شيخ الازهر المتولي للمشيخة اليوم، واليك نماذج منهم : 1 – الشيخ محمود شلتوت شيخ الازهر اصدر فتوى شهيرة عام 1959م جاء فيها " ان مذهب الجعفرية المعروف بمذهب الشيعة الامامية الاثني عشرية، مذهب يجوز التعبد به شرعا كسائر مذاهب اهل السنة، ولمن قلد مذهبا من هذه المذاهب ان ينتقل الى غيره ولا حرج عليه في ذلك" 2 – شيخ الازهر سليم البشري والعلامة المجتهد عبد الحسين شرف الدين الموسوي فتحا حوارا عقائديا وفقهيا حول متبنيات الطائفتين سمي بالمراجعات، فكانت قمة في الادب والعلم والحوار الهادف بين العلماء، وقف هذان العلمان عبر حوارهما على كل نقاط الخلاف بين الطائفتين دون بغضاء او تعصب. 3 – السيد الشهيد محمد باقر الصدر اصدر بيانا قبل استشهاده بيد طاغية العراق قال فيه " اني بذلت وجودي من اجل الشيعي والسني على السواء ". 4 – اصدر مكتب سماحة الامام السيستاني بيانا في 28 / كانون الثاني / 2009 اكد على حفظ حقوق ابناء العراق من مختلف الطوائف وان المرجعية الدينية تقف على مسافة واحدة من جميع المرشحين دون تمييز بين شيعي وسني. اليس من الاجدر بالشيخ احمد الطيب ان يقتفي اثر هؤلاء العلماء فيرتفع فوق مستوى السياسيين الذين يطلقون التصريحات بالمجان؟ اليس جديرا به ان يدعوا الى حوار هادئ مع من يشاء من علماء الحوزة في النجف الاشرف او في قم كما حصل في عصر المرحومين الكبيرين الموسوي والبشري، خصوصا وان الامم المتحدة فتحت حوار الحضارات، وحوار الاديان؟. Naem _1111@yahoo.com |
شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 9/تشرين الأول/2011 - 11/ذو القعدة/1432 |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق