الثلاثاء، سبتمبر 07، 2010

السياسة::الوحدة الإسلامية... ما لها وما عليها?


المسلمون في تفرق لأنهم يجهلون ما عندهم 16/08/2010

الوحدة الإسلامية... ما لها وما عليها?


عرض - محمد إسماعيل:
اقتضت حكمة الله في خلقه أن جعل الناس مختلفين في ألوانهم وألسنتهم ومداركهم وتصوراتهم, ولكن الله جل شأنه لم يرد أن يكون هذا الاختلاف بين الناس مدعاة إلى النزاع والشقاق, بل جعله دافعا إلى التآلف والوئام.
ولكن هذا الاختلاف الذي هو حقيقة واقعة لاشك فيها ينبغي أن يكون محركا للناس نحو التعارف والتآلف.وإذا كان هذا هو الحال بالنسبة للناس - كل الناس- على اختلاف ألسنتهم وألوانهم وأديانهم وحضاراتهم, فمن باب أولى ينبغي أن يكون ذلك شأن الأمة الإسلامية التي ينبغي عليها أن تضع ذلك في اعتبارها وفي مقدمة أولوياتها. فقد أراد الله لها أن تكون أمة واحدة. (إن هذه أمتكم أمة واحدة) سورة الأنبياء الآية92.
ومن هذا المنطلق تأتي أهمية الكتاب الذي نعرض له والذي صدر تحت عنوان "الوحدة الإسلامية ما لها وما عليها"وقدم له الدكتور محمود حمدي زقزوق وزير الأوقاف المصري وشارك في تأليف نخبة من علماء الدين الإسلامي وعلى رأسهم الشيخ عبدالمجيد سليم رئيس لجنة الفتوى بالأزهر ووكيل جماعة التقريب والشيخ محمد علوبة باشا والشيخ مسلم الحسيني الحلي, والشيخ محمد محيي الدين الحميد المفتش بالأزهر والشيخ محمد تقي القمي والشيخ علي الخفيف أستاذ الشريعة الإسلامية والدكتور محمود فياض أستاذ التاريخ الإسلامي بكلية أصول الدين بالأزهر والشيخ محمد أبو زهرة والكتاب صادر عن دار التقريب بين المذاهب الإسلامية.
ويعد الكتاب من القطع الكبير ويضم 232صفحة, مقسمة إلى عدة فصول تحت عناوين مختلفة, منها أمة إسلامية واحدة, وبيان للمسلمين, والمسلمون أمة واحدة والإسلام دين الوحدة وكيف نشأ الاختلاف في العقائد والفروع وفي سبيل التفاهم, وحدة المسلمين حول الثقافة الإسلامية, وحدة المسلمين, وأمة واحدة وثقافة واحدة والقومية الإسلامية, وهل من جامعة إسلامية والإسلام والمسلمون وإنما المؤمنون إخوة ومدى الوحدة السياسية بين المسلمين وكيف يستعين المسلمون وحدتهم وتناصرهم وعناصر وجود الأمة الإسلامية, والوحدة الإسلامية.
ويذكر الكتاب أنه لما اختار الله رسوله إلى جواره سار أصحابه عليهم رضوان الله في طريقه غير أن الزمان عاجلهم ببعض المشكلات فاختلفوا عليها, وكان خلافهم في دائرة الحق والمصلحة كما يعتقد كل منهم, ثم انقضت الحقبة الأولى من عمر الدولة الإسلامية, بعد أن تركت في جسم الأمة جراحا عميقة كان من سوء الحظ أنها لن تجد معالجين, بل وجدت من لا يزال ينكؤها ويحييها ويحتفظ بها خضراء كما يعبر أدباء الغرب, وفعلت السياسة فعلها, وعادت العصبيات إلى سابق عهدها, فتعددت الأحزاب والفرق والطوائف, وكثرة الخلافات والمسائل الجدلية, وترامى المسلمون بالتهم, وساءت بينهم الظنون, ومشي كل فريق في طريق فضلت بهم السبل عن الطريق السوي, وذاق بعضهم بأس بعض, وتمكن منهم أعداؤهم, فدسوا لهم في السياسة, ودسوا لهم في التاريخ, ودسوا لهم في العلم والرواية, ودسوا لهم في النظريات الفلسفية, والقضايا الغيبية, وفتح لهم آفاق الشك والريب فيما لديهم, وشغلوهم بالجدل والخصام حتى أنهكوا قواهم, وأوهنوا عقولهم, وحطموا أعصابهم, وأفقدوهم الثقة بأنفسهم, والتعويل على مواهبهم, ثم اقتطعوا أوطانهم قطعة بعد قطعة, واقتسموها فيما بينهم غنائم باردة, في صورة الاستعمار أحيانا, والحماية أحيانا, والوصايا أحيانا, ومناطق النفوذ أحيانا, وفتح الأسواق أحيانا وهكذا من كل ما برر به الغاصبون غصبهم, وجعلوه ستارا على مطامعهم وشهواتهم.
تلك حال المسلمين اليوم, وإن داءهم لقديم منذ تدابروا وتقاطعوا وصاروا شيعا, كل حزب بما لديهم فرحون, ولا صلاح لهم, ولا شفاء من دائهم, إلا بأن يعودوا كما بدأهم الله أمة واحدة لا فرق بين شعوبهم, ولا تناحر بين طوائفهم, ولا جهالة تصور الشيعي للسني, أو السني للشيعي.عدوا يظن به الظنون ويخافه على دينه وعقيدته, ويتحفظ فيما يقرأ له من كتاب, أو ينقل عنه من رأي.
وأضاف إن أصول الإسلام واحدة, فكل المسلمين يؤمنون بالله واليوم الآخر, والملائكة والكتاب والنبيين, وكلهم يعتقدون أن القرآن حق وأن رسالة محمد حق وأن عليهم إذا تنازعوا في شيء أن يردوه إلى الله ورسوله, وقبلتهم واحدة, وصلواتهم واحدة, ولا خلاف بينهم فيما بني عليه الإسلام من أسس, فما بالهم يعيرون ما وراء هذه الأصول اهتماما, ويخوضون فيه خوضا, ويعولون عليه تعويلا, حتى يلتحق بالأصول وما هو منها في شيء, ويتخذ مقياسا للكفر والإيمان, أو الإثم والبراءة, وهو عن ذلك بمنأى ومعزل.
ويؤكد الكتاب أن المسلمين في ضعف لأنهم في تفرق, وهم في تفرق لأنهم متقاطعون بجهل بعضهم ما عند بعض, ومن جهل شيئا عاداه, ولو أنهم تقاربوا لتفاهموا, وقد يزول بتفاهمهم كثير من أسباب خلافهم, أو يحتفظ كل منهم برأيه فيما وراء العقيدة الإسلامية, على أن يعذر بعضهم بعضا, ويحترم بعضهم بعضا, كما كان سلفهم الصالح من أئمة الدين والفقه يفعلون, وتلك هي مهمة "جماعة التقرب" إن تريد إلا تعريف المسلمين بعضهم على بعض وجمعهم على أسس الدين الحق التي نزل بها القرآن وجاء بها الرسول, ودعوتهم إلى أطراح أسباب الخلاف فيما لا طائل تحته ولا فائدة تلتمس منه, وتمكينهم من درس ما يعن لهم في جو هادئ لا يشوبه غبار التكفير والتأثيم والتظنين, فإذا فعلوا-وإنهم إن شاء الله لفاعلون- فقد استقاموا على الطريقة, وهيأوا أنفسهم لمستقبل كريم, ومقام حسن. في هذا المعترك العالمي, يعينهم على أن يكونوا دعاة بر وإصلاح.
ويتناول الكتاب سياسة الدول والأمم في العالم اليوم التي هي قائمة على التكتل والتحالف والانضواء في مجموعة متعاونة يسند بعضها بعضاً, ويدافع بعضها عن بعض, وأنهم ليلتمسون أوهى الأسباب والروابط ليرتبطوا بها, أم المسلمون فدينهم واحد, وكتابهم واحد وهدفهم في الحياة وبعد الممات واحد وكل شيء بينهم يدعو إلى الألفة ويساعد على الوحدة, فمن الخير لهم دينيا, كما بينا, وسياسيا كما علمتنا أحوال العالم, أن يتفقوا ويتكتلوا, وينسوا خلافاتهم, ويذكروا فقط أنهم مسلمون.
وطبيعي أن يؤلف الإسلام بين أتباعه فيجعل منهم أمة قوية متحدة متماسكة إذا ما تمكن من قلوبهم واستولى على مشاعرهم وسيطر على أفكارهم, وذلك بسبب ما يدعو إليه من وحدة الفكرة وسمو الغرض, والسعي إلى تحقيق الغاية المنشودة التي لأجلها جاء ولتحقيقها شرع, وما لهذا الدين من الأثر البالغ من العواطف والمشاعر والأفكار.
ويقول المؤلف إن توحيد المسلمين ثقافيا لا ينافي أن تعمل كل طائفة من الطوائف الإسلامية بما ثبت عندها واعتقدته, ما دام هذا لا يمس العقائد الأساسية, التي يجب الإيمان بها, ولكن من الواجب أن تعرف كل طائفة من المسلمين حقيقة عقائد الآخرين, لعلها تجد فيها ما تستفيد منه أو على الأقل إذا أراد أحد باحثيها أن يكتب عنهم شيئا أو ينقل بعض فتاواهم, فلا يكتب وأما ما سمعنا عنهم أنهم يقولون كذا وكذا أو أنه يقال عنهم كذا وكذا ولعمري هذا لسبة في جبين العلم. ألا يتعب رجاله أنفسهم بالبحث عن كتاب يجدون فيه كل ما يبحثون عنه, من غير أن يسندوا أقوالهم إلى السماع, وكثيرا ما يجيء هذا القول المسموع من ذوي الأغراض الخبيثة.
وينوه الى اننا لو فتحنا صدورنا من جديد, واعتبرنا الثقافة الإسلامية, مجموعة يكمل بعضها بعضا, وتفاهمنا فيما بيننا على هذا الأساس, وأدركنا أن هذه الثقافة إسلامية, بنيت على أن تكون للإسلام قبل كل شيء, وليست ملكا لفرد ولا لمذهب أو طائفة كما أنها ما أوجدت لتكون عنصرية لجددنا بناء هذا القصر المنيف ولمحونا عن كل طائفة باطل الاتهامات الموجهة إليها, ولأخرجنا من بيننا من ليسوا بمسلمين كأولئك الأدعياء الذين انتسبوا كذبا إلى الإسلام وهم معاول هدم في الكيان الإسلامي.
وفي رأي المؤلفين أن ثقافة إسلامية موحدة إذا التف حولها المسلمون كفيلة بتوحيد صفوفهم ولا يخفي ما تؤدي إليه الوحدة من عز ومجد وسؤدد. وما دامت هذه الثقافة موجودة, فإن من الميسور بلوغ هذا الهدف, وهو ما نعمل له ونسعى إلى تحقيقه.
ويخلص الكتاب إلى أن من نافلة القول عند من يعرفون الحقائق الإسلامية أن نقول لهم إن المسلمين أمة واحدة بل لعلهم يعدون ذلك من الفضول الذي لا يجوز الكلام فيه, لأن بديهية من البديهيات المقررة في الإسلام, ولأنه أمر معلوم من الدين بالضرورة لا يماري فيه مؤمن, ولا ينبغي أن يجادل فيه مسلم, ولكننا في عصر غربة الإسلام, صارت حقائقه غريبة, حتى إنها في بيانها لتحتاج إلى استئناس لتزول غربتها, وتذهب وحشتها, بل نحن في حاجة إلى أن نبينها وندافع عنها غير وانين ولا متهاونين, ولابد أن تنفر منا طائفة تحمل الدعوة إليها, وتحث الناس عليها, فإنه لا عزة للإسلام إلا بها, ولا قوة للمسلمين إلا بوجودها, إذ إن من المقررات الثابتة أن هذه الأمة لا يصلح آخرها إلا بما صلح به أولها. ولا تستطيع أن تعود إلى ماضيها العزيز الكريم إلا إذا أخذت بالأسباب التي قام عليها ذلك الماضي, وإنه لا عزة لهذه الأمة التي جمعها الإيمان إلا بأن تستمد من صدر تاريخها قوة وإيمان, ومن دينها الجامع بينها قوة وتثبيتا, وذلك يكون إذا تلاقت أقاليمها وآحادها على أمر جامع لا يتفرقون فيه ولا يختلفون.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أضف جديد هذه المدونة إلى صفحتك الخاصة IGOOGLE

Add to iGoogle

المتابعون