الحريات الدينية... هل تشغل أوباما؟
تاريخ النشر: السبت 25 فبراير 2012
تتعرض الحريات الدينية في أميركا للهجوم من اليمين واليسار على حد سواء. ولعل هذا ما دفع "جيمس ماديسون"، الأب الشرعي للدستور الأميركي، للإشارة إلى "حق الضمير" باعتباره الحق الأكثر قداسة من بين جميع أنواع الحقوق التي يمكن أن يتمتع بها إنسان". هذا الحق يتعرض، وبشكل متزايد، للخطر ويغدو أقل أماناً على الدوام. ولتوضيح ذلك يكفي أن نعرف أن أوباما، وبموجب مبادرة الرعاية الصحية الباهظة التكلفة، أصدر تفويضاً بقيام كافة المؤسسات بتقديم تأمين صحي لموانع الحمل، بما في ذلك الحبة التي يتم ابتلاعها صباح اليوم التالي للحمل، رغم أن ذلك التفويض ينتهك الضمير الديني للرومان الكاثوليك.
وقد تجنبت إدارة أوباما بمشقة بالغة التعرض لأزمة سياسية كبرى، عندما وافقت فيما بعد على"موازنة" تفويض الحكومة الصادر في هذا الشأن، من خلال مراعاة حقوق الممارسة الحرة للكاثوليك وأخذها في الحسبان.
غير أن هناك منتقدين جدد يقولون إن "التعديلات" التي جرى إدخالها لا تعفي الكنيسة تماماً من تمويل التغطية التأمينية لتنظيم النسل، واصفين تلك التعديلات بأنها ليست سوى نوع من "الخداع والتمويه". ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل رأى رؤساء بعض الكنائس الكاثوليكية أن التسوية التي اقترحتها الحكومة "لا تساوى شيئاً"، وتعهدوا برفع دعوى على الإدارة.
والشيء الواضح هو أن أوباما كان ولا يزال يمتلك السلطة التي تمكنه من تجاهل "حق الضمير" إذا ما هبت الرياح السياسية في اتجاه آخر، وهو ما يدعونا لطرح السؤال: هل الرئيس يدعم حق حرية الضمير أم أن إيماءاته مجرد فزورة ذات دوافع سياسية؟
ربما يكون الأمر كذلك، لكن الميل للابتعاد عن الحرية الدينية يتعرض للهجوم، في واقع الأمر، منذ فترة وقبل أن يأتي أوباما للبيت الأبيض بوقت طويل. كما أن الصراع حول الحرية الدينية، ونطاق سلطة الحكومة، ليس بالجديد أيضاً. فـ"جورج مايسون" و"جيمس ماديسون" أقرا بأن الدين التزام يجب علينا القيام به تجاه الخالق. مع ذلك كان "مايسون" يؤمن بأنه رغم ضرورة إيلاء الضمير الديني "أعلى قدر ممكن من التسامح"، إلا أن الحكومة حرة في تنظيم شؤون الضمير، إذا ما كان عدم قيامها بذلك سيؤدي الى تكدير سلام وسعادة أو أمان المجتمع".
لكن "ماديسون" الذي هاله أن "مايسون" قد حول واحداً من أقدس الحقوق إلى مجرد ميزة تمنح بفضل "سماحة" مشرعي القوانين، استجاب بالقول إن الممارسة الحرة يمكن الحد منها فقط عندما تؤدي إلى حرمان آخرين من "حريتهم"، وعندما تؤدي ممارسة الضمير "بشكل علني" لتعريض "وجود الدولة ذاته" للخطر.
وبالنسبة لـ"مايسون" -مثله في ذلك تماماً مثل أوباما- كانت الممارسة الدينية ميزة موضوعة تحت رحمة الحكومة. لكن "ماديسون"، رغم ذلك، نظر إليها باعتبارها حقاً غير قابل للتصرف فيه على كونه يقع خارج نطاق الحكومة.
ومن المهم هنا الإشارة إلى أن هذه الرؤية من قبل ماديسون هي التي شكلت أساساً لـ"التعديل الأول للدستور". لقد أدرك "ماديسون" الشيء الذي لم يدركه أوباما- كما هو واضح- وهو أن الضمير يمثل أثمن وأنبل ما نملكه على الإطلاق.
ومن الروايات التي قد يكون من المناسب إيرادها في هذا السياق، أن داعية الحقوق المدنية الشهير الراحل "مارتن لوثر كينج"، قد مر بتجربة خلال المراحل الأولى من حركته، أظهرت بوضوح أهمية حق الضمير. فذات ليلة من الليالي تلقى "كينج" مكالمة شريرة يهدد فيها المتصلُ أسرتَه. وفي الوقت الذي جعلته تلك المكالمة يقلق على سلامة أسرته، إلا أنه أدرك مع ذلك أن "تدينه يجب أن يكون حقيقياً... وأنه يجب أن يتقرب لربه في تلك اللحظة". وهذا ما فعله "كينج" حيث دعا ربه قائلاً: إنني، يارب، أحاول أن أفعل ما هو صواب في هذه الأرض... وأعتقد أن القضية التي أدافع عنها قضية عادلة... لكني يارب أجد أني أفقد شجاعتي".
وبعد أن انتهى من دعائه سمع "كينج" هاتفاً داخلياً يقول له: "مارتن، عليك الوقوف إلى جانب الصواب. عليك الدفاع عن العدالة، وعن الحق، وسوف أكون معك، من الآن وحتى نهاية هذا الكون".
لو قُدِّر لـ"ماديسون" أن يقرأ ما كتبه "كينج"، فسوف يؤمن أن ضميره الديني يجب أن يكون حقاً، وليس منّة من حكومة متسامحة (من آن لآخر).
وعلى ما يبدو فإن أوباما يريد منا أن نعتقد أنه سيعترف بهذا الحق كحق أيضاً، في حين أن أفعاله تدل على أنه قد لا يفعل ذلك!
فلو كان أوباما يدعم الحريات الدينية فعلاً، فعليه أن يخطو للأمام ويقدم دعمه لفكرة إجراء تعديل على الدستور يتبنى لغة "قانون استرداد الحريات الدينية لعام 1994"، وأن ينص في التعديل الجديد على أن الحرية الدينية ليست ميزة. فلو أجرى أوباما هذا التعديل فسوف يسترد أعظم مقتنياتنا على الإطلاق، ألا وهي "حق الضمير الديني".
رودني كيه.سميث
كاتب أميركي متخصص في القضايا الحقوقية
-----------------------------
ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق