مؤتمر التصوف - قراءة تحليلية
05-10-2011 | طارق عثمان |
هناك مساحة واسعة بين التصوف كفكر ومنهج بما يحويه من أبعاد روحية تجريدية تصل أحيانا لحدود أسطورية لا معقولة وبين البحث العلمي بقواعده الصارمة ومناهجه الموضوعية , لذا كان من المفارقات أن يزخر المؤتمر بقائمة طويلة من الأبحاث المقدمة للمؤتمر , حيث قُدم ما يقرب من سبعين بحثا في جلسات اليوم الأول والثاني
استضافت القاهرة المؤتمر الدولي الأول للتصوف تحت عنوان "التصوف منهج أصيل للإصلاح " والذي استمر في الفترة من 24أيلول/سبتمبر إلي 26أيلول/سبتمبر بدعوة من أكاديمية الرائد لعلوم التصوف ودراسة التراث والتي تتبع العشيرة المحمدية المؤسسة على يد محمد زكي إبراهيم في1930 , والذي حظي برعاية إعلامية فائقة في كل وسائل الإعلام المختلفة مذ الدعوة إليه وحتى نهايته ويمكن نظم قراءة تحليلية للمؤتمر في المحاور التالية: أولا : فقه التوقيت يأتي هذا المؤتمر في فترة ما بعد الثورات العربية المتسمة بحالة من الصراع بين مختلف التيارات الفكرية الحاملة لمنهج إصلاحي تريد تطبيقه علي واقع البلاد التي مر فيها الربيع العربي وتمايزت هذه التيارات إلي صنفين الأول علماني بقسماته المختلفة يسارية وليبرالية وقومية والثاني إسلامي بتنوعاته المنهجية الخاضعة للإطار الإسلامي في بعدها النهائي . ومن هنا قررت القوى الصوفية النزول إلى هذه الساحة الصراعية لتنازل الساعين إلي توطين مناهجهم في واقع ما بعد الثورات , ومن هنا نمسك بالمفارقة الأولى ؛فالتصوف كمنهج يشي تاريخه بأنه دوما كان فكرا تجريديا معني بالأبعاد الروحية للإنسان مغرق في عزلته عن الواقع المجتمعي بل يصل بعزلته إلي مناحي ميثيه/ أسطورية أحيانا وغاية حضوره المساس بالمبادئ القيمية والأخلاقية في المجتمع أما الشؤون السياسية والاقتصادية والقضايا العامة فهي بمنئي عن تدخل المنهج الصوفي ثانيا: التصوف..نحو الحضور المجتمعي لذا يمكن القول أننا بصدد نقلة نوعية وتحول جذري في جوهر الحركة الصوفية حيث قررت قطع حالة العزلة الثاوية خلفها طيلة ما مضي لتخرج إلي الفضاء المجتمعي المحيط لتكون عنصرا فاعلا فيه ومن خلال المؤتمر يمكن رؤية هذا البعد بكل وضوح حيث طالت أيدي المشاركين أهم القضايا الحاضرة في الواقع الراهن فنراهم: - يدعون المنظمات الدولية والدول الغربية إلي سرعة الاعتراف بدولة فلسطين ووقف العدوان اليهودي على المسجد الأقصى - يحثون قادة البلاد الثائرة على حقن الدماء وحفظ الأوطان هذا البعد السياسي في الخطاب الصوفي ينم عن الرغبة في مواكبة قضايا الراهن والمشاركة في علاجها ولتثبيت هذا الحضور أوصى المؤتمر بإنشاء قناة فضائية صوفية لتشارك في التفاعل المجتمعي الحالي ويشهد لهذه الرغبة الصوفية أنهم قد وجهوا دعوات حضور المؤتمر لكل مفاصل الفاعلين في المجتمع سياسيا وفكريا فدعيا رئيس الوزراء ومرشحي الرئاسة وكل الأحزاب السياسية العلمانية والإسلامية وكذا كل الحركات الإسلامية كجماعة الإخوان المسلمين والسلفيين ولم تنس دعوة رأس الكنيسة القبطية إذا نحن أمام ما يشبه إعلان صوفي يوجه رسالة تفيد : أننا هنا قررنا المشاركة في المجتمع وعلي أوسع نطاق ! ثالثا:في البعد الرسمي والعالمي كان الحضور الدولي في المؤتمر سمة ملفتة فالمشاركون أكثر من 300 وقدِموا من أكثر من ثلاثين دولة , وعلي رأسهم رموز إسلامية لا تخفى فمفتي دمشق وقاضي قضاه فلسطين ووزير أوقاف السودان السابق ومستشار ديوان رئاسة الجمهورية بالإمارات المتحدة ورئيس معهد الدعاة بلبنان وكذا أعضاء من الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين والملفت للنظر هنا كون هؤلاء المشاركين لا يحملون صفة صوفية صريحة فليسوا مشايخ طرق مثلا أو منظمات صوفية ولكن تغلب عليهم الصفة الدينية الرسمية ويتجلى البعد الرسمي بصورة أوضح أنه بالرغم من كون الداعي للمؤتمر عشيرة صوفية لا تتمتع بهذا القدر من البروز الدولي إلا أنها تمكنت من دعوة كل هذه الرموز من أصقاع الأرض لتلبي دعوتها فورا ! هذا يعني أن المؤسسة الدينية الرسمية في مصر هي الراعي والداعي الحقيقي لهذا الحدث , فرابطة خريجي الأزهر هي من أشرفت علي تنظيم المؤتمر والذي عقد في قاعة المؤتمرات الكبرى بجامعة الأزهر ناهيك عن حضور كل الشخصيات الدينية الرسمية كوزير الأوقاف والمفتي وشيخ الأزهر الذي أناب عنه مستشاره ولكنه لم يغفل عن الاجتماع بالمشاركين في مقر مشيخته على هامش المؤتمر رابعا:التصوف و البعد العلمي هناك مساحة واسعة بين التصوف كفكر ومنهج بما يحويه من أبعاد روحية تجريدية تصل أحيانا لحدود أسطورية لا معقولة وبين البحث العلمي بقواعده الصارمة ومناهجه الموضوعية , لذا كان من المفارقات أن يزخر المؤتمر بقائمة طويلة من الأبحاث المقدمة للمؤتمر , حيث قُدم ما يقرب من سبعين بحثا في جلسات اليوم الأول والثاني تناولت محاور المؤتمر الخمسة التي تتكلم عن الإصلاح كضرورة والنظرية الصوفية في الإصلاح وأفضلية الخيار الصوفي للإصلاح عن غيره من الاختيارات المطروحة . ويمكن اعتبار ذلك سعيا نحو إضفاء العلمية على المنهج الصوفي ومحاولة تأصيله وتأطيره علميا يتضح ذلك من خلال الأبحاث المقدمة مثل بحث (التأصيل الشرعي للتصوف ) الذي تقدم به "عبد الله بن بيه " في محاوله لإزالة شبه عدم الشرعية عن المنهج الصوفي والتي تعج بها الكثير من ممارساته ويلاحظ أن الأبحاث المقدمة انطلقت من كون التصوف منهجا ذا بناء متين لا حاجه إلي البحث في مفرداته أو أسسه التي ابتنى عليها وإنما لا ينقصه إلا تقديم رؤية للإصلاح ببساطة, لذا لا نجد أبحاثا تتكلم عن جوهر المنهج الصوفي تبين ملامح الخلل فيه لتنقد وتقوم , وأيضا لا نجد أبحاثا تتكلم عن الممارسات الصوفية التي لا تسلم من سهام النقد , وإنما الدخول فورا لساحة الإصلاح وتقديم الرؤية بل نجد كلام مطلق يدعو للتمسك بصحيح الدين وترك البدع مع أنه هناك إشكالات متجذرة في النسق الصوفي وتحتاج أكثر مما قدمه "عصام البشير" في بحثه (تجديد التصوف ) يزداد الأمر سوءً عندما يُقدم بحث عن بناء الشخصية الصوفية في فكر "الشعراني" هذا الأخير الذي يحوي متن كتابه الطبقات أمورا تأبى العقول أن تصدقها ! وبحث آخر يؤسس للموالد كممارسة صوفية أصيلة . ومن هنا يمكننا القول أن المؤتمر كان بمثابة دعاية علمية للمنهج الصوفي لحسم حالة التوجس المجتمعي منه وإبراز كونه جديرا بالتطبيق والممارسة لتنهض الأمة وتصنع الحضارة . وقد أوصى المؤتمر بتأسيس مركز للأبحاث العلمية لنشر التصوف في حلة علمية ! خامسا: خلاصه تحليلية نخلص من هذا التحليل بالرؤية الآتية في صورة تساؤلات 1-هل شعرت المؤسسة الدينية المصرية والتي يقف على رأسها قطبان صوفيان د.على جمعة و د.احمد الطيب أن القوى الإسلامية الغير رسمية والفاعلة في المجتمع كجماعة الإخوان المسلمين والتيار السلفي سيسحبون البساط من تحتها بعدما خسرت المؤسسة الرسمية الحصانة المطلقة التي كانت تنعم بها في ظل النظام السابق وبعدما تخلصت القوى الإسلامية الأخرى من التضييق الذي كانت تعانيه في ظل النظام السابق فوجدت نفسها في واقع ما بعد الثورة وجها لوجه مع القوى الإسلامية بلا دعم مطلق لها ولا حظر وتشنيع على الأخيرة في تسابق على الرأي العام فصارت مجبورة على التواصل مع المجتمع حيث صار هو الحكم بتأييده ورفضه لم يصدر من مواقف من مختلف التيارات فأجبرت على السير في السياق العام المتساوق مع البيئة الجديدة والذي تسيطر عليه القوي الإسلامية المنافسة لها فراحت تتقرب من هذه القوى حتى تنكسر ثنائية المؤسسة الدينية الرسمية / القوى الإسلامية حيث كان كل منهما له خط من العسير أن يتلاقى مع الثاني فيصبح الكل في مجرى واحد يتلاءم مع ما بعد الثورات لذا لزم الكلام عن القضايا العامة السياسية والاجتماعية ذات البعد المحلي والدولي والتعاطي مع ما يجري من تفاعلات في الساحة المصرية وغيرها ؟ 2-هل هناك رغبة صريحة في إصلاح التصوف ذاته قبل تقديمه كمنهج لإصلاح ما سواه ؟ يلاحظ أن المؤتمر كان معبئا بحمولة دعائية للمنهج الصوفي دون البحث عن تقويم ونقد , فقط تقريب لخطابه ومصطلحاته حتى يكون أقدر على الإصلاح المناط به 3-هل المؤتمر بمثابة تبنٍ رسمي من قبل دول الثورات وطرحه كوعاء ديني للشعوب الإسلامية لتفادي سيطرة التيارات الإسلامية الأخرى على المجتمع والتي سيكون لها تأثيرات على كل المجتمع على كل المستويات الاجتماعية والسياسية ؟ فالمؤتمر لا يوحي بأن قضيته تخص الصوفية ذاتها فلا نجد مثلا الطرق الصوفية المتنوعة والثاوية في البنية المجتمعية التي تمثل صلب الحركة الصوفية وزخمها حاضرة في المؤتمر , وإنما شيخ مشايخ الطرق ذو المنصب الرسمي أكثر منه الواقعي المؤثر في القطاع الصوفي وحده من حضر فالمؤتمر له بعد آخر رسمي تختفي حوله رغبه مغايرة لإصلاح التصوف ذاته تتسم ببعد دولي حيث دعا المؤتمر لتأسيس إتحاد عالمي للصوفية وتكرار المؤتمر سنويا في مختلف الدول 4-هل سعى المؤتمر لإزاحة القلق السياسي من المنهج الصوفي إذ أكد على أنه لا يتصل بالتشيع على أي مستوي وإنما هو من السنة وإليها ؟ مما سيساعد على توطينه رسميا بلا صعوبة في المجتمع وينفي عنه شبه التورط في فتح باب للقوى الإيرانية للتدخل في البلاد العربية 5-هل على القوى الإسلامية الفاعلة في المجتمع والتي تجاوبت مع دعوة المؤتمر استغلال هذه الفرصة لإرغام التيار الصوفي علي إصلاح أسسه الفكرية وممارسته كشرط لدخول الساحة المجتمعية ؟ وذلك كمدخل للتأثير على قطاع كبير منتسب للمنهج الصوفي بغرض إصلاح فكره وممارساته وتقريبه من السياق العام للحركة الإسلامية ووضع إستراتيجيه للتعامل مع المتصوفة في سبيل النقد والتقويم والاحتواء والتنسيق طمعا في وحده حقيقية مثمره وضمان عدم استقطابه إلي أي ناحية تؤثر سلبا على مسار القوى الإسلامية . |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق