السبت، سبتمبر 03، 2011

الشروق أون لاين - أقنع الإباضيين بإقامة الجمعة وجمع بين السنة والشيعة في ملتقيات الفكر الإسلامي


الشروق أون لاين - أقنع الإباضيين بإقامة الجمعة وجمع بين السنة والشيعة في ملتقيات الفكر الإسلامي
اشترط على بومدين تغيير اسم الوزارة والإعلان عن الجامعة الإسلامية من تونس
تعلم السويدية في أسبوع وخاطب بها في مجلس رسمي

2011.09.02

 زهية منصر

في السابع والعشرين أوت من عام 1992 كانت الجزائر تودع احد رموزها الكبار مولود قاسم نايت بلقاسم رحمه الله، بعد رحلة طويلة وشاقة قاد فيها معارك ضد من أرادوا تحويل الجزائر إلى مزرعة، ورغم الصعاب والاحباطات اليومية كان مولود قاسم الرجل الثابت على مبادئه الذي أحب الجزائر وقدم لها كل ما يملك، هو الامازيغي الذي خدم العربية كما لم يخدمها احد قبله ولا بعد، والذي دافع عن الإسلام الصحيح في صورته العصرية والمتفتحة داخليا وخارجيا...
وفي هذه الأسطر، سنحاول أن نقف عند ذكرى رحيل هذا العملاق مع احد مقربيه الأستاذ محمد الصغير بلعلام الذي عاصره واشتغل معه بوزارة الشؤون الدنية، ونسلط الضوء على بعض المواقف النادرة من حياة مولود قاسم التي تعكس شخصيته وتفرده.

مولود قاسم نايت بلقاسم المفكر الضليع في الفلسفة واللغات، والمصلح المتبحر في علوم الدين، والسياسي المحنك، والدبلوماسي المتمرس، والمناضل العنيد في سبيل العربية، كل جانب من هذا الجوانب تستحق أن نقف عندها في كتب ومؤلفات، فالرجل قضى حياة خصبة يطوف في نصف دول العالم طالبا للعلم، وخادما للجزائر، ومستقرئا لتجارب الأخيرين، حيث يذكر الأستاذ بلعلام أن مولود قاسم كان شديد التأثر بالفكر الألماني خاصة المفكر "فريخت" الذي استعار منه عنوان كتابه "بيان إلى الأمة الألمانية" والذي تحدث فيه عن الركائز الثلاثة لأي أمة وهي اللغة والدين والتاريخ، فألقى مولود قاسم محاضرة عام 1968 في قاعة النفق الجامعي بعنوان "بيان إلى الأمة" وفيها تحدث عن دور اللغة وإشكالاتها الحضارية، يقول الأستاذ بلعلام إن هذه المحاضرة هي التي وطدت معرفته بمفكر الجزائر رغم أن معرفته به تعود إلى أزمنة أخرى، وتوطدت بعدها أواصر الصداقة والمعرفة بين الاثنين عندما تولى مولود قاسم حقيبة الشؤون الدينية في عهد بومدين، حيث كان يومها بلعلام مشرفا على أهم مجلة أدبية تصدر في الجزائر "القبس" التي كان يكتب فيها كبار أسماء الجزائر أمثال الشيخ التلي، فعينه نائبا لمدير الشؤون الدينية قبل أن يصيرا مديرا سنة بعد استوزار مولود قاسم.

اشترط على بومدين تغيير اسم وزارة الأوقاف إلى التعليم الأصلي

ولأن مولود قاسم لم يكن وزيرا مثل أي وزير آخر، ورغم انه كان صديق الرئيس وعاش معه الأيام السوداء في القاهرة فقد اشترط على بومدين شرطين قبل قبول الوزارة، وهما تحويل اسم الوزارة من "وزارة الأوقاف" إلى وزارة الشؤون الدينية والتعليم الأصلي، والشرط الثاني هو التوقف عن استعمال الفرنسية في مراسلات الهيئات الرسمية في الدولة، ومن خلال هذين الشرطين يتضح أن مولود قاسم كان أكثر من رجل عابر لهذا الوطن، كان يحمل مشروعا متكاملا لدولة حديثة وعصرية إذ كان يعي جديا أن بداية التغيير والبناء لا يمكنها أن تتم إلا عبر تعليم يجمع بين الأصالة والمعاصرة، فأراد كما قال ذات مرة أن "يكون إماما ملما بحياة عصره ومتفتحا على زمانه ويكون مهندسا ثابتا في عقيدته وإرثه التاريخي والروحي"وكانت أحد أهم الأسباب التي دفعت بمولود قاسم اشتراط تغيير اسم الوزارة هو أنها كانت تلقب من طرف الناس بوزارة لحباس" وهذا استحضارا للتعبير الفرنسي "وزارة الحبوس" واستنادا إلى شهادة الأستاذ بلعلام فإن بومدين قال لمولود قاسم "ربما يعترض عليك الآخرون" (وكان يقصد أعضاء مجلس الثورة) فرد قاسم "أريد موافقتك أنت والآخرون أنا كفيل بهم، وكانت أول مهمة باشرها مولود قاسم بوزارة الشؤون الدينية هي منع استعمال الفرنسية في مراسلات باقي الهيئات، كما رفض أن يوقع على أي وثيقة ترد إلى الوزارة بغير العربية، وهذا تطبيقا لنص الدستور الذي يقر أن "العربية هي اللغة الرسمية للبلاد" وقام مولود قاسم باستيراد الآلات الكاتبة من إيطاليا وكانت المراسلات والخطابات تكتب مشكولة مثلما تكتب للأطفال، وكان هذا القرار في السبعينيات كفيلا بأن يجعل الساحة تثور في وجه الرجل في فترة تميزت بعلو الخطاب "التقدمي" ضد "الرجعيين" لكن مولود قاسم كان رجل مبادئ، وعندما يتعلق الأمر بأي مبدأ لم يكن يرى أمامه لا الوزير ولا الرئيس ولا يهمه غير الانتصار للحق، وهكذا احدث الوزير الجديد ثورة في التعليم بقيامه بتأسيس معاهد التعليم الديني أو التعليم الأصلي وقف برنامج مدروس جديا يطبق برنامج وزارة التربية بحذافيره، وزاد عليها فروع التعليم الديني لأنه كان يرمي في الأفق البعيد إلى تأسيس جامعة إسلامية حقة، وهذا بعد أن تقام في كل ولاية مدرسة أو ثانوية للتعليم الأصلي. وفي هذا الصدد، كشف الأستاذ محمد الصغير بلعلام أن بومدين كان يحتفل بعيد المولد النبوي مع بورڤيبة بالقيروان التي كان يدعى إليها كافة الرؤساء، قال لمولود قاسم "التونسيون يفتخرون علينا بالزيتونة والمغاربة بالقرويين والمصريون بالأزهر، ونحن ليس عندنا شيء فرد قاسم لا بل عندنا أحسن مما عندهم، سنقوم بإنشاء جامعة إسلامية كاملة متكاملة، فكان أن أعلن بومدين عن هذا القرار من تونس في 1972، غير أن الجامعة التي حلم بها قاسم لم تكن الصورة الكاريكاتورية للجامعة الحالية، كما يقول بلعلام. وإنما كان مشروعا سينطلق بـ 3 كليات في المدن الكبرى العاصمة ووهران وقسنطينة، على أن تعمم التجربة، غير أن المشروع أجهض في ميثاق 1976 بحجة توحيد التعليم، وكان يومها ما يقارب 30 ألف طالب خريج التعليم الأصلي وربما هي الفئة التي نجحت في مواجهة ومقارعة خطر التطرف الفكري في التسعينيات.

استقال احتجاجا على إهانة جيسكار ديستان ورافع لتعريب الأمخاخ

إصرار مولود قاسم نايت بلقاسم على استعمال العربية كلغة رسمية ليس لأنه عاجز عن استيعاب باقي اللغات، فهو الذي لف نصف دول العالم ولم يكن بحاجة إلى مترجم في طول اوروبا وعرضها، وأكثر اللغات تعلمها بنفسه عصاميا خارج المدارس، وهنا يذكر الأستاذ بلعلام موقفا نادرا جدا لمولود قاسم مع اللغات عندما كان على رأس وفد لجبهة التحرير إلى السويد وكان مطلوبا من رئيس الوفد إلقاء كلمة فطلب منه أن يكتب كلمته بالعربية على أن تترجم لتكون جاهرة لإلقائها بعد أسبوع، لكنه رفض وقال أنا أسلقي كلمتي بنفسي، فسجن نفسه مدة أسبوع في أحد فنادق المدينة رفقة القواميس وكتب كلمته بالسويدية التي أتقنها في أسبوع، وهي اللغة البعيدة عن اللاتينية، ورغم أن الرجل كان معجزة في إتقانه للغات واللهجات، فإنه كمثل أي أمازيغي كان ينتمي إلى العربية باللسان وليس بالانتساب، وهو فط ذلك مثل الشيخ الورتلاني، مثلما آمن بها أجداده الامازيغ الذين لم يعتنقوا فقط الإسلام لكن أحبوه وتنبوا لغته وخدموه ونشروه في مشارق القارة ومغاربها، كان مولود قاسم مثلهم يؤمن أن اللغة العاطفية واليومية للناس لا بديل أن تكون لغة انتاجهم الفكري والإبداعي، فكتب في "المجاهد الأسبوعي" في 2 نوفمبر 1962 عن "تعريب الأمخاخ قبل تعريب اللسان" لأنه كان يعي جيدا أن مصيبة هذا البلد هي في لوبيات الفرانكوفيل وليست الفرانكفون التي استولت مبكرا على دهاليز الدولة.

من المواقف النادرة لمولود قاسم، والتي تكشف عن مدى التزام هذا الرجل بالصدق مع نفسه، انه في عام 1973 قام بزيارة لوزير الأوقاف المصري، وقال له أنتم حجة علينا في الجزائر لأنكم تدرسون في الأزهر العلوم بغير العربية فأنكر الوزير المصري الأمر، لكن مولود قاسم أحال الوزير المصري على أخيه الذي كان يومها مدرسا بالجزائر والذي أكد بدوره هذا الأمر، فلم يجد الوزير ما يقول أمام صراحة مولود قاسم والتي لامه عليها مرافقه الأستاذ بلعلام قائلا "يا السي مولود الرجل وزير وأنت ضيفه لو خففت لهجتك قليلا كان أفضل" لكن قاسم رد لا بالعكس يستحق أكثر لأنه وزير لا يعرف ما يجري في قطاعه.

ومن شدة وفاء مولود قاسم لمبادئه، عارض حتى صديقه الرئيس بومدين ردا على مقولة الرئيس الفرنسي جيسكار ديستان التي خاطب بها رئيس الجزائر "إن فرنسا التاريخية تحيي الجزائر الفتية" وقال ان جيسكار ديستان يشتمنا سيدي الرئيس، وأضاف مخاطبا بومدين "أفضّل أن أكون بوابا في السويد على أن أكون وزيرا في حكومة ضعيفة في الجزائر".

كما يروى عن مولود قاسم أيضا انه رفض، وبنفس العزة في الدفاع عن كرامة الدولة الجزائرية خارجيا، رفض مولود قاسم النزول من الطائرة في زيارة قادته إلى روسيا عام 1971 لأن وزير الخارجية الروسي لم يكن في استقباله، لأن روسيا لا تملك وزيرا للشؤون الدينية وأوفدت لاستقباله سكرتيرا مكلفا بإفريقيا، فأحس أن الجزائر قاطبة تهان في شخصه فقدم استقالته للرئيس، لكن بومدين رفضها.

في سياق مماثل، يروي الأستاذ بلعلام أن مولود قاسم الذي كان أيضا المستشار السياسي لبومدين أوفده عام 1973 إلى مصر حاملا دعوة للسادات لحضور مؤتمر عدم الانحياز الذي احتضنته الجزائر، وعقب لقائه بالرئيس المصري في الإسكندرية وقع على بيان صحفي ليصدر في الصحافة المصرية، لكنه فوجئ في الغد أن البلاغ الذي نشر ليس الذي وقع عليه بعد أن أقدم المصريون على الإضافة والحذف، فثارت ثائرته وأغلظ للوزراء الذين كانوا في توديعه بمطار القاهرة، رفض تحجج الدبلوماسيين المصريين بوكالة أنباء الشرق الأوسط قائلا إن الوكالة ما كانت ستقوم بشيء إلا بموافقتكم.

ومن المواقف النادرة التي سيحفظها التاريخ لأسد الجزائر انه في عام 1972 عندما صدرت في الجزائر فتوى تقر بتعويض الرؤية الحقيقية بالرؤية الحكمية في هلال رمضان، احدث القرار جدالا ونقاشا وقررت جامعة الدول العربية عقد مؤتمر في الكويت لمحاكمة هذا القرار بحضور وزراء الأوقاف والشؤون الدينية العرب، فألقى مولود قاسم كلمة هزت المؤتمر قال فيها "بعد 14 قرنا من نزول "اقرأ" ها نحن امة لا تقرأ ولا تحسب" فانقلب المؤتمر وهاج وماج وعقدت 4 لجان ومناقشات أفضت في النهاية إلى تبني مقترح الجزائر.

القس دوفال ومصطفى الأشرف .. كيف قبر التعليم الأصلي

في عام 1973 اتفق مع مدير بريد الجزائر أن تتم تصفية الرسائل التنصيرية والمناشير التي ترسل إلى شباب الجزائر وحجزها في محطة الجزائر ونقلها إلى وزارة الشؤون الدينية لتصفيتها، واستدعى الكاردينال دوفال الذي كان يومها أسقف الجزائر وقال له "أنت موظف عند الدولة الجزائرية وتتلقى راتبك منها فكيف تسمح لنفسك بالسعي إلى إفساد شبابنا" وطبعا أنكر جوفال الأمر إلى أن واجهه مولود قاسم بالكم الهائل للرسائل، فلم ما يجد القس ما يقول غير إلصاق التهمة بكنيسة الانجيليين الجدد، وبنفس اللهجة أجاب أسقف أنطاكية لما عرض عليه الحوار قائلا "كيف يمكن لدكتور في الجامعة أن يحاور فلاحا في أرضه، يمكن أن تعاون على القضاء على الاستغلال وإحلال السلام وقيم العدالة، أما العقائد فلا يمكن أن تتغير سواء عندنا أو عندكم، فلا انتم تؤمنون بالوحدانية ولا نحن نؤمن بالتثليث".

ورغم أن الصداقة دائما تغلب على مولود قاسم في كل خلافاته مع بومدين وبعض الوزراء لكنه أيضا كان متشددا عندما يتعلق الأمر بالمبادئ مثلما حدث له مع مصطفى الاشرف الذي سبق أن أبدى إعجابه ببرامج التعليم الأصلي وقال إن هذا أحسن ما يمكن أن يوجد، لكن عندما أصبح الاشرف وزيرا كان من اشد المعارضين لهذا النمط من التدريس وسعى لإلغائه عندما طرح للنقاش في الميثاق الوطني بحجة توحيد التعليم، وكان يومها قاسم يجلس في مجلس الوزراء بين بن خدة والاشرف، فخاطب الجميع "هذه وخذة وليست وحدة، ولا أجد أفضل من هذه الوخذة، وإنني أخاف أن لا تجدوا من يصلي عليكم إذا متوا وستطلبون العون من دوفال"، وكانت بعض الجهات قد سعت لدى بومدين لإلغاء التعليم الأصلي بدعوة انه خلية لتدريب "الإخوان".

يوم واجه مولود قاسم مشيل حايك في ملتقى الفكر الإسلامي

كان الراحل مولود قاسم نايت بلقاسم رجلا واعيا ويفكر دائما نحو البعيد، لذا كانت مؤتمرات الفكر الإسلامي تجمع بين مختلف المذاهب الإسلامية، فهو الذي كان يجمع عمدا وعن وعي السنة والشيعة ليصلوا في نفس التوقيت وفي نفس المكان، وكان دائما يسعى لأن يناقش الملتقى مشكلة من مشكلات المسلمين، ويدعو للمؤتمر طلبة العلم من مختلف الدول الإسلامية، ويحثهم على التعبير عن آرائهم حتى ولو لم يعجب الرئيس الذي كان يدير جلسات الحوار، فطالما كانت منصة الملتقيات تشهد معارك فكرية ونقاشات تستمر لساعات وتمتد لأيام، كان فيها نايت بقاسم فارس الفكر والحوار، حيث يروي الأستاذ بلعلام عن صديقه أنه في إحدى الملتقيات التي عقدت في 1972 حضر زهاء 1800 طالب وأكثر من 150 باحث وأستاذ، منهم 70 محاضرا، وحضر بومدين جلساته، فإن قس لبنان ميشال حايك الذي دعته الجزائر بعد إلحاح منه تناول الكلمة واتهم فيها المؤتمرين بالتقوقع على أنفسهم، فرد عليه قاسم ردا قاسيا قائلا "وجودك بيننا اكبر دليل على أننا لسنا متقوقعين لأنك لم تكن مرحبا به ودعوناك بعد إلحاح، وأمامك في القاعة مئات الأساتذة المسيحيين من مختلف دول العالم في هذا التوقيت الذي يعقد فيه مؤتمر مواز لنا وهو مؤتمر الشباب المسيحي في ستوكهولم، وأتحداك أن تسمي لي اسم فرد واحد سواء كان أستاذا أو طالبا دعاه المؤتمر"، فلاذ ميشال حايك بالصمت بعد أن أفحمه رد مولود قاسم.

ويروى محدثنا أن مولود قاسم كان له الفضل في إقناع الإباضيين عندنا بضرورة إقامتهم لصلاة الجمعة التي لم يكونوا يؤدونها استنادا إلى مبادئ المذهب الذي يسقط صلاة الجمعة في الحرب وفي غياب الإمام العادل، فقام مولود قاسم بزيارة إلى ولاية الواحات كما كانت تسمى يومها والتقى كبار قادة المذهب الاباضي وشيوخه وكان منهم الشيخ بيوض وناقشهم في الموضوع، واستطاع بحنكته أن يقنعهم بإعادة إقامة صلاة الجمعة، وأكثر من هذا كان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أضف جديد هذه المدونة إلى صفحتك الخاصة IGOOGLE

Add to iGoogle

المتابعون