الأحد، أكتوبر 02، 2011

صحيفة العرب القطرية - الحروب الصليبية أسهمت في انحسار التشيع في مصر والشام

صحيفة العرب القطرية - الحروب الصليبية أسهمت في انحسار التشيع في مصر والشام
رسالة دكتوراه لباحث بمؤسسة قطر تؤكد:
الحروب الصليبية أسهمت في انحسار التشيع في مصر والشام
الدوحة - العرب | 2011-09-30
ناقش الكاتب الموريتاني محمد بن المختار الشنقيطي الباحث بكلية الدراسات الإسلامية التابعة لمؤسسة قطر بنجاح مساء الخميس 29 سبتمبر 2011، رسالته للدكتوراه في تاريخ الأديان بجامعة تكساس بعنوان: ((أثر الحروب الصليبية على العلاقات السنية الشيعية)) The Crusades Impact on Sunni-Shia Relations وقد اشترك في نقاش الرسالة ثلاثة أساتذة أميركيين وأستاذ إيطالي. قاد النقاش المشرف على الرسالة د. جون هاو من جامعة تكساس، وهو متخصص في تاريخ العصور الوسطى، ود. ستيفانو داميكو المتخصص في التاريخ الأوروبي، ود. سعد أبي حمد المتخصص في تاريخ الإسلام والشرق الأوسط، ود. خالد بلانكينشيب، وهو رئيس قسم الأديان بجامعة تامبل بولاية بنسلفينيا الأميركية، ومترجم تاريخ الطبري إلى اللغة الإنكليزية. كما حضر النقاش ممثلا لعميد كلية الدراسات العليا بجامعة تكساس د. شريف عمور وهو أستاذ جزائري يترأس قسم العمارة بالجامعة. وتم النقاش عبر البث التلفزيوني المغلق بين مؤسسة قطر للتربية والعلوم بالدوحة حيث يعمل الشنقيطي وبين جامعتي تكساس وتامبل بالولايات المتحدة، وحضره عدد من الأساتذة الجامعيين والباحثين والإعلاميين.

وقد بدأ النقاش بتقديم الشنقيطي خلاصة لرسالته بمدخلها وفصولها الخمسة، حيث أوضح الباحث في المدخل المعنون ((حُمَّى التاريخ: صراع الذاكرات حول الحروب الصليبية)) كيف أصبحت الذاكرة التاريخية أعظم مفرق بين السنة والشيعة اليوم. وقد تناول الباحث اختلاف صورة الحروب الصليبية في الثقافة السنية عنها في الثقافة الشيعية. ثم قدم خلاصة للرسالة وفرضيتها الرئيسة، وهي أن الحروب الصليبية أسهمت في انحسار التشيع في مصر والشام خلال القرنين الثاني عشر والثالث عشر الميلاديين، وربما في انتقال ثقل التشيع من بلاد العرب إلى بلاد فارس فيما بعد، وأن الحروب الصليبية فرقت السنة والشيعة على المدى القريب في بداياتها، لكنها جمعتهم في صف واحد على المدى البعيد، مع إبراز للفروق بين علاقة السنة بالإمامية وعلاقتهم بالإسماعيلية. وعرج الباحث على المهمات الثلاث التي تسعى رسالته إلى تحقيقها وهي: تقديم سرد تاريخي أدق وأقل حِجاجية من السرد السائد حاليا، وبيان أثر الحروب الصليبية على تطور العلاقات السنية الشيعية، وتفكيك الذاكرة التاريخية المتفجرة حول هذا الموضوع. وفي الفصل الأول بعنوان: ((القافلة التركية: الحروب الصليبية ومقاومتها والإحياء السني)) بيّن الباحث أن الأتراك هم من استثاروا الحملات الصليبية على بلاد الإسلام بتوغلهم في الأناضول، وتدميرهم الجيش البيزنطي في وقعة ملاذ كرد عام 1071، وهم أيضا من قاوموا الوجود الصليبي طيلة قرنين من الزمان تقريبا (1095/1291) حتى هزموه نهائيا. فكل القادة البارزين في مقاومة الفرنج من أراتقة وزنكيين ومماليك كانوا أتراكا. وحتى صلاح الدين الأيوبي فإن الباحث يراه جزءا من النخبة العسكرية التركية رغم خلفيته الكردية. ولأن الأتراك سنة، فقد كان انحسار التشيع أثرا جانبيا لا مفر منه للمقاومة الإسلامية للحملات الصليبية. وقد اعتبر الباحث كل ذلك جزءا من مسار «القافلة التركية» المتجهة غربا طيلة الألف عام المنصرمة، من مَواطن الأتراك الأصلية في غرب الصين إلى فارس، فالعراق، فمصر، فالأناضول.. إلى محاولة أوروبا الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي اليوم، وموضحا أن ذلك جزء من «اللحظة التركية» في تاريخ الإسلام التي امتدت 8 قرون ونصف، من تتويج أول سلطان سلجوقي ببغداد عام 1055 إلى عزل آخر سلطان عثماني عام 1909.
وفي الفصل الثاني بعنوان: ((الخريطة الطائفية عشية الحروب الصليبية)) بدأ الباحث بالتأكيد على أن أزمة الحضارة الإسلامية أزمة دستورية في جوهرها، وأن الصراع السني الشيعي مجرد عرَض لهذه الأزمة. ثم قدم صورة عن التقسيم الطائفي في القرن العاشر والحادي عشر الميلاديين في مصر والشام والعراق، بناء على استقراء واسع لما كتبه المؤرخون والجغرافيون والرحالة المسلمون، أمثال ياقوت الحموي وابن جبير والمقدسي وناصر خسرو. حيث أوضح أن العراق كان يتقاسمه السنة والشيعة مع صعود سياسي للسنة منذ سقوط الدولة البويهية وبزوغ الدولة السلجوقية، وأن مصر كانت تحكمها آنذاك نخبة شيعية، لكن الشعب ظل سنيا في العمق طيلة الحقبة الفاطمية، وأن الشام كانت فيه أغلبية شيعية يقودها حكام سنة منذ سقوط الدول الشيعية المتعاقبة على حكم حلب (الدولة الحمدانية والعقيلية والمرداسية). ولم يكن للشيعة دول في الشام وقت الحملة الصليبية الأولى باستثناء دولة بني عَمَّار بطرابلس. ولم ينس أن يلقي ضوءا على الانشطارات داخل التسنن والتشيع حينها، خصوصا الانشطار الحنبلي الأشعري داخل التسنن، والانشطار الإمامي الإسماعيلي داخل التشيع.
وفي الفصل الثالث بعنوان: ((إحساس بالوحدة: السنة والشيعة الإمامية في مواجهة الفرنج)) بيَّن الشنقيطي أن أهل السنة والشيعة الإمامية قاتلوا الصليبيين صفا واحدا، على عكس ما يذاع اليوم في الخطاب الطائفي، مقدما نموذج طرابلس بقيادة فخر الملك بن عمار وهو أمير إمامي قاوم حصار الصليبيين لطرابلس 7 سنين بدعم من القادة السنة في دمشق وحمص، ونموذج حلب، حيث قاد القاضي الإمامي أبو الفضل بن الخشاب جيشا سنيا تركيا من ماردين إلى معركة سرمدا (أو حقل الدم) الحاسمة ضد القوات الصليبية، وقتال سنة دمشق وحمص مع شيعة عسقلان أكثر من مرة ضد الفرنج، ثم علاقة صلاح الدين الأيوبي القوية بإماميِّي حلب ودمشق، وهو ما جعل مؤرخا إماميا هو ابن أبي طي يكتب أول سيرة لصلاح الدين في حياته، وأخيرا أشعار الوزير الفاطمي ذي العقيدة الإمامية طلائع ابن رزيك. وفسر الكاتب هذا التعاضد بين أهل السنة والشيعة الإمامية في وجه الفرنج بعوامل ثلاثة: التقارب المذهبي، والقرب الجغرافي، وعدم تشكيل الإمامية تحديا سياسيا للقادة السنة حينها، على عكس الشيعة الإسماعيلية.
وفي الفصل الرابع بعنوان: ((قبول ما ليس منه بدٌّ: السنة والشيعية الإسماعيلية في مواجهة الفرنج)) أوضح الباحث أن الشيعة الإسماعيلية بشقهم الفاطمي الحاكم بمصر آنذاك لم يتحمسوا قط للتعاون مع أهل السنة ضد الفرنج، لكنهم اضطروا في النهاية لتسليم مصر للقيادة السنية بعد أن أصبحت على شفا السقوط في أيدي الفرنج. وأن الشيعة النزارية بالشام (المعروفة تاريخيا باسم الحشيشية) لعبوا دورا دمويا معيقا للمقاومة السنية، من خلال اغتيالهم لقيادات سنية وإمامية بارزة في مقاومة الصليبيين (آق سنقر، ابن الخشاب، مودود، زنكي... إلخ) لكنهم دخلوا في تفاهم ضمني مع أهل السنة منذ أيام صلاح الدين، فبدؤوا باستهداف القيادات الصليبية حيث اغتالوا أربعة منهم، كما يوضحه الكشف الذي قدمه الباحث بأهم اغتيالاتهم السياسية. وكشف الباحث في هذا الفصل عن مفارقات تاريخية مهمة، ومنها أن الفقيه والشاعر السني عمارة اليمني هو الذي قاد محاولة للانقلاب على صلاح الدين الأيوبي وإحياء الدولة الفاطمية، فشنقه صلاح الدين في شهر رمضان جزاء ذلك. وعمارة هو القائل في مدح الفاطميين:
وزرت ملوك النِّيل أراتاد نَيْلهم *** فأحمدَ مرتادي وأخصب مرتعي
مذاهبهم في الجود مذهب سُنَّةٍ *** وإن خالفوني باعتقاد التشيـعِ
وفي الفصل الخامس والأخير بعنوان ((الماضي الحي: صلاح الدين الأيوبي في الحِجاج السني الشيعي)) ينتقل الباحث من الماضي إلى الحاضر، من التاريخ إلى الذاكرة، فيستخدم صورة صلاح الدين في الذهنية السنية والشيعية اليوم مثالا على الذاكرة التاريخية المتفجرة، حيث يرى أهل السنة صلاح الدين بطلا مجاهدا ومسلما مثاليا، بينما يراه الشيعة مغامرا لا مبدأ له، ويتهمونه بالتواطؤ مع الصليبيين وهو أعظم مقاوم لهم في التاريخ، في مفارقة عجيبة تدل على الحضيض الذي تصل إليه الدراسات التاريخية المشحونة بالحجاج الطائفي. وقد استخدم الباحث كتابات حِجاجية معاصرة سنية وشيعية لبيان هذا الانشطار في الذاكرة التاريخية، منها كتابات شاكر مصطفى ومحمد علي الصلابي من الجانب السني، وصالح الورداني وحسن الأمين من الجانب الشيعي. وتكمن جذور الأزمة الطائفية اليوم –كما يراها الباحث- في «حنبلة» الثقافة السنية المعاصرة من خلال طغيان الخطاب السلفي عليها، و «سَمْعلة» الثقافة الشيعية المعاصرة عبر الحركية السياسية المتفجرة التي جاءت بها الثورة الإيرانية، وطغيان النظرات التبسيطية المُطلَقة على الرؤى النسبية التركبية في قراءة التاريخ.
تبدو العلاقات السنية الشيعية في دراسة الشنقيطي علاقات معقدة، لا يمكن تفسيرها تفسيرا حجاجيا آحاديا، وقد تضمنت الدراسة العديد من الوقائع التاريخية والخلاصات التي ستفاجئ القارئ المعتاد على المناظرات السلفية الشيعية السائدة اليوم، بنفس الطريقة التي فاجأ بها الباحث قراءه بوقائع وخلاصات مشابهة في كتابه ((الخلافات السياسية بين الصحابة)). ولعل هذه الدراسة –حينما تصدر لها ترجمة عربية- تثير نقاشا جديا وصحيا حول المسألة الطائفية، يسود فيه منطق البحث والتوثيق العلمي على منطق الحِجاج والتمزيق الطائفي.

الباحث في سطور
محمد بن المختار الشنقيطي، كاتب وشاعر ومحلل سياسي من مواليد موريتانيا عام 1968، مهتم بالفكر السياسي، والدراسات الاستراتيجية، والتاريخ السياسي، ومقارنة الأديان، والعلاقات بين العالم الإسلامي والغرب.
حاصل على إجازة في حفظ القرآن الكريم عام 1981، والبكالوريوس في الشريعة الإسلامية عام 1989، والبكالوريوس في الترجمة (عربية/فرنسية/إنجليزية) عام 1994 من موريتانيا، ثم الماجستير في إدارة الأعمال عام 2007 من جامعة كولومبيا الجنوبية بالولايات المتحدة الأميركية. أكمل برنامج الماجستير والدكتوراه في تاريخ الأديان بجامعة تكساس منذ أيام. وهو كاتب منتظم على موقع «الجزيرة.نت» حيث نشر أكثر من 300 مقال تحليلي حتى الآن.
من كتبه بالعربية: «الحركة الإسلامية في السودان.. مدخل إلى فكرها الاستراتيجي والتنظيمي»، «فتاوى سياسية.. حوارات في الدعوة والدولة»، «السنة السياسية في بناء السلطة وأدائها»، «معايير النجاح التنظيمي وثنائياته الكبرى»، ديوان شعر: «جراح الروح». وقد ترجمت كلها باستثناء الديوان، ونشرت باللغة التركية.
ومن بحوثه بالإنكليزية: «أخلاق الفروسية في سيرة صلاح الدين الأيوبي»، «رحلة أليمة إلى الخالق.. لحظة التحول الروحي بين الغزالي وأغسطين»، «الاستشراق والاستغراب.. بين أدوارد سعيد وبرنارد لويس»، «رؤية الأميركيين الأوائل للمسلمين»، «عبِيد الله.. الأفارقة المسلمون الأوائل في أميركا».

يمكن الاطلاع على موقعه الشخصي على الإنترنت
www.shinqiti.net والتواصل معه على الإيميل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أضف جديد هذه المدونة إلى صفحتك الخاصة IGOOGLE

Add to iGoogle

المتابعون