الأربعاء، مارس 21، 2012

إسلام بلا مذاهب - حسن حنفي

http://www.azzaman.com/index.asp?fname=2012\03\03-19\779.htm&storytitle
2012/03/19

إسلام بلا مذاهب - حسن حنفي
حاول المصلحون منذ قرنين من الزمان التقريب بين المذاهب، دفاعا عن وحدة الأمة في مواجهة الاستعمار في الخارج والاستبداد في الداخل. فقد كانت الفُرقة المذهبية أحد أسباب انهيارها ابتداء من سقوط الأندلس ثم الخلافة العثمانية ثم تفتيت الأمة واستيلاء كل دولة استعمارية، فرنسا وانجلترا، علي أحد أجزائها. ولم تفلح الخيارات البديلة أن تعيد للأمة وحدتها مثل القومية العربية ممثلة في الأحزاب القومية أو في جامعة الدول العربية ، أو في المنظمات والمؤسسات العربية أو حتي في النضال العربي المشترك من أجل فلسطين. ولم تستطع التنظيمات الإسلامية أيضا استعادة وحدة الأمة وبقت علي مستوي الدول ومصالحها، وليست علي مستوي الشعوب ونضالها. ونشأت مؤسسة التقريب لهذا الغرض بين الشيخ القمي والشيخ شلتوت للتقريب بين الشيعة والسنة. ومازالت قائمة بنشراتها وإن كان الاهتمام بها قد قل. مع أن مخاطر التجزئة الطائفية والمذهبية والعرقية تزداد يوما بعد يوم في العراق بين سنة وشيعة أكراد وتركمان، وفي الخليج بين سنة وشيعة، وفي اليمن بين زيدية وشوافع، وفي مصر بين مسلمين وأقباط، وفي المغرب بين عرب وأمازيغ. وقد بدأ التقسيم بالفعل في السودان بين شمال وجنوب، ومر لبنان بعدة حروب أهلية بين طوائفه. فينتهي بديل القومية العربية كما انتهت الخلافة الإسلامية. وتتفتت المنطقة حتي تصبح إسرائيل هي أقوي دولة طائفية عرقية في المنطقة وفي مركزها. تقوم بدور مصر، ليس في توحيد العرب بل في تفتيتهم. فإسرائيل في المنطقة منذ ثلاثة آلاف عام والدولة العربية حديثة العهد منذ الحرب العالمية الأولي بعد خسارة تركيا الحرب وسقوط الخلافة!
ويبدو غريبا تصريح أحد المرشحين للرئاسة في مصر بأنه يقدم نفسه كمسلم سني سلفي حنفي. وهو ما يسير في اتجاه مخالف لما بدأته حركات الإصلاح. ولا يمد اليد إلي غير المسلمين وغير السنيين وغير السلفيين وغير الأحناف داخل الحركة الإسلامية. والأولي ألا يمد اليد إلي الحركات ما يطلق عليها "العلمانية"، ليبرالية وقومية واشتراكية وماركسية. ويصب في اتجاه الإسلام المحافظ الذي تعاني منه الأمة لتشدده في المظاهر دون مراعاة لظروف العصر، وإن كان تعبيرا عن الضيق بما حدث للحركات الإسلامية في النصف قرن الأخير من اضطهاد وتعذيب واعتقال واستبعاد. وإن كان الجميع بشعر بالخوف من سيادة هذا التيار علي الإسلام المستنير وباقي التيارات الأخري التي تستند إلي مرجعيات أخري كالحرية والعدالة والقومية.
فإذا قدم المرشح للرئاسة نفسه علي أنه مسلم فماذا عن غير المسلمين خاصة الأقباط المتخوفين من التيار الإسلامي وتطبيق الشريعة الإسلامية، وسيادة الأغلبية علي الأقلية، وهضم حقوق الأقليات علي ما تنادي به الاتجاهات المحافظة القبطية ويروجه الإعلام الغربي؟ والحقيقة أن جوهر الإسلام وجوهر المسيحية واحد وإن ركز الإسلام علي العدل، والمسيحية علي المحبة. وماذا عن اليهود المصريين وإن قل عددهم؟ وهم مصريون ساهموا في الثقافة المصرية والغناء والمسرح المصري.
ويقدم المرشح للرئاسة نفسه علي أنه سني، وماذا عن الشيعة المصريين وإن قلوا؟ والسنة أنفسهم بينهم تيارات ومذاهب وفرق: أشاعرة ومعتزلة وإباضية. وهو خلاف تاريخي بين أنصار معاوية وأنصار عليّ. استعملت فيه التسميات من أجل تقوية المواقف. فالسنة هم الذين علي الصراط المستقيم وعلي جادة الصواب. أما الشيعة فهم الذين تشيعوا لعليّ وخرجوا علي إجماع الأمة. وهو صراع تاريخي سياسي خالص، صراع علي السلطة تحول فيما بعد إلي خلاف في العقائد من أجل تقوية موقف كل فريق. وهل يجوز ذلك الآن، التمييز بين السنة والشيعة ونحن نحاول فتح أبواب الحوار مع إيران وحل الخلافات بين الدول علي ضفتي الخليج، حول تسميته، عربي أم فارسي، وحول الجزر الثلاث، وحول التغلغل الشيعي كمذهب والإيراني كدولة في كل الطرف الشرقي للوطن العربي؟ وإيران تقف في مواجهة إسرائيل والولايات المتحدة دفاعا عن حقها في امتلاك السلاح النووي الذي تملكه إسرائيل وتهدد به العرب؟
ويقدم المرشح نفسه علي أنه سلفي، أليس كل المسلمين سلفيين؟ السلفية تيار واحد يُنسب إلي أحمد بن حنبل. نشأ كرد فعل علي التيار العقلاني الذي كان يمثله المعتزلة الأوائل الذين كانوا هم أهل السنة بعد انشقاق الأشعري عليهم في القرن الثالث الهجري، عودا إلي النقل، وتراجعا عن العقل، والتزاما بحرفية النص دون تأويل. صحيح أن جانبا كبيرا من الحركة الإصلاحية الحديثة سلفي منذ ابن تيمية وابن القيم حتي رشيد رضا، ولكن محمد عبده كان عقلانيا ماتوريديا يجمع بين العقل والنقل مع أولوية العقل أحيانا. ونظرا لسيادة النقل هذه الأيام والتمسك بظاهر النصوص فربما كان من الأصلح إحياء التيار الاعتزالي وتشجيع التيار العقلاني كي يحدث توازنا بين العقل والنقل وكما أراد ابن تيمية في كثير من أعماله مثل "موافقة صريح المعقول لصحيح المنقول"، "درء تعارض العقل والنقل". وفي الإسلام المعاصر هناك سلفيون وإصلاحيون مجددون. هناك محافظون وهناك تقدميون. وحزب النهضة في تونس الذي تثير تجربته الإعجاب من الإسلاميين التقدميين. وحزب العدالة والتنمية في تركيا من الإسلاميين العلمانيين حيث لا تعارض بين الإسلام والعلمانية من حيث مقاصد الشريعة ودفاع كليهما عن الحياة والعقل والدين أي العلم والعرض أي الكرامة والمال أي الثروة الوطنية.
ويقدم المرشح نفسه باعتباره حنفيا، وماذا عن باقي المذاهب؟ ماذا عن الشافعية وهي منتشرة في مصر، وقد عاش الشافعي وتوفي في مصر؟ وماذا عن المالكية وهو جزء من المغرب العربي حيث المالكية هي المذهب السائد؟ وماذا عن الحنبلية، ولا يوجد شعب يعظم آل البيت مثل الشعب المصري، وعديد من أئمته يرقدون في ثري مصر؟ فمصر بها كل المذاهب. بل إن المصريين بطبيعتهم بسطاء لا يعرفون المذهبية. لذلك تعايشت بها كل المذاهب. وكل مذهب له فضله وقيمته وأصله. فإذا كانت الحنفية تعتمد علي العقل والاستنباط وهو ما يعارض السلفية أحيانا فإن المالكية تعتمد علي المصالح المرسلة "ما رآه المسلمون حسن فهو عند الله حسن". والشافعية تجمع بين الاثنين، بين حنفية العراق ومالكية مصر، بين العقل والمصلحة. والحنبلية تذكّر بالنص، وتقرع أجراس الوحي. فلا تعارض بين المذاهب بل تكاملا بينها.
وما فائدة أن ينتسب المرشح إلي دين بعينه أو طائفة بعينها أو فرقة كلامية بعينها أو مذهب فقهي بعينه؟ ما يهم الناخبون هو برنامجه السياسي، موقفه من الحريات العامة، ومن العدالة الاجتماعية، تصوره للحد الأدني والحد الأعلي للأجور، برنامجه لمحو الأمية، وعلاج مشكلة البطالة والمرض والإيواء، وسياسته الخارجية مع دول الجوار خاصة تركيا وإيران، وموقفه من أعداء مصر والعرب التقليديين، إسرائيل وأمريكا، وخطته لتحرير فلسطين، وتنمية الموارد من أجل عدم الاعتماد علي المعونات الخارجية أو الاقتراض من البنك الدولي. بل إن الناخبين يريدون سماع رأيه في المحاكمات الدائرة الآن لرموز النظام السابق، وكيفية استعادة أموال مصر المهربة، وتصوره للدولة المدنية، وموقفه من المجلس العسكري، والحد الأدني من البرنامج الوطني الذي يتفق فيه مع باقي التيارات السياسية. وأين الهوية الوطنية؟ فتحديد هويته بأنه مسلم سني سلفي حنفي لم يقل أنه مصري عربي. والهوية الوطنية والقومية تأتي أولا. وقد كان حسن البنا ينهي رسائله كما فعل في رسالته إلي المؤتمر الخامس "من أجل مصر والعروبة والإسلام". وهي نظرية الدوائر الثلاث للتحرك المصري كما تصوره عبد الناصر. لِمَ الدخول في فرق تاريخية مضت لا يتذكرها أحد وترك التحديات المعاصرة؟
هل القصد تجميع أصوات الناخبين بعد نجاح التيار الإسلامي في الانتخابات الأخيرة لمجلسي الشعب والشوري؟ ولما يكون الاعتماد علي تيار واحد دون آخر فيكون المرشح أعور يري العالم بعين واحدة، أو أعرجا يسير علي ساق واحدة؟ لماذا لا يدافع عن المصالح العامة ويصوغ برنامجا وطنيا يلتف حوله الجميع؟ لماذا لا يخاطب الإسلام المستنير، حلقة الوصل بين الإسلاميين والليبراليين، والمرشح أحيانا وفي بعض مواقفه محسوب علي هذا التيار؟
هذا ليس نقدا لأحد المرشحين للرئاسة بل دفاعا عنه، وتوسيعا لرؤيته وجماهيره، واستمرارا لحركة الإصلاح. فلس القصد هو القصر بل العقل. القصر ذاهب، والعقل باق. ربما تكون الرواية عن هذا التصريح غير دقيقة أو غير صحيحة. فقد اختلط الحابل بالنابل في الترشيح للرئاسة. كَثـُر المرشحون. والكل يخاطب الأصوات. والثورة تريد من يدافع عنها وإلا دافعت هي عن نفسها.

/3/2012 Issue 4152 - Date 20-
Azzaman International Newspape
=

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أضف جديد هذه المدونة إلى صفحتك الخاصة IGOOGLE

Add to iGoogle

المتابعون