شيعة مصر يثيرون الهلع والريبة .. لماذا؟بقلم: عمر غازي
تاريخ النشر : 2011-09-07
شيعة مصر يثيرون الهلع والريبة .. لماذا؟
بقلم: عمر غازي *
تختلف مصر اختلافا جذريا في قضية التشيع عن الغالبية العظمى من البلدان العربية والإسلامية السنية التي تتواجد بها أقليات شيعية، وذلك لأن جميع مواطني مصر المسلمين من أهل السنة والجماعة باختلاف مذاهبهم وعقائدهم وطرائقهم فلا يوجد أقليات كبرت أو صغرت ولدت شيعية المذهب والمعتقد بالرغم من حكم العبيدين لمصر وتأسيسهم الأزهر الشريف لخدمة أهدافهم لكن سرعان ما قوبل مذهبهم باللفظ من أرض الكنانة.
ولذا عندما نقول أن الشيعة أو المتشيعين الحقيقيين وليس المتعاطفين مع الفكر الشيعي في مصر يعدون بالمئات أو ربما بضعة آلاف لو أردنا المبالغة في بلد تعداده فوق الثمانين مليونا فهذه حقيقة وليس ضربا من ضروب التجني، بالرغم من حديث زعيم الشيعة في مصر محمد الدريني عن تحولات من السنة في مصر إلى المذهب الشيعي، مفصحا عن تقديرات أمنية بوجود حوالي مليون شيعي متسترين وراء 76 طريقة صوفية، بينما التقديرات الأمريكية تصل بعدد الشيعة المصريين بوجه عام إلى حوالي 1% من اجمالي المسلمين في مصر، أي حوالي 750 ألف نسمة.
على أية حال تبقى هذه مجرد تكهنات وتخمينات إذ ان المتشيعين حتى الآن لا يعدو ظهورهم التواجد الاعلامي الضيق لشخصيات نخبوية ولا يوجد لهم منابر معروفة يتوافدون عليها بشكل علني ربما خشية المضايقات الأمنية في السابق كما يصرح زعمائهم، لكن السؤال الذي يطرح نفسه إذا كانت حقيقة تواجدهم على هذا النحو الضئيل والمتستر فلماذا كل هذا الهلع منهم ومن مساعيهم لتأسيس حزب سياسي تكون مرجعيته للمذهب الجعفري الاثنا عشري؟
ثمة أسباب عديدة تزيد من هذه المخاوف لدى شريحة كبيرة من أطياف متعددة من الشعب المصري على رأسها الخوف من توظيف "حزب الحرية والوحدة" الذي أعلن عن تأسيسه الناشط الشيعي أحمد راسم النفيس، في تكريس الطائفية من خلال وضع الشيعي في مقابل السني أو السلفي، وهو الأمر الذي إن تحقق ستكون عواقبه وخيمة، بحسب الباحث في شؤون الحركات الإسلامية مصطفى زهران.
ويلفت زهران إلى أن الحزب سعى منذ الوهلة الأولى لأن ينفي عن نفسه الصفة الدينية رغم كون مرجعيته شيعية حتى يتيح للآخر الالتحاق به والتعرف على أفكاره بدون خوف من إجبار أعضائه على ممارسة طقوس بعينها أو استخدام شعائر مغايرة لطبيعة وفطرة المجتمع المصري الوسطي.
ويعتقد الباحث أن ولادة هذا الحزب تفتح الباب لطرح متطلبات جديدة لم يألفها الشارع المصري وفرض طقوس دينية غير متعارف عليها بشكل قد يثير حفيظة أطراف أخرى داخل البنية الإسلامية المصرية.
ويرجع زهران الإشكالية الكبرى للحزب إلى مسألة التمويل والدعم واحتمال ارتباط الحزب بإيران وهو الأمر الذي ربما يثر مخاوف كبيرة يصل هاجسها السلطات الحاكمة، خاصة وان هناك شريحة عريضة من المجتمع المصري تنظر بريبة وشك الى الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي تتبني عقيدة "ولاية الفقيه".
وإذا كانت هذه المخاوف التي طرحها الأستاذ مصطفى زهران تبدو منطقية ومقبولة فإنه يبقى التخوف الأكبر لدى التيارات الإسلامية هو التأثير على عوام الناس وتشكيكهم في عقائدهم حيث يقول الدكتور جمال المراكبي الرئيس الأسبق لجامعة أنصار السنة في مصر وهي الكيان السلفي الأكبر: "هناك معلومات وصلتنا بأن المذهب الشيعى يسعى لإنشاء حزب وإصدار جريدة ناطقة باسمه، تدعمها إيران من الباطن، وقال "إنهم لن يعطوا الفرصة لهذا المذهب للعودة، والشيعة فرقة منحرفة ظهرت في العصر الأول من الإسلام للطعن في جيل الصحابة واللغو في آل البيت، ونحن من أهل السنة، لهذا نراهم أعداء لنا"
ويضيف: أن المذهب قد ترتب عليه مناهج تشريعية غريبة، مؤكداً أن مصر طوال عصرها تتبع أهل السنة حتى في العصر الفاطمي الذي حكم الشيعة فيه, وقال: "نحن حريصون على مذهبنا وعقيدتنا الصحيحة، ونحذر أي حزب يقوم على عقائد هذا المذهب، لأنه بالتأكيد سيطعن في العقيدة الإسلامية".
وكان شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب قد نبه في تصريحات خلال استقباله وفدا من السنة والشيعة في يوليو الماضي إلى مغبة محاولات نشر المذهب الشيعي بين أهل السنة، وأن "الأزهر سيقف بالمرصاد لأي دعوات تفرق وحدة الأمة الإسلامية"، مشددا على "رفض الأزهر - باعتباره حامي حمى أهل السنة والجماعة بالعالم - محاولات نشر المذهب الشيعي بين أبناء أهل السنة والجماعة وببلدانهم".
وإذا كانت هذه التصريحات تبدو مطمئنة للبعض إلى حد كبير وغير كافية لدى آخرين، فإنه على أية حال لن تزيل أيا من الإشكاليات أو المخاوف المطروحة والتي لن تحل أيضا بالإقصاء أو الاعتقالات السياسية أو المزيد من التهميش الذي يؤدي لعكسية النتائج وإنما يأتي عن طريق فتح باب التعايش والوئام، والتي تتمثل في الزام الشيعة في منابرهم العامة باحترام عقائد الغالبية العظمى عن طريق اصدار تشريع يجرم التعرض لصحابة رسول الله وأمهات المؤمنين بالشتم والانتقاض واللعن كما نرى ونسمع ونشاهد على القنوات الشيعية ومثلما كان يجاهر المتشيع المصري حسن شحاتة، لأننا بأية حال من الأحوال لن نستطيع اثناء الناس عن معتقداتهم أو الكشف عن تخبئ صدورهم، كما أننا لن نستطيع أن نقضي على التشيع بعد 14 قرنا ظل الشيعة فيها متواجدون إلى جوار غالبية الطوائف الإسلامية السنية برغم ما كان من العداء المتبادل.
أما فيما يخص قضايا التمويل فإنه يمكن السيطرة عليها عن طريق الجهات الأمنية والقضائية المختصة والتي من شأنها التحقيق في مثل هذه الأمور ليس مع الشيعة وحدهم ولكن مع جميع الجهات والمؤسسات والأحزاب السياسية باختلاف توجهاتها وجهات تمويلها.
إن الافضل هو احتواء الشيعة باعتبارهم فصيل وطني وابعاد اصابع التخوين ولو قليلا حتى يثبت العكس بالدليل القاطع لأن هذا الانعزال لا يصب في الصالح العام، فاقتران التشيع والشيعة في أذهان الجميع بإيران بوصفها حامية التشيع في العالم ربما أضر ببعض الشيعة المختلفين مع نظام ولاية الفقية في إيران مثلما يصر محمد الدريني زعيم الشيعة في مصر حيث يقول في حواره له مع موقع العربية. نت: صار منطبعا لدى المسلمين السنة أنه عندما يذكر الشيعي تذكر ايران، وللعلم فان هذه الدولة لم تعطينا موقفا مساندا ولم تقدم لنا أي عون، بل قدمت لآخرين ربما يناوئون المجلس الأعلى لآل البيت العداء الشديد، ايران ليس لها أي تأثير علينا من أي نوع ، وهناك انتقادات كثيرة كان يوجهها لنا الايرانيون بسبب بعض تصريحاتنا.
وتبقى تصريحات الدريني محل شك كبير عند الكثير نظرا للحديث عن المرجعيات الدينية للشيعة والولاء السياسي لإيران وهي قضية أخرى تحتاج المزيد من تسليط الضوء عليها ولا تسعها الأسطر هنا، ويكفي الإشارة هنا إلى مطالبة العديد من الشيعة العرب بإيجاد مرجعيات عربية مستقلة للخروج من هذا الإشكال.
* كاتب مصري، وباحث بمركز الدين والسياسة للدراسات
omarghazi85@yahoo.com
بقلم: عمر غازي *
تختلف مصر اختلافا جذريا في قضية التشيع عن الغالبية العظمى من البلدان العربية والإسلامية السنية التي تتواجد بها أقليات شيعية، وذلك لأن جميع مواطني مصر المسلمين من أهل السنة والجماعة باختلاف مذاهبهم وعقائدهم وطرائقهم فلا يوجد أقليات كبرت أو صغرت ولدت شيعية المذهب والمعتقد بالرغم من حكم العبيدين لمصر وتأسيسهم الأزهر الشريف لخدمة أهدافهم لكن سرعان ما قوبل مذهبهم باللفظ من أرض الكنانة.
ولذا عندما نقول أن الشيعة أو المتشيعين الحقيقيين وليس المتعاطفين مع الفكر الشيعي في مصر يعدون بالمئات أو ربما بضعة آلاف لو أردنا المبالغة في بلد تعداده فوق الثمانين مليونا فهذه حقيقة وليس ضربا من ضروب التجني، بالرغم من حديث زعيم الشيعة في مصر محمد الدريني عن تحولات من السنة في مصر إلى المذهب الشيعي، مفصحا عن تقديرات أمنية بوجود حوالي مليون شيعي متسترين وراء 76 طريقة صوفية، بينما التقديرات الأمريكية تصل بعدد الشيعة المصريين بوجه عام إلى حوالي 1% من اجمالي المسلمين في مصر، أي حوالي 750 ألف نسمة.
على أية حال تبقى هذه مجرد تكهنات وتخمينات إذ ان المتشيعين حتى الآن لا يعدو ظهورهم التواجد الاعلامي الضيق لشخصيات نخبوية ولا يوجد لهم منابر معروفة يتوافدون عليها بشكل علني ربما خشية المضايقات الأمنية في السابق كما يصرح زعمائهم، لكن السؤال الذي يطرح نفسه إذا كانت حقيقة تواجدهم على هذا النحو الضئيل والمتستر فلماذا كل هذا الهلع منهم ومن مساعيهم لتأسيس حزب سياسي تكون مرجعيته للمذهب الجعفري الاثنا عشري؟
ثمة أسباب عديدة تزيد من هذه المخاوف لدى شريحة كبيرة من أطياف متعددة من الشعب المصري على رأسها الخوف من توظيف "حزب الحرية والوحدة" الذي أعلن عن تأسيسه الناشط الشيعي أحمد راسم النفيس، في تكريس الطائفية من خلال وضع الشيعي في مقابل السني أو السلفي، وهو الأمر الذي إن تحقق ستكون عواقبه وخيمة، بحسب الباحث في شؤون الحركات الإسلامية مصطفى زهران.
ويلفت زهران إلى أن الحزب سعى منذ الوهلة الأولى لأن ينفي عن نفسه الصفة الدينية رغم كون مرجعيته شيعية حتى يتيح للآخر الالتحاق به والتعرف على أفكاره بدون خوف من إجبار أعضائه على ممارسة طقوس بعينها أو استخدام شعائر مغايرة لطبيعة وفطرة المجتمع المصري الوسطي.
ويعتقد الباحث أن ولادة هذا الحزب تفتح الباب لطرح متطلبات جديدة لم يألفها الشارع المصري وفرض طقوس دينية غير متعارف عليها بشكل قد يثير حفيظة أطراف أخرى داخل البنية الإسلامية المصرية.
ويرجع زهران الإشكالية الكبرى للحزب إلى مسألة التمويل والدعم واحتمال ارتباط الحزب بإيران وهو الأمر الذي ربما يثر مخاوف كبيرة يصل هاجسها السلطات الحاكمة، خاصة وان هناك شريحة عريضة من المجتمع المصري تنظر بريبة وشك الى الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي تتبني عقيدة "ولاية الفقيه".
وإذا كانت هذه المخاوف التي طرحها الأستاذ مصطفى زهران تبدو منطقية ومقبولة فإنه يبقى التخوف الأكبر لدى التيارات الإسلامية هو التأثير على عوام الناس وتشكيكهم في عقائدهم حيث يقول الدكتور جمال المراكبي الرئيس الأسبق لجامعة أنصار السنة في مصر وهي الكيان السلفي الأكبر: "هناك معلومات وصلتنا بأن المذهب الشيعى يسعى لإنشاء حزب وإصدار جريدة ناطقة باسمه، تدعمها إيران من الباطن، وقال "إنهم لن يعطوا الفرصة لهذا المذهب للعودة، والشيعة فرقة منحرفة ظهرت في العصر الأول من الإسلام للطعن في جيل الصحابة واللغو في آل البيت، ونحن من أهل السنة، لهذا نراهم أعداء لنا"
ويضيف: أن المذهب قد ترتب عليه مناهج تشريعية غريبة، مؤكداً أن مصر طوال عصرها تتبع أهل السنة حتى في العصر الفاطمي الذي حكم الشيعة فيه, وقال: "نحن حريصون على مذهبنا وعقيدتنا الصحيحة، ونحذر أي حزب يقوم على عقائد هذا المذهب، لأنه بالتأكيد سيطعن في العقيدة الإسلامية".
وكان شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب قد نبه في تصريحات خلال استقباله وفدا من السنة والشيعة في يوليو الماضي إلى مغبة محاولات نشر المذهب الشيعي بين أهل السنة، وأن "الأزهر سيقف بالمرصاد لأي دعوات تفرق وحدة الأمة الإسلامية"، مشددا على "رفض الأزهر - باعتباره حامي حمى أهل السنة والجماعة بالعالم - محاولات نشر المذهب الشيعي بين أبناء أهل السنة والجماعة وببلدانهم".
وإذا كانت هذه التصريحات تبدو مطمئنة للبعض إلى حد كبير وغير كافية لدى آخرين، فإنه على أية حال لن تزيل أيا من الإشكاليات أو المخاوف المطروحة والتي لن تحل أيضا بالإقصاء أو الاعتقالات السياسية أو المزيد من التهميش الذي يؤدي لعكسية النتائج وإنما يأتي عن طريق فتح باب التعايش والوئام، والتي تتمثل في الزام الشيعة في منابرهم العامة باحترام عقائد الغالبية العظمى عن طريق اصدار تشريع يجرم التعرض لصحابة رسول الله وأمهات المؤمنين بالشتم والانتقاض واللعن كما نرى ونسمع ونشاهد على القنوات الشيعية ومثلما كان يجاهر المتشيع المصري حسن شحاتة، لأننا بأية حال من الأحوال لن نستطيع اثناء الناس عن معتقداتهم أو الكشف عن تخبئ صدورهم، كما أننا لن نستطيع أن نقضي على التشيع بعد 14 قرنا ظل الشيعة فيها متواجدون إلى جوار غالبية الطوائف الإسلامية السنية برغم ما كان من العداء المتبادل.
أما فيما يخص قضايا التمويل فإنه يمكن السيطرة عليها عن طريق الجهات الأمنية والقضائية المختصة والتي من شأنها التحقيق في مثل هذه الأمور ليس مع الشيعة وحدهم ولكن مع جميع الجهات والمؤسسات والأحزاب السياسية باختلاف توجهاتها وجهات تمويلها.
إن الافضل هو احتواء الشيعة باعتبارهم فصيل وطني وابعاد اصابع التخوين ولو قليلا حتى يثبت العكس بالدليل القاطع لأن هذا الانعزال لا يصب في الصالح العام، فاقتران التشيع والشيعة في أذهان الجميع بإيران بوصفها حامية التشيع في العالم ربما أضر ببعض الشيعة المختلفين مع نظام ولاية الفقية في إيران مثلما يصر محمد الدريني زعيم الشيعة في مصر حيث يقول في حواره له مع موقع العربية. نت: صار منطبعا لدى المسلمين السنة أنه عندما يذكر الشيعي تذكر ايران، وللعلم فان هذه الدولة لم تعطينا موقفا مساندا ولم تقدم لنا أي عون، بل قدمت لآخرين ربما يناوئون المجلس الأعلى لآل البيت العداء الشديد، ايران ليس لها أي تأثير علينا من أي نوع ، وهناك انتقادات كثيرة كان يوجهها لنا الايرانيون بسبب بعض تصريحاتنا.
وتبقى تصريحات الدريني محل شك كبير عند الكثير نظرا للحديث عن المرجعيات الدينية للشيعة والولاء السياسي لإيران وهي قضية أخرى تحتاج المزيد من تسليط الضوء عليها ولا تسعها الأسطر هنا، ويكفي الإشارة هنا إلى مطالبة العديد من الشيعة العرب بإيجاد مرجعيات عربية مستقلة للخروج من هذا الإشكال.
* كاتب مصري، وباحث بمركز الدين والسياسة للدراسات
omarghazi85@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق