السبت، سبتمبر 24، 2011

أهل السنة والجماعة ؟ ( بقلم فضيلة الشيخ ماهر حمود)

أهل السنة والجماعة ؟ ( بقلم فضيلة الشيخ ماهر حمود)

2011-09-20



يتم إقحام هذه الصفة أو هذا التوصيف دائما في غير المكان المناسب ، وفيما نؤكد أن هذه الصفة تدل على انتماء فقهي وتاريخي وازن ، ويدل على الأمة الواسعة التي حملت الإسلام ونشرته ، والتي نشبهها دائما بالبحر الواسع الذي تصب فيه الأنهار والجداول ، ويتفاعل "الماءان" لينتج منهما الأفضل، والاهم أن هذا اللفظ أو هذه الصفة تدل على امة الإسلام والسقف العالي الذي يستظل تحته جميع المسلمين ، بكل مذاهبهم واجتهاداتهم ، سواء ، ما عُمّر منها وما لم يكتب له الحياة ، ولا يخفى على احد ، عدد الاجتهادات والمذاهب التي وجدت في تاريخ الإسلام ، وحتى نضرب المثل الأبعد ، فإننا نضرب المثل بالخوارج الذين كفروا من عداهم من المسلمين ، وانتهجوا نهجا خاصا بهم يخالف ما نطلق عليه اليوم (منهج أهل السنة والجماعة) ، ولكن جماعة المسلمين ظلت تعتبر نفسها حاضنة لهذه الفئة الضالة ، حتى سيدنا علي (كرم الله وجهه) والذي مات بعد ذلك بسيفهم الغادر كان يقول : إخواننا وبغوا علينا ، كان ذلك حوالي العام 35 هجرية وصولا إلى العام مئة هجرية ، حيث استقبلهم الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز في بيته وظل يناقشهم في أفكارهم ، وأقام عليهم الحجة في آخر النهار ، إلا أنهم عندما سألوه عن الخلافة هل ستؤول من بعده لواحد من بني أمية ، صمت واطرق ولم يستطع جوابا ، وغادروا المجلس وهو صامت ، كما تروي كتب التاريخ ، ومعلوم أن الشورى عند الخوارج واجبة ، وتناقل الخلافة بالوراثة مرفوض عندهم ... وصولا مثلا إلى الدولة البويهية التي كانت تعتبر دولة شيعية ، ولكنها ظلت تعتبر نفسها تحت سقف الخليفة في بغداد ، وتؤكد أن الخليفة مرجع المسلمين الأعلى ، مرورا على الدولة الفاطمية التي استعانت بنور الدين زنكي ليساعدها في طرد الصليبيين من مصر ، وكان ذلك سبب ذهاب صلاح الدين إلى مصر وإمساكه بزمام الأمور بعد ذلك ...الخ ، والذي لم يسمح لنفسه أن يأخذ الخلافة من الفاطميين إلا بعد أن اكتشف تعامل وزيرين كبيرين مع الصليبيين ، فتحويل مصر إلى دولة تستند على فقه الإمام الشافعي لم يكن بدافع الخلاف المذهبي مع الفاطميين ، بل بدافع تعامل نافذين في مصر الفاطمية مع الصليبيين .
باختصار .. علماء السنة وخليفة المسلمين والفقه الإسلامي الأرحب المسمى فقه السنة، هو حاضن المسلمين وسقفهم ... وإذا أردنا اليوم التحدث عن أهل السنة ، فلا بد من استحضار هذا الدور ، وإلا كان هنالك تشويه لهذا اللفظ وهذه الصفة .

أولا : فقهيا .. يمثل فقه السنة بشكل رئيسي الأئمة الأربعة الذين قعدّوا قواعد الإسلام ونشر المذاهب ورسموا خطوطه العريضة ، وكثير من الخيوط التفصيلية ، ولا يعني ذلك اقتصار الإسلام على هؤلاء فقط ، كما لا يمكن أن يكون إلغاء تراث هؤلاء واجتهاداتهم أيضا مقبولا ، أو أن إلغاءهم والاستخفاف بانجازاتهم أمر مقبول أو مسموح به .. وعلى هذا نحترم الأئمة الذين جاؤوا بعد ذلك أو خلال وجود هؤلاء الأئمة الكبار مثل الإمام الاوزاعي وسفيان الثوري والسيوطي وشيخ الإسلام ابن تيمية، ونحترم كثيرا من الاجتهادات المعاصرة ، ولكننا لا يمكن أن نلغي اجتهاد الأئمة الأربعة أو أن نستخف به .

ففي نظرة سريعة إلى تاريخ الأئمة الأربعة وبقية أئمة الفقه ، نرى أن دورهم كان استيعاب الجميع والإشراف على ما في المجتمع من تغيرات وتفاعلات دون التعصب الذميم أو الأحكام المسبقة ، فهذا مثلا الإمام أبو حنيفة الأكثر تأثيرا في التاريخ الفقهي الإسلامي يتعلم من الإمام جعفر الصادق ، ويمكث عنده سنتين ويقول : لولا السنتان لهلك النعمان ، ولم يكن الإمام أبو حنيفة يرى الخلافة الأموية ولا العباسية نهاية الاجتهاد الإسلامي ، وساهم في ثورتين لأهل البيت ضد الأمويين وضد العباسيين ، فدعم ثورة زيد بن الحسين ، ودعم ثورة محمد بن الحنفية ... ودفع ثمن ذلك ثمنا باهظا . والاهم أن مقياسه لم يكن مذهبيا ، بل كان تحت سقف السعي إلى المصلحة العامة .

وهذا الإمام الشافعي كان يكثر من ذكر آل البيت على عكس هوى السياسة في عصره، حتى اتهم بالتشيع ، ولنلاحظ أن بيته المشهور الذي يتحدث عن هذا الأمر جاء بلهجة دفاعية :
إن كان رفضا حب آل محمد فليشهد الثقلان أني رافضي.

هذا من جهة ، ومن جهة أخرى فان الإمام ابن تيمية الذي جاء بعد ذلك بحوالي خمسة قرون ونيف كان له موقف علمي من الشيعة فناقشهم وحاول إقناعهم ، ولكنه في نفس الوقت لم يتخل عن واجبه الإسلامي ، فإذا به يقود الجيش من دمشق في وجه التتار بعد أن تخلى أمير دمشق عن دوره وفر من وجه الجيش التتري ، ولعله من المناسب أن يتم إعادة دراسة تلك الحقبة ليتبين لنا أن موقف ابن تيمية المتشدد من الشيعة كان يستند على سلوك غالبية من كان في عصره من الشيعة ، وكانوا غير متعاونين مع المجتمع بشكل عام لصد هجوم التتار البربري الساحق ، فكان موقفه أولا نابعا من موقف سياسي شرعي، إذا جاز التعبير ، وصولا إلى الموقف الفقهي وليس العكس ، ولو كان الأمر غير ذلك لكانت لهجته مختلفة وطريقة مقاربة لهذا الأمر مختلفة ، تماما بالنسبة إلينا اليوم عندما نرى الفارق الكبير بين شاه إيران والإمام الخميني ، من حيث التوجهات والارتباطات ، أو كالفارق بين فريق من الشيعة استقدم الأميركيين من العراق ، فيما فريق من الشيعة واجه الإسرائيلي ببطولة وشجاعة نادرة في لبنان :

{.... هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً ... } هود 24.
وهل الفقه الشيعي هو الذي دفع الشاه وبعض العلماء الذين كانوا يغطونه إلى ما كان يمارس من ظلم ، أو الفقه الشيعي هو الذي برر لبعض الشيعة التعاون مع الأميركي ومن خلفه الإسرائيلي في العراق ، فيما يضرب شيعة آخرون مثلا أعلى في البطولة.. والوطنية والجهاد ... ؟ .

الأمر ليس فقهيا ، والشدة على المخالف تزيد وتنقص وفق الموقف السياسي الذي يخدم المجتمع أو يؤذيه .. ونحن نرى هنا خلطا كثيرا بين الفرق الشيعية ، فيتحدث المتعصبون والمغلقون عن الشيعة وكأنهم كتلة واحدة وموقف واحد ، فيتساوى عندهم المجاهد والوطني مع المتخلف والعميل والفاسد ... الخ . كما يتساوى عندهم المتعصب المتطرف مع المعتدل الذي يعتمد على الدليل .

وهذا يخالف ابسط المبادئ الموضوعية في دراسة التاريخ والمذاهب مختصرا نقول: من يمثل السنة في التاريخ والفقه كان دائما يعتبر نفسه الحاضن والراعي لكل الأمة والشدة على المخالفين أو الترفق بهم كان خاضعا للمستوى الذي عليه الفرق المخالفة في خدمة أهداف الأمة وقضايا الكبرى ، كمواجهة الصليبيين والتتار ثم الاستعمار المعاصر... الخ.

ثانيا : الخلافة الراشدة ، لا شك أن الخلاف الرئيسي بين المسلمين هو في الموقف من خلافة أبي بكر الصديق بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وان كان عند الشيعة دلائل قوية يستندون بها على وصاية الرسول صلى الله عليه وسلم لعلي بالخلافة ، فان السنة يستندون إلى فعل الإمام علي نفسه ودعمه لخلافتي أبي بكر وعمر ثم عثمان دعما كاملا وغطاء كاملا ، دون أي إشكال خلال 24 عاما كاملة... الخ .

وطبعا لسنا هنا لندخل في المفاصلة الفقهية وفي الجدال الطويل الذي لن ينتهي ، ولكننا نؤكد هنا أيضا أن أهل السنة يستندون في قوتهم الفقهية والتاريخية إلى العدل الذي مارسه عمر بن الخطاب خلال عشر سنوات ، فضرب به المثل الأعلى في العدل والتجرد كأفضل حاكم في التاريخ ، وليس فقط كأفضل حاكم في تاريخ الإسلام ، ولا يخفى على متابع أن سيدنا عليا كان شريكا كاملا في انجازات عمر بن الخطاب ، وكلام عمر في ذلك واضح لا يحتاج إلى دليل .

إنما قصدنا من كل ذلك أن نقول أن أي انتساب إلى تراث أهل السنة والجماعة سيكون ناقصا ومشوها ، إذا لم يتخذ من عدل عمر بن الخطاب وتجرده نبراسا ومنهجا ، ويكفي انه ضرب عمرو بن العاص وهو من هو في الجاهلية والإسلام لإنصاف ولد قبطي ... والأمثلة كثيرة . كل ذلك من اجل أن نقول أن صفة أهل السنة والجماعة يتم تشويهها اليوم عندما نضعها في مواجهة آخرين ، وكأننا فريق من الافرقاء الموجودين على الساحة نتصارع معهم ونتنافس على الريادة والقيادة ، وهذا ليس صحيحا ، علينا أن ننطلق من الآية الكريمة :

{... لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً...} البقرة143

علينا أن نكون كميزان الفصل كالمقياس الذي يقاس عليه الحق والباطل ، فنقول للمحسن أحسنت وللمسيء أسأت ، فان المحسن سيصيب في بحرنا الواسع ، وان المسيء سيسيء إلى نفسه . أما الذي يحصل اليوم فهو قرار جاهلي ، بعضنا يدافع عن السياسيين والمنحرفين من أهل السنة ، فقط لأنهم سنة ، ولا نرى خيرا في أي فريق إسلامي آخر حتى لو كان أمرا واضحا كالشمس ، كالمقاومة مثلا ، ويعمد بعضنا إلى تفسيرات خيالية ، يحاول أن يفسر فيها انتصار المقاومة على إسرائيل ، حتى لا يضطر إلى الاعتراف بان ما فعله هذا الفريق من الشيعة كان أمرا ايجابيا علينا أن ننوه به وان ندعمه . ولا يخفى على ذي لب أن هذا الموقف هو موقف جاهلي عشائري ، نهينا عنه نهيا واضحا بمنطوق القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أضف جديد هذه المدونة إلى صفحتك الخاصة IGOOGLE

Add to iGoogle

المتابعون